بلاغ صادر عن الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في ٢٨ نيسان ٢٠١٧

عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي يوم الجمعة 28 نيسان 2017 اجتماعها الاعتيادي في بغداد ، وبدأت اعمالها بالوقوف دقيقة صمت تكريما لضحايا الارهاب وشهداء الشعب ولابناء قواتنا المسلحة والحشد الشعبي والبيشمركة والمتطوعين الذين جادوا بارواحهم دفاعا عن ارض الوطن ولدحر داعش الارهابي . واستذكر الاجتماع باعتزاز الرفاق والاصدقاء الذين رحلوا عنا ، مشيدا بما اجترحوه وقدموه.
وحيا الاجتماع حلول الذكرى السنوية للاول من ايار ، عيد العمال العالمي ، مستذكرا نضالات طبقتنا العاملة وشهداءها الابرار.
درس المجتمعون تقارير عن عمل الحزب وهيئاته القيادية ومختصاته المركزية ومنظماته في عموم بلادنا، منذ التئام المؤتمر الوطني العاشر للحزب ( 1-3 كانون الاول 2016)، وثمنوا عاليا دور منظمات الحزب ورفاقه واصدقائه وجماهيره، ومساهمتهم الفاعلة في اعلاء شأنه، والارتقاء بدوره في الحياة السياسية وفي الحراك الجماهيري المتواصل في البلاد، وما قدموه على صعيد النشاط الحزبي في جوانبه المختلفة، وللتعريف بنتائج المؤتمر الوطني العاشر ووثائقه، وفي السعي الى تنفيذ النداءات الصادرة عنه.
واتخذ الاجتماع جملة من القرارات لتحسين اداء الحزب وتطويره ومعالجة الثغرات والنواقص، وللتوظيف الافضل لموارده البشرية، والارتقاء بالهمم للاسهام الاوسع في ادامة زخم المؤتمر العاشر بما يؤمن حضورا فاعلا للحزب على مختلف الصعد. كذلك تنشيط الحركة المطلبية والجماهيرية وتطويرها، ورفع وتيرة الضغط الشعبي لتلبية مطالب الجماهير المشروعة والعادلة، والمضي قدما على طريق تحقيق الاصلاح والتغيير.
وتوقف الاجتماع عند المستجدات والتطورات السياسية الجارية في بلادنا، وفي شأنها توصل الى الآتي :

عن الازمة العامة في بلادنا وتجلياتها
باتت تداعيات وآثار الازمة العامة البنيوية التي تعصف بالبلاد، وحالة الاستعصاء السياسي المستمرة وما تجره من فشل في ادارة شؤون الدولة، ومواجهة التحديات الجسيمة الراهنة، تثير رفضا شعبيا متناميا لنهج المحاصصة الطائفية والاثنية، وما نجم عنه من خراب في بناء الدولة ومؤسساتها واستشراء للفساد في مفاصلها وعجز عن أداء الكثير من وظائفها، ومنها توفير الخدمات العامة للمواطنين.
وجاء سير الاحداث في الأشهر المنصرمة ليؤكد صحة التقديرات التي تضمنتها وثائق وقرارات المؤتمر الوطني العاشر للحزب، فيما اضافت الحرب ضد داعش وما يتوقع ان يعقبها، القلق في خصوص قضايا عديدة بضمنها مسألة بقاء الدولة العراقية ككيان موحد.
كذلك ازداد الوعي لدى قطاعات واسعة من شعبنا بمخاطر التمسك بنظام دولة المكونات وتجاهل مبدأ المواطنة، وما قاد اليه هذا من تشظ مجتمعي واضعاف للوحدة الوطنية وتمزيق للنسيج الاجتماعي وتمييز بين المواطنين. الأمر الذي دفع العديد من القوى والشخصيات السياسية المتنفذة والفاعلة في كتل وقوائم تعلن انها تمثل طوائف معينة، إلى التصريح بنبذها الطائفية السياسية ونهج المحاصصة، وتبنيها شعارات ومفردات سياسية برنامجية كانت تطرح حصراً من طرف حزبنا وقوى وشخصيات التيار المدني الديمقراطي، مثل اعتماد مبدأ المواطنة في بناء مؤسسات الدولة وعملها، والانتقال من دولة المكونات إلى دولة المواطنة.
وطبيعي ان جدية وصدقية هذه المواقف مرهونة بالأفعال الملموسة، التي تترجم هذه التوجهات على صعيد التشريع والاجراءات التنفيذية للدولة التي يسيطر المتنفذون على مواقع القرار الرئيسة فيها. فرغم الكلام المعسول، لا تؤشر الوقائع والمواقف العملية لهذه القوى والشخصيات مغادرتها نهج المحاصصة، او كفها عن الصراع على مواقع السلطة ومنافعها والامتيازات.
ولعل هذا يفسر بدوره التناقض اللافت في مسار الاحداث؛ ففي حين يتعزز دور المؤسسة العسكرية وينمو تأثيرها والتقدير لدورها في مكافحة الارهاب وداعش، لا تزال الدولة غير قادرة على استعادة هيبتها وفرض القانون على الجميع. فهي لم تستطع أن تحقق انجازاً يذكر في التطبيق الناجع لشعار وضع السلاح بيد الدولة والسيطرة على النزاعات ومنها العشائرية، وها نحن نشهد حوادث وظواهر تحمل مخاطر جدية على امن وسلامة المواطنين والممتلكات وعلى منظومة الحقوق والحريات، وهي ترتبط بالدور المتنامي للجماعات المسلحة على حساب سلطة الدولة وقدرتها في توفير الحماية لجميع المواطنين وللناشطين السياسيين، وللحياة العامة في البلد.
وقد شهدت البلاد منذ انعقاد المؤتمر العاشر احداثا وممارسات تنتهك الحريات العامة والخاصة التي ينص عليها الدستور ومواده، ما يؤكد الانتقائية الكبيرة والواضحة في التعامل مع هذا الملف. حيث يصبح ما هو مقبول وما هو غير مقبول خاضعا لاعتبارات وتقديرات ومعايير تخص جماعة او فئة معينة سياسية او غيرها، الامر الذي يتقاطع مع حق الجميع في التعبير عن الرأي سلميا ووفقا للدستور واحكامه وروحه.
ومن الانتهاكات الكبرى لمواد الدستور عدم قيام الدولة بواجبها ازاء المواطنين وعدم توفيرها الخدمات الاساسية لهم. بل ان هذه الخدمات تدهورت كثيرا، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والنقل والسكن وتوفير المواد الغذائية باسعار مناسبة. ومع استمرار التدهور في تجهيز البطاقة التموينية وضعف التخصيصات المالية لها، يتدهور الامن الغذائي لاعداد متزايدة من العوائل العراقية. وتذكر الاحصاءات الرسمية ان 2,5 في المائة من العوائل غير آمنة غذائيا، و53 في المائة من السكان و66 في المائة من النازحين معرضون إلى فقدان الأمن الغذائي، فيما تزداد نسبة المواطنين الذين هم تحت مستوى خط الفقر. وبات هذا التدهور في المستوى المعيشي يشمل فئات وشرائح اجتماعية واسعة، وهي تتنامى في اوساط الفئات المهمشة في العشوائيات خصوصا، وبين العمال والفلاحين وعامة الكادحين وذوي الدخل المحدود، ومن الفئات الوسطى.
