بيان الحزب الشيوعي العراقي : في مناسبة حلول الذكرى السابعة والخمسين لثورة تموز 1958

تحل علينا الذكرى السابعة والخمسون للحدث الأبرز في تاريخ عراقنا الحديث، وهو ثورة (14) تموز المجيدة عام 1958، تلك الثورة التي غيرت وجه المجتمع العراقي، وفتحت الطريق إمامه لولوج عصر الحداثة، حيث وفرت له فرصة تاريخية، قلما يجود الزمن بمثلها، للخروج من نفق التخلف والاستبداد والتبعية، إلى فضاء الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم.
كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية- الاجتماعية في العهد الملكي الرجعي سيئة إلى ابعد الحدود، فالقمع وإرهاب الدولة، لاسيما في زمن الوزارات التي ترأسها نوري السعيد ،كانا هما السائدين، فأعتقل وعذب وشرد ألاف المواطنين على اختلاف تلاوينهم السياسية والفكرية، واعدم العديد من خيرة أبناء الشعب العراقي، وفي مقدمتهم قادة حزبنا الاماجد "فهد، حازم، صارم"، وجوبهت التظاهرات السلمية بالحديد والنار . كما بلغ التفاوت الطبقي مديات واسعة جداً في المدينة والريف، حيث بلغ التفاوت ،على سبيل المثال ، في ملكية الأراضي الزراعية حدا لامثيل له في أي بلد من بلدان العالم الأخرى، فيما ساد ثالوث الجهل والفقر والمرض حياة العراقيين.
ولم تكتف الأقلية الرجعية الحاكمة بكل ذلك، بل كبلت العراق ايضاَ، باتفاقيات جائرة مع الدول الاستعمارية، وزجت به في حلف بغداد العدواني، ما جعلها عقبة كأداء في طريق تطور وازدهار بلدنا، وكان لابد من إزاحة هذه الأقلية الرجعية، بعد أن تلاشت أية إمكانية لأصلاحها.
واستطاعت الثورة أن تستقطب في عامها الأول ملايين العراقيين، الذين اندفعوا في نشاط سياسي جماهيري، قل نظيره، وكانوا محرومين منه طيلة السنوات الماضية، فأنضموا بأعداد غفيرة إلى مختلف الاتحادات والنقابات والجمعيات والأحزاب، تعبيراً عن رغبتهم في بناء وطن زاهر وسعيد.
لقد كانت الانجازات التي حققتها الثورة كبيرة حقاً وعلى مختلف الصعد، بفضل الحريات الواسعة التي تمتعت بها الجماهير الشعبية الغفيرة، فصدر قانون الإصلاح الزراعي رقم (30) لسنة 1958، وقانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959، وهو أول قانون مدني ينظم العلاقات الأسرية في العراق، بعد أن كانت تخضع لشرائع وأعراف متخلفة. كما صدر القانون رقم (80) لسنة 1961، الذي حرر (99.5%) من مناطق امتياز الشركات النفطية الاحتكارية، وتم الخروج من حلف بغداد وكتلة الاسترليني، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والسكن وتوفيرها لأبناء الشعب مجانا، وعقدت الاتفاقات الاقتصادية والفنية والتجارية مع الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الأخرى التي ساعدت على نهوض البلاد صناعياً وزراعياً، وعلى تحقيق الاستقلال الوطني الناجز.
وكان مقدرا للثورة أن تواصل مسيرتها التقدمية، وتتجذر سياسياً واقتصادياً، لكنها لم تستطع ذلك مع الأسف الشديد، لأسباب عديدة، يأتي في مقدمتها حجم التآمر الداخلي والخارجي عليها، وتنامي الميول الفردية واللاديمقراطية لقيادتها، الأمر الذي أسهم في عزلتها جماهيرياً، ووفر الأرضية الملائمة لنجاح انقلاب (8) شباط الأسود، والدخول في نفق اشد ظلاماً ودماراً من الفترات السابقة.
أن الأهمية الاستثنائية لثورة (14) تموز ومآلها، تدفع بسائر الوطنيين والديمقراطيين، وبكل من يدعي حب العراق، إلى استلهام الدروس والعبر الثمينة منها. وأهمها ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية شعاراً وممارسة، عبر بوابة المصالحة الوطنية، وبأجراءات وخطوات مدروسة وملموسة، ليس بين النخب السياسية رغم أهميتها وحسب، وإنما بين الكتل والاتجاهات المجتمعية ايضاً. فكسب ثقة أبناء المناطق المنكوبة بسيطرة داعش عليها، يرتقي إلى مستوى الضرورات، من اجل إجهاض تطلعات ونوايا داعش الشريرة، وكذلك دعاة التقسيم، والحروب الأهلية والطائفية.
ومن الدروس المهمة أيضا، بناء مؤسسات الدولة على أسس الكفاءة والنزاهة والوطنية، كما كان حال الجيش العراقي آنذاك، الذي كان يضم في صفوفه كل أطياف الشعب العراقي القومية والدينية والطائفية بفضل الخدمة الإلزامية، وامتلاكه عقيدة وطنية وولاء لشعبه ووطنه، وليس للطائفية أو القومية، أو لحزب معين، ولذلك انحاز إلى جانب الشعب العراقي، وفجر الثورة في 14 تموز 1958، الأمر الذي يتطلب إعادة بناء وهيكلة القوات المسلحة العراقية على هذه الأسس السليمة، وتطهيرها من الفاسدين والفضائيين والقادة الفاشلين ووضع السلاح بيد الدولة حصراً،?وإعادة الاعتبار لمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، وفي كل مؤسسات الدولة من دون استثناء.
أن النضال المتفاني لإصلاح العملية السياسية، ونبذ المحاصصة الطائفية- الاثنية أس بلاء الشعب العراقي، وإشراك الجميع في صناعة القرار السياسي من دون تهميش أو إقصاء لأحد، وضمان استقلاليته، بعيداً عن الاستقواء بالأجنبي، عربياً كان أم اقليمياً، أم دولياً، والاعتماد على الحراك الجماهيري لانتزاع حقوق الكادحين والدفاع عن مصالحهم الجذرية وبالتالي توحيد كل الجهود والطاقات المتوفرة لدينا، وهي كثيرة، بما فيها وحدة القيادة العسكرية ووحدة الفصائل المقاتلة لتحرير الأرض من دنس "داعش" ومريديها، هو شرط لاغنى عنه، ومهمة لا تقبل التأجيل، للقضاء على "داعش" وسائر الإرهابيين وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار لشعبنا العراقي، واستعادة ثقافة العيش المشترك، وشراكة الجميع في عراقنا الحبيب، عرباً وكرداً وتركماناً، وكلداناً، وسرياناً، وآشوريين وكل المكونات الاجتماعية الأخرى، وصولاً إلى إعادة بناء بلدنا على أسس الديمقراطية الحقيقية والمحبة والتسامح والعدالة الاجتماعية.
عاشت الذكرى السابعة والخمسون لثورة تموز المجيدة
وعاش الشعب صانع الثورات والانتفاضات
اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي العراقي
اواسط تموز 2015