في مناسبة مرور 54 عاما على انتفاضة البطل حسن سريع في 3 تموز فقد العفالقة صوابهم / ودود عبد الغني داود

بعد ان تمكنت القوى الرجعية والاجرامية والمتخلفة والعميلة المتمثلة بالعفالقة الفاشيست من الاطاحة بثورة الرابع عشر من تموز الخالدة عام 1958 ، في ذلك اليوم المشؤوم الثامن من شباط 1963 بدعم منقطع النظير من قبل الامبريالية العالمية واذنابها من بعض الدول العربية والاقليمية، سارعت تلك القوى البغيضة الى التنكيل الشنيع بالقوى الوطنية بشكل عام والشيوعيين بشكل خاص حيث الاعتقالات والاعدامات الجماعية والتعذيب النفسي والجسدي وانتهاك الحرمات، وغيرها من الاعمال الدنيئة التي يندى لها الجبين.
وقد اعتقدت تلك القوى البغيضة من بعد كل ذلك ان الشيوعيين العراقيين لن تقوم لهم قائمة وانتهى امرهم الى الابد، غير مدركين بان بذورهم منتشرة بخير وتنعم بتربتها الخصبة ومياهها النقية. هناك ملاحظة مهمة لابد ان تذكر، فعلى الرغم من الاعتقالات الواسعة كما اسلفنا، الا ان الاعتقالات في صفوف الطلبة كانت محدودة لسبب واحد فقط لا غيره، فلو تم فعلا تنفيذ عملية الاعتقالات في صفوف الطلبة الشيوعيين فسيعني خلو المدارس الاعدادية والمعاهد والجامعات من نسبة كبيرة من الطلبة، وهذا ما سيؤدي الى فضيحة كبيرة لا تصب في مصلحتهم، فتركوهم تحت المراقبة الشديدة من قبل قطعان الحرس القومي.
وخلال شهر أيار من العام ذاته عندما كنت طالبا في اعدادية المعقل في محافظة البصرة، واثناء الفرصة تقدم مني احد رفاقي وهو المناضل البصري المعروف مسلم حطاب وقال لي بحذر دون ان ينظر إلي، نريد منك تبرع ثوري لشراء اسلحة ثم انصرف، تعجبت من هذا الطلب في ذلك الوقت العصيب والذي كان به الشيوعيون كما يقول المثل الشعبي يثرمون كما يثرم اللحم في الماكنة. وبعد ثلاثة ايام التقيت بالمناضل المذكور خارج المدرسة وتبرعت بمبلغ من المال ليخبرني من بعدها ان هناك ثورة ستندلع في بغداد خلال الاشهر القليلة المقبلة ويجب علينا اسنادها، ويعني بها ثورة حسن سريع التي ما زال يعتقد الكثير من الناس ان هذه الثورة التي لم تتكلل بالنجاح كانت في نطاق معسكر الرشيد فقط، غير ان فصائلها المسلحة امتدت الى معظم المحافظات العراقية بما فيها محافظة البصرة.
وبعد لقاء آخر مع المناضل مسلم حطاب، عرفني بدوره على المناضل رحيم الذي لا اتذكر اسمه الكامل والذي كان آمرا لاحدى الفصائل المسلحة التي انضممت اليها والتي كان من ضمنها كل من الرفاق عبد السلام البراك وعباس فاضل والجندي المكلف علي وكاظم عبد الاله وآخرين لا اتذكر اسماءهم. وكنا نعقد اجتماعاتنا السرية التحضيرية في غابات النخيل بمنطقة الطويسة وكانت اعمار جميعنا لا تتجاوز العشرين عاماً. كما وكانت تنظيماتنا منفصلة حيث لم نتعرف على اي فصيل آخر غير فصيلنا لغرض الحفاظ على سلامة الثورة من اي خطأ قد يقع، وكانت اسلحتنا المخزونة عبارة عن بنادق سيمينوف ونوعين من المسدسات. وبعد استكمال تحضيراتنا الثورية وخلال شهر حزيران من عام 1963 جاءنا بلاغ ثوري ودخلنا على اثره في حالة انذار (أ) وبعدها بيومين او ثلاثة انتقلنا الى انذار (ب) وفي انتظار انذار (ج) الذي تأخر لاسباب لم نعرفها، واصبح الراديو المحمول سبيلنا الوحيد لترقب الاحداث حيث كان لايفارقنا، فبمجرد ان يستولي رفاقنا في بغداد على الاذاعة ويبادروا باذاعة بيان رقم (1) للثورة نتجمع على الفور لاستلام التوجيهات والاسلحة، لنبادر من بعدها بتنفيذ واجباتنا الثورية المناطة بنا، ولكن حصلت المفاجأة المفجعة عندما فوجئنا باذاعة العفالقة تذيع بيانا هستيريا تعلن من خلاله بانه تم القضاء على مؤامرة شيوعية (حسب تعبيرهم مع شتائم) في معسكر الرشيد وقد تمكنا على اثر ذلك البيان الهستيري من الاختفاء والتواري عن الانظار. وقد جن جنون العفالقة الفاشيست عندما ادركوا ان شبيبة تقل اعمارهم عن العشرين عاما كادت ان تطيح بكيانهم على الرغم من كثافة اجهزتهم القمعية والهمجية واسلحتهم الفتاكة وقطعان حرسهم القومي الاجرامي واستخباراتهم المتشعبة دون ان يفطنوا الى تلك التحركات والاستعدادات والتحضيرات الثورية، فسارعوا الى شن حملة اعتقالات عشوائية واسعة بين صفوف شبيبتنا على امل ان يتوصلوا الى معلومة واحدة قد تقودهم الى معرفة اسماء الثوار باستثناء من وقع في الاسر داخل معسكر الرشيد، فراحوا يصبون جام غضبهم على كبار الشيوعيين القابعين في السجون ليزجوهم في قطار الموت، قطار العار الذي سيلاحقهم دوما وابدا. ذلك القطار الذي اكد حب الشعب العراقي للشيوعيين عندما سجل سائقه عبد عباس المفرجي البطل مأثرة كبرى في ايصال قطاره الى محطة السماوة قبل فوات الاوان لتستقبله الجماهير الغاضبة وهي محملة بالمؤن الضرورية لانقاذ جميع السجناء من موت محقق، باستثناء حالة وفاة واحدة.
المجد والخلود لشهداء ثورة حسن سريع البطلة والخزي والعار للعفالقة الفاشيست.