وتتسع هذه الظواهر مع استمرار الحرب ضد داعش وتكاليفها الباهظة، وانخفاض واردات النفط، واعتماد التقشف. في حين يتواصل من جانب آخر هدر اموال الدولة باشكال متعددة، يتقدمها الفساد الذي رغم ما يقال ويعلن عن اجراءات للحد منه، يتواصل ولا ينقطع. والمثال الصارخ على ذلك يتجسد اليوم في بعض العقود، وفي ما تم تأشيره في المنافذ الحدودية. في وقت لم تستطع السلطات استعادة المبالغ التي سرقت وهربت الى الخارج.
ومع توقف الكثير من النشاطات الاقتصادية وضآلة المشاريع الاستثمارية في الموازنة العامة للدولة وفي القطاع الخاص، لا سيما في قطاعات الصناعة والزراعة والبناء والخدمات الانتاجية، تزداد نسب العاطلين عن العمل بنحو مخيف حتى يكاد التوظيف الحكومي، خصوصا في القوات المسلحة على اختلاف تشكيلاتها، يكون المنفذ الوحيد امام العاطلين، وبضمنهم اعدادا متزايدة من الخريجين وحملة الشهادات. مع الاشارة الى ان التوظيف في الدولة ومؤسساتها ما زال يتم على اساس الموالاة والتحزب الضيق ومقابل دفع مبالغ كبيرة من الرشى.
ويجري هذا في غياب خطة متكاملة للحكومة تسير بموجبها، ولها آلياتها وضوابطها وتوقيتاتها. فيما يتم التراجع حتى عن حزم الاصلاح المحدودة، التي اعلنت في فترات سابقة تحت ضغط الحراك الجماهيري، بل ولم تعد اليوم تذكر حتى.

الحرب ضد داعش والارهاب
بعد النكسة العسكرية - السياسية في حزيران 2014، وتمدد داعش في ما يقرب من ثلث اراضينا، وما سببته من كوارث وخسائر بشرية ومادية وآلام متواصلة، جرى تجميع عوامل التصدي لداعش ووقف تقدمها والمباشرة في تحرير الاراضي التي وقعت تحت سيطرتها. وخاضت القوات المسلحة والبيشمركة والحشد الشعبي والمتطوعون المحليون معارك بطولية وقدموا التضحيات الغالية، في وقفة وطنية تستحق كل التقدير والثناء، ويستحق كل من ساهم فيها العناية والرعاية، خاصة عوائل الشهداء والمصابين والمعوقين. وبفضل ذلك والوقفة الايجابية للشعب والقوى السياسية عامة، والمساعدات الدولية، تحققت انتصارات كبيرة على ما اسمي بـ " الدولة الاسلامية ". ولعل هذه الانتصارات هي المساحة المضيئة الاساسية في مشهد عام مضطرب وضبابي ومؤلم. لكنها لوحدها لا تفتح بالطبع افقا سياسيا للبلد.
واذ تدور المعارك الان لاستكمال تحرير مدينة الموصل يتوجب القول ان الانتصارات المتحققة فيها لم تكن بمعزل عن التفاهمات التي جرت سواء مع البيشمركة، او مع التحالف الدولي الذي رفع من مستوى دعمه واسناده بما فيه اللوجستي، ولا بمعزل عن اسهامة المتطوعين. وهذه عوامل مهمة يتوجب ليس الحفاظ عليها فقط، بل وتطويرها بهدف استكمال تحرير أراضينا التي ما زال يتحكم فيها التنظيم الارهابي. ويستلزم هذا ادراكا عميقا من كل الاطراف لحقيقة ان المعركة مع داعش والارهاب لم تنته بعد، وانها تحتاج الى المزيد من التعاون والتنسيق .
وهنا تتوجب الاشارة الى ان تحرير ما تبقى من اراضينا لا يفترض بأي حال من الاحوال ان يربط بأجندات سياسية، او بترتيبات يسعى البعض اليها مبكرا ويريد فرضها كأمر واقع، واستباقا لما قد تؤول اليه الامور بعد الخلاص من داعش. فالمواطنون في هذه المناطق يعانون الأمرين، وهناك شح كبير في المواد الغذائية والطبية، فضلا عن تحويل داعش المدنيين الى دروع بشرية.
ان النصر العسكري لم يتحقق بعد، وما زالت امام قواتنا المسلحة بكافة تشكيلاتها مهمة استكماله بتحرير المناطق الخاضعة للتنظيم المجرم في الموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك والانبار. فيما تنهض امام الجميع المهمة الاشمل، المتمثلة في دحر الارهاب تماما وتجفيف منابعه في بلدنا، وهو ما يحتاج الى مقاربات ومشاريع اخرى متكاملة، سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وثقافية وفكرية واعلامية، وتنسيقا مع الجهد الدولي ضد الارهاب. وهذا يتطلب الكثير من الوضوح والجراة والاقدام والحسم وعدم التردد. ويتطلب قبل كل شيء توفير الاجواء السياسية المناسبة واستمرار التعاون بين مختلف الفرقاء، وليس الركض وراء منافع آنية تعجز في جميع الاحوال عن ضمان مكاسب دائمة، ولن تجلب في نهاية المطاف الأمن والاستقرار الى ربوع وطننا. فدحر داعش والإرهاب هو مهمة وطنية عاجلة لا يجوز استخدامها كورقة ضغط في الصراعات السياسية وغيرها.
ان الجهد يجب ان يتواصل بما يجعل مكافحة الارهاب هما وطنيا مشتركا، يقود في نهاية المطاف الى الحيلولة دون تكرار ظاهرة داعش تحت أي مسمى او عنوان.
وفي حين تتواصل معركتنا ضد داعش والارهاب، لا تزال السلطات الثلاث، لا سيما القضاء، مطالبة بالتعامل الجاد مع تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في اسباب سقوط الموصل وغيرها من مدن الوطن، والاستنتاجات التي خرج بها في شأن من يتحملون مسؤولية ما حصل. فمثل هذا التعامل سيؤشر توجها جديا من طرف الجهات المعنية نحو اتخاذ اجراءات تحول دون تكرار اسباب ما وقع، بكل كلفه الباهظة في الارواح والاموال والممتلكات والسلاح.
ملايين النازحين والمهجرين
الى جانب هذا هناك ملايين النازحين والمهجرين الذين ما زالوا يعيشون في ظروف بالغة القسوة، ولا تتوفر لهم ابسط مقومات الحياة. فلا بد من معالجة اوضاعهم الانسانية الصعبة، والعمل من دون اية شروط سياسية او اثنية او طائفية على تيسير عودتهم الى ديارهم ومدنهم التي حررت، واعانتهم على استئناف حياتهم الطبيعية. فمن غير الجائز ولا المقبول انسانيا ووطنيا بقاء هذه الملايين في العراء، تتحمل برد الشتاء وحرارة الصيف وتفتك بها الامراض ويهدها الجوع. ويتوجب عدم تكرار التجربة السابقة في التعامل مع ابناء المناطق التي احتلها داعش، والتي كان من عناوينها الاقصاء والتهميش وعدم الاستجابة الى المطالب العادلة، واطلاق النعوت وتوجيه التهم جزافا من دون ادلة موثقة، وادخال كل هذا في حسابات سياسية وطائفية ضيقة، كانت هي ذاتها من بين اسباب عديدة سهلت لداعش هذا التمدد السريع في اراضي بلدنا. ولا بد ايضا من التحذير من أي مسعى، وبأية ذريعة، الى تغيير الطابع الديموغرافي للمناطق المحررة من قبضة داعش والارهاب.

