الشهيد طالب عبود الجميل .. حياة نضالية حافلة / فائق هاشم عبادة

من عائلة طيبة مشهورة بكدحها وفي قرية مشهورة بنضالها العتيد وكانت احدى القلاع اليسارية في محافظة ديالى ولد الشهيد طالب عبود جميل في قرية الهويدر عام 1953، أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها، درس في إعدادية زراعة الخالص وتخرج منها عام 1974 بدرجة مرشد زراعي وكان قمة في دماثة الاخلاق والالتزام ، ويعرفه القاصي والداني بطيبته وتواضعه الجم، وقد كان شقيقه الاكبر المربي الراحل محمد عبود احد كوادر الحركة الطلابية في معهد المعلمين في بعقوبة في خمسينيات القرن الماضي ، تعرف الشهيد طالب عبود جميل(علي عرب) في شبابه على ثلة طيبة من أبناء قريته المعروفة بامتدادها اليساري والتي كان يطلق عليها (موسكو الصغرى)،وفي بداية السبعينات عين مرشدا زراعيا في زراعة بعقوبة، وبسبب نشاطه وانتمائه للحزب الشيوعي العراقي ،أبعد الى قضاء مندلي الحدودي، ورغم ما قدم له من اغراءات من قبل ازلام البعث المجرم الا انه رفض الأنصياع لهم، والتخلي عن التزاماته المبدئية الثورية.
في عام 1983 وبتوجيه من منظمة الصدى للحزب الشيوعي العراقي والتي كانت تعمل بسرية تامة وكان مقرها جديدة الشط وقع الاختيار على الشهيد طالب عبود جميل (علي عرب)من ضمن الشيوعيين القدامى لضمهم للتنظيم السري آنذاك، وتم ايصاله والتحاقه بقوات الأنصار...وصل أولا الى قرية (أحمد اوا) المحررة بين دربنديخان والسليمانية، وعند التقائه بمجموعة من الرفاق أبناء قريته أجهش بالبكاء غير مصدق انه التقى بهم، وقد اختار الشهيد طالب عبود جميل اسما حركيا (علي عرب) وهو ما عرف به فيما بعد وأصبح من الأسماء المعروفة في قوات الأنصار البطلة، عمل الشهيد (علي عرب) اداريا لفصيل القاطع، وكان موضع تقدير واحترام الجميع وكان جادا في حرصه على ممتلكات الحزب. وقد عرف الشهيد عرب بشغفه بالقراءة وكتابة الشعر الى حبيبته التي تركها متفقا معها أن تلتحق به، ولكن مع الأسف سارت الرياح بما لا تشتهي السفن، فكان لهذا الامر وقع شديد عليه ،كما عرف عنه انه كان يحث رفاقه على القراءة الى درجة ،انه كان يخلق لهم جوا من الرغبة والتشويق للقراءة، كان هادئا في الحوار وكانت ملاحظاته جاده ومبسطه لم يبخل على الحزب ورفاقه بشيء وكان يمتاز بذكاء وطيبة وشجاعة جعلته يكسب محبة جميع رفاقه.
روى لي احد الرفاق وقال :في مساء 8/4/1988 وفي قرية تازه شار منطقة كرميان ذلك المساء الذي كان برائحة الدم، كان الشهيد (علي عرب) منهمكا بالحديث مع رفاق لم يلتق بهم منذ سنوات ، دار حديث شيق استمر حتى منتصف الليل عن ذكريات جميله عاشها معهم، وكان عددهم 32 مقاتلا وعند الفجر تم تبليغهم بأن آلافا من أفراد الجيش الصدامي والجحوش يتقدمون نحو القرية التي بدأت تواجه القصف العنيف، تقدم علي عرب مع رفاقه بقيادة الملازم الرفيق سامي لمواجهة قوات النظام الديكتاتوري، وبعد معركه غير متكافئة طلب ملازم سامي من الرفاق الانسحاب من المعركة، انسحب رفاق منهم إلا أن الشهيد علي عرب رفض الانسحاب فسجل موقفا بطوليا عظيما ،وكان له موقف اخر بطولي فبعد مذبحة بشت شان طلب منه بعض الرفاق رمي السلاح والانسحاب الى ايران فرفض ايضا.
لكن بعد ان انتهت المعركة تبين استشهاد الرفيق الخالد علي عرب الى جانب رفاقه الأخرين غير المنسحبين والذين جعلوا من أرواحهم نبراسا على طريق النضال من أجل تحقيق شعار(وطن حر... وشعب سعيد) الشعار الذي كان يردده دائما الشهيد علي عرب ،بعد انتهاء المعركة بشهر تم زيارة مكان المعركة في قرية تازا شار ،حيث البيوت مهدمه، أوراق الرفاق محروقة ومبعثرة، وبقايا جماجم متناثره، ومخلفات وملابس ملطخه بالدم مع الاشياء العزيزات المتناثرة للشهيد طالب عبود جميل (علي عرب) . ايها الرفيق الخالد الساكن في الاصقاع البعيدة حيث اللاعودة ،نم قرير العين فانت المناضل الشجاع الذي رفعت راس الحزب عاليا ورفعت رأس قريتك الهويدر باستشهادك، قد كنت بيننا وستبقى ، نمد لك أشرعة التواصل لتحيا من جديد نورا سرمديا ، لقد عشت في محاجر العيون، وسكنت شغاف القلب، سلام عليك انسانا تحمل كل معاني الانسانية وسلام عليك راحلا.