عودة الحياة الطبيعة
اليوم وبعد تحرير الكثير من هذه المناطق من قبضة داعش تبرز الى الواجهة الحاجة الى تهيئة كافة المستلزمات، الضرورية لسد طريق عودة الارهابين وتسللهم اليها. ولا شك في أن اهل هذه المناطق هم اولى بانجاز هذه المهمة بعد توفير ما يحتاجونه من تجهيزات ومعدات، الى جانب دعم واسناد مؤسسات الدولة الامنية والعسكرية. فداعش سوف يسعى الى تحريك خلاياه النائمة واستغلال اية ثغرات للقيام باعماله الشريرة التي تستهدف قبل كل شيء الحاق اكبر الخسائر البشرية بالمواطنين بغض النظر عن طوائفهم واديانهم، في هذه المناطق وغيرها على حد سواء.
ويبقى على درجة عالية من الاهمية الاسراع في اعمار ما خرب، ورصد المبالغ اللازمة لذلك. فاعمار ما خربه الارهاب لا بد ان يحتل الاولوية بالنسبة الى الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم والحكومات المحلية، مع ضمان وضع الأموال المخصصة في اياد نزيهة ووطنية، ليس همها الاساس تعظيم مواردها الشخصية على حساب جوع الناس ومعاناتهم.
وفي هذا السياق يحتل الصدارة توفير الخدمات الاساسية التي يحتاجها المواطنون: الماء والكهرباء والغذاء والمواد الصحية الكافية.
ان الواجب يدعو الى اطلاق حملة وطنية شاملة لإعادة الحياة الطبيعية الى هذه المناطق، ولتأمين دعم دولي لها، فيما يبقى الاساس ما تقوم به مؤسسات الدولة ووزاراتها ومؤسساتها.
ويبقى ان نشير الى اهمية وضرورة رعاية عوائل المقاتلين جميعا، ومنح الشهداء منهم حقوقهم في التقاعد وغيره، ورعاية الجرحى والمعوقين وتقديم أفضل الخدمات الصحية لهم، في داخل وخارج الوطن، ومساعدتهم على العودة الى حياتهم الطبيعية.

تحديات ما بعد هزيمة داعش
مما لا شك فيه ان بلدنا سيواجه تحديات عدة بعد تحرير الارض من داعش الارهابي، ومنها :
• تزاحم المشاريع ذات الصلة بالكيان العراقي الموحد. حيث يجري الحديث مثلا عن السعي الى اجراء استفتاء في الاقليم. ومن حيث المبدأ يحق للأقليم التعرف على رأي مواطنيه بشأن الاستقلال. ولكن الأمر يتعلق بامكانية تحقيق ذلك عمليا، وما يترتب على تنظيمه ونتائجه من تداعيات سياسية عراقيا واقليميا ودوليا. خصوصا وانه لا يوجد اجماع بين القوى السياسية في الاقليم، ولم تحسم حتى الان حدود الاقليم، ولا قضية المناطق المتنازع عليها، والتي تتطلب معالجتها تفعيل المادة 140 من الدستور. وهناك ايضا العديد من الملفات المعلقة بين الحكومة الاتحادية والاقليم، والتي تنتظر حوارا جادا ومسؤولا حول التعامل معها وحلها لصالح مجموع مواطني الاقليم والعراق. مع الاخذ في الحساب ان العديد من دول الاقليم ابدت معارضتها القوية لاستقلال كردستان.
وفي كركوك، حيث جرى رفع العلم الكردستاني الى جانب العلم العراقي، رغم انه كان مرفوعا سابقا من دون قرار من مجلس المحافظة الذي صوّت على ذلك اخيرا بعد انسحاب ممثلي العرب والتركمان، يطرح ايضا موضوع الاستفتاء فيها، وإن لم تحدد وجهته بعد، وفي أي المناطق سوف يجرى؟ ويبقى مؤسفا أن تثار قضايا خلافية ويجري تأجيجها، فيما لا تزال مناطق في المحافظة محتلة من قبل داعش!
وينطبق هذا على الطروحات والمشاريع التي تعالج اوضاع الموصل الادارية بعد تحريرها، والحديث عن تقسيمها الى عدة محافظات، او تكوين محافظات معينة في سهل نينوى وتلعفر وسنجار مثلا. وهنا ايضا ومن حيث المبدأ يمكن اقامة محافظات جديدة، او تحريك الوضع الاداري في المحافظات القائمة، عندما تكون الحاجة ماسة الى ذلك، وحين يطرح الموضوع في سياق سليم مع تأمين عودة اهالي تلك المناطق من مخيمات النزوح، وان تساعد التشكيلات الإدارية الجديدة في ضمان الأمن والاستقرار وتوفير الخدمات وتعزيز اللحمة الاجتماعية للأهالي، واستنفاد امكانيات معالجة الاشكاليات والتخفيف من اجواء عدم الثقة، وضمان عدم التمييز والتهميش والاقصاء، والتعامل مع العراقيين جميعا بالدرجة نفسها واعلاء مبدأ المواطنة. ويتوجب هنا القيام بكل ما هو ممكن لتطمين اهالي هذه المناطق الى قدرة الدولة ومؤسساتها على توفير الحماية لهم، وان بوسعهم الاعتماد عليها اساسا في تأمين ذلك .
وتبقى موضع التساؤل طائفة واسعة من القضايا المتراكمة عبر السنين، التي يتطلب حلها الصبر والتأني، وروح المبادرة والحوار الجاد، والابتعاد عن سياسة فرض الامر الواقع او الانغماس في تحقيق المصالح الفئوية والخاصة، هذه القضايا التي تثار هي ايضا في الوقت الذي تستمر فيه المعارك ضد داعش.
• مدى القدرة على ضبط الامن وتحقيق الاستقرار والمضي قدما في التصدي للارهاب وضرب خلاياه النائمة والحؤول دون حصول التفجيرات الارهابية. كذلك على التعامل مع الاعداد المتزايدة من المسلحين والجماعات المسلحة، وكيفية تأطيرها بما يحقق فعلا شعار وضع السلاح بيد الدولة، وتنفيذ ما جاء في الدستور بشأن دور المؤسسة العسكرية عموما، وعدم تدخلها في الشؤون السياسية والحرص على ان تكون مهنية تؤدي دورها كما في كل البلدان الديمقراطية. وهنا ايضا تثار الاسئلة المتعلقة بالتنظيمات العسكرية وعلاقتها بالاحزاب، خصوصا عندما تجاز وفقا لقانون الاحزاب الرقم 36 لسنة 2015 الذي حرّم استنادا الى الدستور ان تكون للاحزاب تنظيمات عسكرية. ويبقى مهما التصدي لجماعات الجريمة المنظمة وعصابات السطو المسلح، وهو ما اصبح مثار قلق متزايد لدى المواطنين.
• مدى الجدية في تحقيق المصالحة المجتمعية والوطنية والتسويات ذات العلاقة. فالكثير من المشاريع لا تزال مجرد شعارات ومهرجانات ولقاءات عامة. خصوصا وان القائمين عليها والمروجين لها هم اساسا في السلطة على مدى 14 سنة، ولم يقدموا خلالها على انجاز شيء جدي. والظاهر ان طرح هذه المشاريع الان بغض النظر عن مسمياتها يرتبط باستحقاقات ما بعد داعش، والفشل في ادارة الدولة، وقرب اجراء الانتخابات، ما جعل منها اقرب الى محاولة لاعادة الترويج لنفس الوجوه والمفاهيم، التي اعتمدت طيلة الفترة الماضية وقادت البلاد الى ما هي فيه الان، وفاقمت الكثير من المشاكل والصعوبات، لعل في مقدمتها ما حصل من اجتياح داعش للعديد من محافظات الوطن. فهي في الواقع مشاريع لاعادة تجريب ما سبق ان جُرب ولم يأت بحلول ناجعة لمشاكل البلد، والاساس فيها هو المحاصصة التي تصر هذه المشاريع على اعتمادها. كما تتوجب الاشارة الى ان طرح هذه المشاريع في الوقت الحاضر ليس بعيدا عن استحقاق الاصلاح والتغيير الذي يفرض نفسه، ومحاولات الالتفاف عليه باجراءات ترقيعية لا ترقى الى مستوى ما تطالب به الجماهير.
• اننا لا نقلل من اهمية وضرورة تحقيق "التسوية" بابعادها السياسية والوطنية والمجتمعية، لكننا نلاحظ ضعف التجاوب مع المشاريع المطروحة والناجم عن غياب الثقة بجدية التزام القوى المتنفذة بالمواثيق المبرمة، وباتخاذها الخطوات العملية والتنفيذية التي تمهد لخلق أجواء اعادة الثقة، المفقودة حاليا على الصعيدين السياسي والمجتمعي، للمضي قدما على طريق المصالحة وتحقيق اتفاقات التسوية. وثمة ملفات تشريعية وسياسية واجراءات حكومية واخرى على صعيد الممارسة والخطاب، تمثل طريقة معالجتها محكا لمدى جدية التوجه نحو المصالحة من قبل القوى السياسية الماسكة بمفاتيح السلطة. علما انه لم يتم احراز تقدم ملموس في هذا الشأن رغم خطاب التسويات، وابرز مثال على ذلك تعثر الاتفاق في شأن قانون العفوالعام، والتطبيق الانتقائي لقانون المساءلة والعدالة وغير هذا.
ان بلدنا في حالة حراك سياسي، وفي حالة تشظ للكتل الكبيرة واعادة بنائها، وقيام ائتلافات وتكتلات واحزاب جديدة تجنح عموما الى اخذ تسميات مدنية. ويحصل هذا بتأثير اسباب وعوامل عدة، نذكر منها :
- الفشل في ادارة الدولة، والهروب الى امام من المسؤولية عما وقع، وهو كبير خصوصا ما يتعلق بوحدة الكيان العراقي، كذلك من المسؤولية التاريخية للقوى المتنفذة عن الشرخ الحاصل في الوحدة الوطنية والتشظي المجتمعي، وهي التي تدفع بسياساتها ومواقفها كل يوم الى نقطة اللاعودة، قاطعة الطريق على الحوار الجاد كوسيلة لمعالجة ما تراكم من مشاكل ومعضلات.
- ما ادى اليه فشل مشاريع ادارة الدولة من توجه الكثيرين من الناس الى تبني التوجهات المدنية والدعوة اليها والترويج لمفاهيمها، ولا شك في المساهمة الواضحة والكبيرة لحزبنا وللقوى المدنية والديمقراطية في ذلك. وهذا يفسر لجوء البعض الى ارتداء ثوب المدنية، في مسعى للجمع بين الدعوة الى الدولة المدنية والاحتفاظ بالبعد الطائفي في الآن نفسه.
- الحراك الجماهيري وضغطه، وكشفه مواطن الخلل، وما احدثه على الساحة من فرز مازال يتواصل ويتفاعل.
- اقتراب موعد اجراء الانتخابات والخشية من خسران كل شيء يدفعان البعض الى التكيف قدر المستطاع مع الاستمرار في الاستحواذ على الغنائم واعادة اقتسامها.
لكل هذه الاسباب وغيرها، ومع قرب دحر داعش عسكريا، واقتراب مواعيد انتخابات مجالس المحافظات ومجلس النواب، قد تظهر خارطة جديدة للقوى والاصطفافات السياسية. لا سيما وان التطورات المرتبطة بالحرب واوضاع المناطق المحررة، تمخضت عن قوى جديدة تتطلع الى مواقع في السلطة. ولعل هذا يعد امرا طبيعيا، ولكن ليس واضحا بعد في ظروفنا القائمة الكيفية التي سيتم بها تحقيق ذلك. ويبقى السؤال عن مدى اقتراب هذه القوى من تنفيذ مطالب الناس، ومدى جديتها في مراجعة التجربة السابقة، كذلك مدى قدرتها على نبذ الاساليب والوسائل التي لم تحرز الا الفشل المتواصل .
وواضح الآن ان الغاية الاساسية من هذا الحراك هي اعادة ترتيب اوراق المتنفذين المتحاصصين، حفاظا على مصالحهم ومغانمهم وانفرادهم بالقرار والسلطة.
ان مهاما جساما تقع على عاتق حزبنا والقوى المدنية والديمقراطية وقوى الحراك الجماهيري والاحتجاجي، وتفرض عليها مضاعفة جهودها ودفع الامور الى نهاياتها المنطقية، نحو التغيير الجدي عبر تغيير موازين القوى، وحسم الوجهة لصالح بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحقة، وكسر الحلقة التي تحكم بلدنا حاليا.
ان ما يواجه الوطن من تحديات يستلزم قطيعة تامة مع المحاصصة ومع منهج ونمط التفكير السائد الذي قاد بلدنا الى ما هي فيه، بل وساعد على تضخيم ظاهرة داعش وسهل وصولها الى غاياتها الشريرة. واليقين هو ان ما كان قبل داعش لن يستمر بعده، ويبقى المطلوب والملح ان يحصل ذلك بما يستجيب لارادة الجماهير، المطالبة بالإصلاح والتغيير المنشودين وباستحقاقاتهما.

حكومة الاغلبية
لا اعتراض من حيث المبدأ على إقامة حكومة أغلبية، سواء جرت تسميتها حكومة اغلبية سياسية ام وطنية، اذا ما قامت على اسس وبرامج سياسية تنبذ الطائفية وتضم احزابا وكتلا عابرة للطوائف. وقد سبقنا الى مثل هذه الحكومة العديد من دول العالم المتحضر والديمقراطية حقا، والتي يُحترم فيها الدستور وما يتضمنه من حريات وحقوق، وتجسيد ذلك في الممارسة العملية بما فيه حفظ حقوق الاقلية السياسية وحقها في التعبير الحر عن آرائها بعيدا عن تكميم الافواه بمختلف الطرق والوسائل، كما حصل عندنا اكثر من مرة.
وفي تلك البلدان، وبعكس ما يحصل عندنا، تتنافس الاحزاب على اساس برامجها السياسية وما تعد به الناخب وتقدمه له، وذلك هو اساس تقويمها وتحديد الموقف منها وتداول السلطة سلميا.
اما في بلدنا فالكتل السياسية المتنفذة تعلن من دون مواربة انها ممثلة لطوائف واثنيات، ما يعني ان الأغلبية ستكون لممثلي طائفة أو مكون معين، مع مشاركة رمزية محدودة لاطياف مجتمعية أخرى من انتماءات قومية ومذهبية مختلفة.
ونحن نرى ان الدعوة الى اعتماد مبدأ الأغلبية السياسية، يفترض ان يقوّم بناء الأحزاب والكيانات السياسية وعملها على أساس البرامج لا الهويات الدينية أو المذهبية أو الأثنية، وان تكون المواطنة نهجا سائدا في الدولة ومؤسساتها.
ورغم كل ادعاءات الكتل المتنفذة فان ممارستها السياسية العملية وإدارتها مفاصل الدولة طيلة 14 عاما، ومرجعية فكرها ومجمل خطابها السياسي، تعكس طغيان الخصوصية المذهبية أو القومية او الطائفية عندها، ما يثير شكوكا جدية في قدرتها على تحقيق الأغلبية السياسية التي تعلن عنها.
وارتباطا بطبيعة الداعين الى الاغلبية اليوم، فلا نتوقع لاغلبيتهم الا ان تكون نسخة محسنة من المحاصصة الطائفية – الاثنية، المزوقة باسماء كتل وتجمعات وشخصيات مدنية، فيما المطلوب هو الخلاص من المحاصصة، نظرا لما سببته من كوارث ومآس.

الحراك الجماهيري ودوره
كان فشل الحكم على مختلف الصعد، وتدهور الأوضاع، وسوء ادارة الدولة، وتفشي الفساد، الى جانب الرغبة في تبني المطالب العادلة للناس والدفاع عنها وتغيير الاوضاع واصلاحها، وراء انطلاق الحركة الاحتجاجية لا سيما في نسختها الثانية بعد تموز 2015.
وتميزت هذه الحركة بالآتي :
• قدرتها على الاستمرار والتواصل، وشمولها محافظات ومدنا عدة، وهذه ظاهرة نادرة الحدوث ليس في العراق وحسب، بل وعالميا.
• تنوع وتعدد اشكال الاحتجاج، ورفعها مطالب عامة وطنية تحت عنوان الاصلاح الشامل في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وفي القضاء ايضا، ومحاربة الفساد وتأمين الخدمات العامة.
• انخراط مئات الآلاف في هذه الحركة، وفي اوقات معينة وصلت الاعداد الى ملايين المواطنين، مع التفاوت فيها بين حين وحين.
• رفع الحركة شعارات تحت راية العلم العراقي والمواطنة العراقية، بعيدا عن الهويات الفرعية وعن الطائفية والتعصب والانغلاق.
• الحركة مدنية ليس بشعاراتها فقط، بل ايضا بسلوكها واداء المشاركين فيها.
• وهي سلمية رغم بعض الحوادث غير المرغوبة، وحضارية اثارت اعجاب الكثيرين. وقد سعت الى التمسك بالسلمية رغم ما تعرضت اليه من عسف وظلم وقسوة واستخدام للسلاح الحي والمطاطي والغازات المسيلة للدموع، ورغم ما قدمت من شهداء ابرار.
ان ما نهضت به الحركة الاحتجاجية لا يمكن حصره فقط بالأعداد المشاركة فيها، فهي غيرت كثيرا في الحياة السياسية وفرضت استحقاقات على القوى المتنفذة والحاكمة، رغم قسوة هذه احيانا في التعامل معها.
وقد اذكت الحركة الاحتجاجية روح المعارضة وعدم الخنوع، ورفعت من شأن التظاهر والاحتجاج كوسيلة لانتزاع الحقوق، وتحولت هي نفسها الى الى جهاز رقابة على اداء السلطات الثلاث، ومدى قرب او بعد مواقفها واجراءاتها من مصالح الناس الحقة، خاصة منهم المكتوون بنار الازمات من الفقراء والكادحين.
ان حركة من هذا النوع تستحق كل التقدير والتثمين والدعم، والسعي للحفاظ عليها وتطويرها وتوسيعها وتنويع أساليبها، والتصدي للحملات الظالمة التي تحاول النيل منها، ومن الناشطين فيها، ولسعي العناصر والقوى المتضررة منها الى إثارة الحساسيات ازاءها والدعاية المغرضة ضدها وتشويه رسالتها. وهو امر طبيعي ومفهوم لان الحركة اسقطت ورقة التوت عن عناصر وقوى الفشل، وعن الفاسدين والمرتشين والمتشبثين بكراسيهم على حساب بؤس وجوع ومرض الناس.
ان للحركة مهمات لم تنجز بعد، رغم كل ما حققته وهو كثير وموضع اعتزاز. فالاصلاح الشامل المطلوب والمنشود لم يتحقق بعد، وهو يحتاج الى عمل منظم ومتواصل على مختلف المستويات، وبالتنسيق والتعاون مع كل القوى والمنظمات والاشخاص الذين ينادون به ويعملون من اجله، والى حشد الجماهير المكتوية بنار الازمات والتي تتطلع بفارغ الصبر الى التغيير .

مشاركة التيار الصدري في الحراك الجماهيري
وعلى خلفية الحركة الاحتجاجية وتواصلها ووضوح أهدافها، جاءت اسهامة انصار التيار الصدري التي اكسبت الحركة بعدا جماهيريا اوسع، ومكنتها من ممارسة ضغط اكبر على مؤسسات الدولة والقوى الحاكمة والمتنفذة. وجاءت هذه المشاركة على اسس واضحة من التنسيق والتعاون، تقوم على الاحترام المتبادل للخصوصية الفكرية والسياسية والثقافية للتيارين المدني والصدري، رغم حالات هبوط وصعود محدودة يجري تلافيها دوما بالمزيد من الحوار واللقاء والاصرار على التعاون، رغم ما يبذل من جهد كبير لفك عرى هذا التعاون باثارة الحساسيات المتقابلة، والتي يسعى الطرفان: التيار المدني والتيار الصدري الى تجاوزها عبر المزيد من الالتصاق بقضايا الناس وهمومهم، وبما يحفظ خصوصيات كل من الطرفين، مع الحرص الاكيد في الوقت عينه على تطور العلاقة وديمومتها وشمولها مجالات اوسع.
ولا بد هنا من تأشير المواقف الايجابية للتيار الصدري والسيد مقتدى الصدر شخصيا إزاء التيار المدني، بما في ذلك حزبنا الشيوعي، وهو ما انعكس خلال الأيام الماضية بالموقف من الاعتداء على مقر الحزب في الديوانية، وفي تطور التنسيق بين التيار الصدري والحزب الشيوعي والتيار المدني عموما في تنسيقيات الحراك في عدد من المحافظات، فضلا عن بغداد.

عن اوضاع التعليم والجامعات
شهدت الأشهر الماضية احتجاجات طلابية في عدد من الجامعات، خصوصا في جامعتي واسط والقادسية، جرى خلالها اطلاق الرصاص داخل الحرم الجامعي. وجاءت هذه التطورات ارتباطا بمطالب طلابية مشروعة، تتعلق بظروف حياة الطلبة والتراجع المتسارع في العملية التعليمية وتدهور اوضاع المؤسسات التعليمية التابعة للدولة في جميع المراحل، إلى جانب التجاوزات على استقلالية الجامعات والتضييق على الحريات الأكاديمية والتوسع في خصخصة التعليم.
وقد اعتبر الحزب الشيوعي العراقي قطاع التعليم على الدوام ضمن الاولويات المهمة في عمل الدولة ومؤسساتها، كونه القطاع الذي يؤهل الاجيال للاسهام في بناء البلد ونموه وتطوره. واولى الحزب اهتماما خاصاً لاصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في كافة مراحلها، داعيا الى اعتماد استراتيجية تقوم على قيم المواطنة وتعزيز الفكر التنويري، ما يتطلب اعادة النظر في نظام ومناهج التعليم وطرق التدريس بما يتفق وتأمين مستلزمات التقدم العلمي والمادي، وارساء قاعدة تعليمية متطورة، وتشجيع البحث والابتكار، وتشجيع الطالب على التفكير النقدي، وربط العملية التعليمية بعملية التنمية الشاملة في البلاد، وضمان وضع الطالب في مركز العملية التربوية، وترسيخ احترام الهيئات التدريسية ودورها، وضمان الاجواء السليمة لاشاعة العلم والممارسة الديمقراطية في الحياة الدراسية.
ويرى الحزب اهمية وضرورة ربط التعليم بانواعه كافة، خاصة التعليم العالي والبحث العلمي، بحاجات البلاد وامكاناتها وافاق تطورها، والاهتمام بالتعليم التقني والمهني، والالتزام بتطبيق نظام التعليم الاساسي بشكل شامل.
وقد اولى الحزب الاهتمام لاصلاح التعليم العالي انطلاقا من مبدأ صيانة وحرمة الجامعات واستقلالها، وبما يعيد السمعة الاكاديمية الطيبة الى الجامعات العراقية كونها مؤسسات حضارية مفتوحة، لا يجوز تقييدها بانتماء عقائدي او ايديولوجي او أي غطاء اخر، مشددا على تطوير التعليم العالي عامة ومراكز البحوث والدراسات التخصصية.
واليوم تبرز على نحو جلي اهمية تفعيل مبدأ استقلالية الجامعات وصيانة الحريات العامة فيها، خصوصا حرية الطلبة في التعبير عن مطالبهم وطرح مشاكلهم وفي اختيار ممثليهم، وعلى ترسيخ ثقافة التعدد واحترام الرأي الاخر، ونبذ الاقصاء والتهميش، ورفض التعصب والتطرف بكافة اشكالهما، واحترام الحريات الاكاديمية.
ومن المؤكد ان الجامعات لا تستطيع اداء رسالتها والقيام بواجباتها من دون توفر الضمانات والشروط المذكورة، وبضمنها وضع الشخص المناسب في المكان المناسب واسناد المسؤوليات حسب الكفاءة والنزاهة والوطنية وليس لاعتبارات اخرى.
ان خصوصية الجامعة ودورها في المجتمع تتوجب مراعاتهما من قبل الجميع، حكومة ووزارة واحزابا سياسية. وفي حالة فقدانها استقلاليتها، وعدم بقائها مفتوحة لكافة العراقيين بلا قيد او شرط، ستعجز عن اداء رسالتها المهمة والمؤثرة في المجتمع، وعن اعداد الكادر الوطني المؤهل والمسلح بالعلم والمعرفة والثقافة.

تداعيات الاعتداء على مقر الحزب في الديوانية
أقدمت عناصر خارجة عن القانون منتصف ليلة الاثنين المصادف 10 نيسان الجاري على إلقاء قنبلتين يدويتين على مقر اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في مدينة الديوانية، ولاذت بالفرار.
وقد أثار هذا الاعتداء الغادر ردود فعل غاضبة ومستنكرة في معظم الأوساط الشعبية والثقافية والعشائرية والرسمية والسياسية في المحافظة وفي العراق عموماً، كما عبر الكثير من الأحزاب والقوى السياسية العربية والدولية عن شجبه الاعتداء وأعرب عن تضامنه مع الحزب.
وقدمت منظمات الحزب داخل الوطن وخارجه دعما كبيرا لرفاقهم في الديوانية، ساهم في التخفيف من تأثير العدوان الجبان عليهم.
وقد صعّد هذا العمل التخريبي أجواء التوتر والقلق العام في الديوانية، التي نجمت عن الأحداث في جامعة القادسية نهار اليوم نفسه.
فقد شهد حرم الجامعة إشهاراً سافراً للسلاح واطلاقا للرصاص في الهواء واعتداءً بالضرب المبرح على بعض الطلبة، بذريعة انهم أطلقوا هتافات غير مناسبة أثناء فعالية سياسية في الجامعة. وصدرت لاحقا تصريحات زجت باسم حزبنا الشيوعي في ما جرى، من دون وجه حق ودليل ملموس.
وفي رأينا انه جرى التعامل مع تصرف عفوي لاحد الطلبة بطريقة متشنجة، اثارت بدورها ردود فعل من جانب الطلبة إزاء الممارسات في حق زملائهم. وعلى افتراض قيام احد الطلبة بتصرف خاطيء، فهل يجوز ان تكون معالجته خارج القواعد واللوائح الداخلية التي تنظم وتضبط السلوك والنشاط داخل الحرم الجامعي ؟ كما أبدينا استغرابنا من تواجد عناصر مسلحة في الجامعة أثناء الفعالية، ودعونا الى تدقيق وتصويب التصريحات التي يمكن ان تخلق توترا في الأجواء، قد يساء توظيفه من قبل عناصر غير منضبطة أو مثيرة للفتن.
وعلى خلفية هذه التطورات، لا يزال عدد من الناشطين الطلابيين والمدنيين، بينهم شيوعيون، يتلقون تهديدات وتجري ملاحقتهم ومحاولة حملهم على "الاعتراف" بما لم يقوموا به ولم يفعلوه.
إن هذا العمل التخريبي ليس عدواناً صارخاً على كيان سياسي شرعي فقط، بل وعلى كل الكيانات الأخرى، وهو يستهدف ايضا قانون الأحزاب السياسية، والحريات الديمقراطية والحياة الدستورية، ويمثل اعتداء على حقوق الانسان والمجتمع الاساسية. وان من شأنه ان يزيد القلق على مآل الامور بعد الانتصار على داعش ودحره، ويمكن ان تستغله القوى التي لا تضمر الخير لبلدنا والتي تستهدف إثارة الفتنة وإعاقة رجوع الحياة الطبيعية الى ربوعه وإرساء الأمن والاستقرار فيه.
ومن هذا المنطلق، نحث القوات الأمنية والجهات المعنية على الإسراع في إتمام التحقيق وكشف ملابسات الحادث والقائمين به وإحالتهم الى القضاء، وتأمين الحماية لمقرات الأحزاب، الى جانب حصر تداعياته ووضع حد للممارسات التي تهدد أمن المواطنين وحرية التعبير المكفولة لهم دستوريا، ولابعاد الجامعات عن التدخلات التي تقوض استقلالها وعن محاولات التسييس الضيق لها وانتهاك حرمتها وعسكرتها.
ولا تخفى على احد المخاطر الناجمة عن اللجوء إلى العنف من قبل اية جهة خارج اطار الدولة ضد مواطنين أو تنظيم سياسي شرعي على أمن البلد والسلم الاهلي وعلى المسار الديمقراطي للحياة السياسية.
وتكمن خطورة مثل هذه الاعتداءات، خصوصاً في محافظات تعتبر آمنة، في كونها تؤشر ايضا احتمال انفلات الأوضاع في حال تكرارها دون اتخاذ اجراءات رادعة سياسية وأمنية.
وبالنسبة الى حزبنا الشيوعي العراقي فإننا سنلجأ الى الوسائل السلمية والقانونية للدفاع عن شرعية عملنا السياسي، وعن حق اعضاء حزبنا في التعبير عن آرائهم بالطرق السلمية والدستورية، وسنقاضي من أقدم على هذه الفعلة الشنيعة، فيما نطالب بمعاقبته وتعويض الأضرار التي لحقت بمقر الحزب في الديوانية.
ويجدد حزبنا عزمه الراسخ على مواصلة النضال من اجل بناء دولة المواطنة الضامنة للحريات والحقوق، وارساء اسس الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

الانتخابات وقوانينها وموقفنا
تتميز الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات ومجلس النواب باهمية فائقة. فهي تأتي في اجواء متغيرات كثيرة، ومع بروز قوى جديدة وصدور قانون الاحزاب بهدف تنظيم الحياة الحزبية وشرعية عمل الاحزاب، وفي ظل استمرار الازمة العامة، وعجز القوى التي حكمت طيلة الفترة الماضية عن تقديم مشروع للاصلاح، الذي غدا امرا ملحا ومطلبا شعبيا، فيما ستُفرض استحقاقات بعد هزيمة التنظيم الارهابي.
وبغية ملاقاة الاستحقاق الانتخابي تشهد بلادنا حراكا متزايدا، برز قبل كل شيء في الجدل بشأن موعد اجراء انتخابات مجالس المحافظات، الذي جرى تحديده في يوم 16 ايلول القادم، وقدم مجلس الوزراء مشروع قانون خاصا بذلك لتشريعه من قبل مجلس النواب.
وعكس مشروع القانون توجها واضحا للتضييق على القوى المدنية والديمقراطية، ومنها حزبنا الشيوعي، وعلى القوى والاحزاب الرافضة للمحاصصة وللفساد والمطالبة بالاصلاح، ولوضع الحواجز امام تحقيقها تمثيلا يتناسب مع دورها في الحياة السياسية، وبما يؤهلها للعب دور اكبر في عملية التغيير المنشودة. ولتحقيق هذا الهدف جرى اعتماد نظام جديد اسمي سانت ليغو المعدل، حيث تم رفع السقف فيه الى 1,7 بدلا من 1 كما هو في القانون الحالي الساري المفعول لانتخاب مجالس المحافظات .
وتسوق الكتل المتنفذة حججا مضحكة للتستر على عجزها عن تقديم شيء يذكر للمواطن، وهي التي تتمتع باغلبية مريحة في كل مجالس المحافظات.
ان موقفنا من آلية اجراء الانتخابات يتخلص في الآتي:
• نطالب بابقاء قانون انتخاب مجالس المحافظات الحالي على حاله، وعدم تغييره، فنظام سانت ليغو الاصلي اقرب الى العدالة والانصاف وتأمين عدم سرقة اصوات الناخبين.
• ابقاء المحافظة وحدة انتخابية واحدة، بالنسبة الى انتخابات مجالس المحافظات.
• تعديل قانون انتخاب مجلس النواب باعتماد الباقي الاقوى، او سانت ليغو الاصلي، وان يكون العراق دائرة انتخابية واحدة. هذا كخيار رئيس، مع دعم المقترحات البديلة الأقرب اليه.
• اعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات بما يضمن حياديتها ومهنيتها واستقلالية قرارها، بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية، خصوصا وان مجلس النواب قد صوت بعدم القناعة باجوبة مجلس المفوضين عند استجوابه.
• اعتماد الآليات والتكنولوجيا الحديثة بما يساعد على إتمام الفرز والعد في اسرع وقت، واعلان النتائج في مراكز الاقتراع في الحال.
• تأمين اشراف دولي فاعل على سير عملية الانتخاب.
• التطبيق الصارم للقوانين ذات العلاقة، خاصة ما له صلة بالدعاية الانتخابية والمال السياسي والتنافس السلمي الديمقراطي.
وبشكل عام سنتعامل بانفتاح مع اية مشاريع تقترب من مطالبنا اعلاه، وتسعى الى تحقيق العدالة وعدم ضياع اصوات الناخبين.
ومن اجل تحقيق هذه المطالب وسائر المنظومة الانتخابية، التي يتردد صداها في سوح الاحتجاج، ندعو الى حركة جماهيرية واسعة للضغط على مجلس النواب كي يتبنى ويشرع قوانين عادلة ومنصفة، تحفظ اصوات الناخبين وتصون حريتهم في اختيار من يريدون، ومن يجدون فيه الكفاءة والنزاهة والجدية في خدمة المواطنين.
وبالنسبة الى حزبنا سنواصل عملنا مع التيار الديمقراطي، والانفتاح على سائر القوى المدنية والديمقراطية والوطنية التي تشاركنا مواقفنا في الاصلاح والتغيير والخلاص من المحاصصة والفساد، والسعي الى اقامة اوسع اصطفاف مدني ديمقراطي وطني لتشكيل كتلة انتخابية كبيرة، تخوض الانتخابات وتكسر احتكار السلطة وتفتح الطريق نحو اقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

قضايا اقتصادية
في هذا الميدان يمكن تأشير القضايا الآتية :
• يتواصل تخبط الدولة على الصعيد الاقتصادي، وعدم وجود خطة متسقة للتنمية الشاملة تقود الى استثمار عقلاني للموارد المالية المعتمدة اساسا على تصدير النفط الخام. وبفعل ضعف وتردي مساهمة القطاعات الانتاجية الاخرى: الصناعة والزراعة والخدمات، يتعمق الطابع الريعي للاقتصاد العراقي، ما يعرضه الى هزات كبيرة ارتباطا بتذبذب اسعار النفط عالميا.
• هناك تحسن نسبي في الموارد المالية بفضل ارتفاع اسعار النفط قياسا الى ما اعتمد من سعر للنفط المصدر في الموازنة العامة لسنة 2017 ( 45 دولا للبرميل الواحد ). وتبقى العبرة في حسن استخدام الواردات والتوظيف السليم لها، بعيدا عن البذخ والهدر.
• يلاحظ الانخفاض المتزايد لرصيد العملة الاجنبية لدى البنك المركزي العراقي، لاسباب عدة منها تغطية استيرادات الدولة، وتمويل سندات قروضها.
• كذلك استمرار النزف في مزاد العملة الاجنبية، وتهريب الاموال عبره الى الخارج. وتشير الارقام المتداولة الى ان ما يتراوح بين 300 و400 مليار دولار سُمح بتصديرها الى الخارج في سنوات 2005 – 2016، باسم تمويل الاستيرادات. الا ان ما دخل الى البلد فعلا من السلع والخدمات التي حُوّلت الاموال المذكورة لاستيرادها، لم تعادل قيمته سوى حوالي نصف تلك المبالغ الضخمة، ولم تتخذ اية اجراءات كفيلة بالحد من هذه النزف.
• من اللافت ايضا لجوء الحكومة الى الاقتراض الواسع واستسهال ذلك، ما ادى الى ارتفاع الدين الداخلي والخارجي للدولة. حيث يؤكد الخبراء ان الديون الداخلية وصلت الى 43 تريليون دينار، في حين تبلغ الديون الخارجية 69 مليار دولار، عدا ديون دول الخليج.
• اشتداد معاناة الناس جراء استفحال البطالة (معطيات وزارة التخطيط تقول ان معدلها ارتفع الى 22 في المائة)، وارتفاع اسعار الخدمات وندرتها، والاعتماد المتزايد على الاستيراد في تأمين سلة الغذاء للمواطن، وتآكل القيمة الفعلية للدينار العراقي، وعدم انتظام توزيع مواد البطاقة التموينية وضآلة ما تحتويه.
• تواصل الفرز الاجتماعي وازدياد اعداد المواطنين تحت خط الفقر او حوله، وتزايد اعداد المهمشين. وتشير التقديرات الرسمية الى أن نسبة الفقر في العراق ارتفعت الى 30 في المائة خلال العام الماضي 2016، بعد أن كانت 22 في المائة في آخر مسح أجرته وزارة التخطيط في العام 2014.
• برزت اتجاهات لخصخصة قطاع الخدمات، كما في الكهرباء والصحة والنقل والتعليم. ويجري تبرير ذلك بالتعكز على فشل مؤسسات الدولة وفساد العاملين فيها، وعدم قدرتها على تأمين الخدمات. وحقيقة الامر هي انه جرى افساد مؤسسات الدولة حتى غدت تبدو عاجزة عن القيام بشيء. انه منهج مقصود لاضعاف الدولة ودورها عبر تضخيم اجهزتها، ورفع وتيرة البيروقراطية فيها، والسماح للفساد ان يستشري فيها من خلال عدم اتخاذ خطوات جادة لمعالجة الظاهرة، رغم الضجيج الاعلامي.
ان تأمين الخدمات العامة هو من مسؤولية الدولة. وكمبدأ عام لا بد أن تبقى الخدمات بيد الدولة التي تتكفل بايصالها الى كافة المواطنين. ذلك ان آلية السوق لا تستطيع تأمين ذلك بشكل عادل.

تطورات على الصعيدين الاقليمي والدولي
يمكن القول ان مرحلة جديدة على الصعيد الدولي قد بدأت بعد انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة الامريكية. ولقد دقق الرجل بعض الشعارات التي رفعها اثناء حملته الانتخابية، لكنه عاد اخيرا ليستخدم لغة تصعيدية واضحة تجاه عدد من الدول.
واتسمت تصريحات ترامب بالعنجهية والغطرسة، واتسم نهجه بالتفرد في اتخاذ القرارت المهمة على الصعيد الدولي، ما يعكس ميلا الى التشدد والعودة الى سياسة الدولة العظمى في العالم.
وتجلى ذلك في اللجوء الى استخدام ضربات صاروخية ضد سوريا، ردا على ما قيل عن استخدام النظام السوري السلاح الكمياوي، فيما جرى نفي ذلك. وجاءت الضربة الامريكية استباقا لاي تحقيق دولي بشأن السلاح الكيماوي ومن استخدمه.
ونحن اذ ندين استخدام السلاح الكيماوي من أية جهة كانت، نعتبر ان ما حصل هو اعتداء على سيادة دولة مستقلة، ومخالف للقانون الدولي. ونرى ان ما حصل يشكل تعقيدا للاوضاع في سوريا ولمسار الحل السلمي المتعثر اصلا، وهو لا يخدم ايضا مسألة التنسيق الدولي، خاصة بين روسيا والولايات المتحدة الامريكة في شأن التصدي للارهاب ومكافحته وتجفيف منابعه.
ونحن اذ ندعم تطلعات الشعب السوري الى تحقيق السلم ووقف تدمير وطنه وإحقاق حقه في نيل الحرية والديمقراطية، واذ نؤيد الجهود الدولية المبذولة لدفع الفرقاء السوريين الى طاولة المفاوضات بغية الوصول الى حل سلمي للازمة السورية، نرى ان قضية النظام السوري نفسه ومصير رئيسه، من الامور التي تخص الشعب السوري، فهو من يقرر ذلك وفقا لارادته الحرة، واختيار النظام الذي يريد.
ولم يكتف ترامب بما فعل في سوريا، بل اتخذ ايضا موقفا متزمتا من الوضع في ايران وطالب بمراجعة الاتفاق النووي الموقع معها من طرف عدد من الدول الاعضاء الدائمين في مجلس الامن بضمنهم امريكا.
ومن جانب آخر اعلنت امريكا رغبتها في الدخول على خط الحرب المستعرة في اليمن، ودعمها للتحالف العربي بقيادة السعودية، وبالضد من الحوثيين وايران.
وفي هذا السياق جاء كذلك الموقف من كوريا الشمالية، خصوصا بعد تجربتها الصاروخية الفاشلة. وعلى خلفية ذلك زادت امريكا من ضغوطها على الصين بهدف دفعها الى الضغط على كوريا الشمالية، الامر الذي يدفع الى المزيد من التعقيد والتوتر على صعيد العلاقة بين البلدين .
ان المواقف الأخيرة للولايات المتحدة تؤشر تنامي دور الاتجاهات المتشددة في القيادات السياسية والعسكرية الأمريكية، التي تدفع في اتجاه التوتر في العلاقات مع روسيا والصين وإعادة أجواء الحرب الباردة، وممارسة سياسة القوة والتدخلات العسكرية المباشرة لأمريكا في ساحات النزاع المتعددة في العالم، وتنذر بمخاطر اندلاع حروب ونزاعات مسلحة جديدة واحتكاكات مباشرة مع روسيا، ما يشكل تهديدا للأمن والسلام الدوليين.
ومن المظاهر الملفتة بروز تيارات يمينية شعبوية متطرفة في العديد من دول اوربا تتناغم مع التوجهات المتشددة لدى الادارة الامريكية الجديدة، عنوانها الرئيس في اوربا هو وقف الهجرة اليها والمواقف المعادية للاجانب. في وقت يشهد فيه الاتحاد الاوربي المزيد من الصعوبات، ويطرح العديد من التساؤلات عن مدى قدرته على البقاء موحدا، خصوصا بعد خروج بريطانيا منه.
ومن التطورات اللافتة الاستفتاء الذي جرى اخيرا في تركيا، حيث اقرت التعديلات الدستورية التي تمنح الرئيس اردوغان صلاحيات واسعة، ما عكس انقساما عميقا في المجتمع التركي، وقلقا على مستقبل الحريات والديمقراطية والحقوق فيها. وحظيت نتيجة الاستفتاء بمباركة ترامب، فيما عارضها الاتحاد الاوربي الذي تطمح تركيا الى نيل العضوية فيه. في حين يتزايد القلق من مواقف اردوغان وطموحاته الواسعة، داخل تركيا وفي المحيط الخارجي.
وشهدت الفترة الماضية كذلك تصاعدا ملموسا في رفض الشعب الفلسطيني لسياسة الاحتلال الاسرائيلي، وهو ما يتجلى في استمرار الاضراب البطولي للاسرى الفلسطينين في سجون الاحتلال عن الطعام، والذي حظي بدعم واسناد واسعين من الشعب الفلسطيني وانتفاضته الداعمة للاضراب، ومن اوساط واسعة عربيا ودوليا. وان هذا الذي يحصل يؤكد من جديد اهمية وضرورة الحل العاجل للقضية الفلسطينية عبر الاستجابة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته الوطنية المستقلة على ارض وطنه.
من جانب آخر دعا اجتماع اللجنة المركزية الى حقن الدماء في اليمن، ووقف الحرب المجنونة والتدخل الخارجي العسكري، والى ان تستجيب كل الاطراف لمساعي الامم المتحدة وتجلس الى طاولة المفاوضات والحوار، للتوصل الى حلول سلمية تحمي اليمن من الدمار والضياع والتفتت.