في انتظار عدوى الاستقالة ! / محمد عبد الرحمن

صوتت المملكة المتحدة ( بريطانيا + ايرلندا الشمالية) على الخروج من الاتحاد الاوربي بعد 43 عاما من العضوية فيه. ولست بصدد التوقف عند ايجابيات وسلبيات هذا القرار التاريخي بالنسبة للمملكة نفسها ، وللاتحاد الاوربي الذي سيتعرض دون شك الى ضغط شديد وجدل متزايد حول جدوى وضرورة استمراره ، ولكن سواء ادرك البريطانيون ام لا ، فانهم بهذا التصويت فتحوا نارا كثيفة على وحدة المملكة وقد يحرقهم لهيبها !
ومن المعروف ان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كان قد وعد عند اجراء الانتخابات البرلمانية سنة 2013 بتنظيم استفتاء عام على البقاء في الاتحاد الاوربي من عدمه، وقاد من جانبه حملة قوية بهدف بقاء المملكة ضمن الاتحاد. لكن جاءت النتائج بغير ما اراد هو والعديد من السياسيين البريطانيين من مختلف الاحزاب الرئيسة: المحافظين ، العمال ، والديمقراطيين الاحرار.
ما اريد القاء الضوء عليه هو كيف تصرف ديفيد كاميرون بعد ساعات قليلة من تيقنه انه فشل في ما اراد؟ فقد اعلن استقالته من منصبه على ان يتركه في تشرين الاول القادم، بعد ان يعقد حزب المحافظين مؤتمره السنوي وينتخب رئاسته الجديدة. وقال في هذا الشأن ان «بريطانيا محتاجة الى قيادة جديدة، وليس مناسبا ان أكون رباناً للبلاد خلال المرحلة المقبلة، فنحن نحتاج الى رئيس حكومة جديد». وأضاف ان «البريطانيين قالوا كلمتهم ، وإرادة البريطانيين يجب أن تُحترم ولا شك في النتائج المعلَنة».
فكم من حالات فشل حصدناها على ايدي حكامنا وهم يقاتلون متشبثين بكرسي السلطة ، رغم ان انهارا من الدماء اريقت ، ومدنا كاملة خربت، واموالا طائلة اهدرت جراء فضائح فساد مدوية تبحث ملفاتها عمن يقلبها ويبت فيها ، لا ان يستخدمها للابتزاز وشراء الذمم !
ديفيد كاميرون استقال لان المصوتين ذهبوا بعكس ما اراد، وقد فشل في الدفاع عن مشروعه ، فكم عدد الفاشلين في عراقنا المبتلي بهم منذ 2003 حتى الان ؟ ولا احد فيهم استقال ، بل ولا اعترف بمسؤوليته عما حل بوطننا وعن ارجاعه الى الوراء عشرات السنين .
كاميرون لم يتسبب في قتل احد ، وعندنا كم من ارواح العراقيين ازهقت منذ حزيران 2014 ، فيما المسؤولون عن ذلك معروفون ؟ ومعروف من هيأ الظروف لتمدد داعش. أم ان الاسماء لم تثبت في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية؟ فاين ذهب هذا التقرير ؟ سؤال برسم الاجابة موجه الى القضاء .
كاميرون ، وهو الفائز في الانتخابات باصوات البريطانيين ايضا ، يعلن احترامه ارادة البريطانيين في قرارهم رغم معارضته له. اما عندنا فعندما يطالب المتظاهرون والمحتجون ، وهم يعبرون عن ارادة الملايين المكتوية ، بان يتنحى من كان السبب في مجزرة سبايكر مثلا .. ياتيهم الجواب، بكل صلافة ، ان فلان الفلاني منتخب بكذا الف صوت ؟ نعم، انتخب في وقته ولكنه فشل في مهمته وخرب الوطن ، وما عليه الا الرحيل غير مأسوف عليه.
كاميرون استقال ولم يقل ان هناك مندسين تسللوا بين المصوتين لافساد مشروعه والتسبب في هزيمته ، ولم يسع الى تزوير نتائج التصويت ، ولم يقم بتقديم الاغراءات ، بتوزيع سندات الاراضي الوهمية ، او الاموال ، او التعيينات بالجملة ، او البطانيات ، او الصوبات ، او القماصل ، او المسدسات .. الخ .
كاميرون استقال من منصبه ، منصب رئيس وزراء بريطانيا، اقرارا منه بالفشل وتحملا للمسؤولية. وحيث لا نتوقع ذلك من المسؤولين عندنا ، الفاشلين والفاسدين ، فلا بد ان يقول الشعب، وقد عرف الكثير من الحقائق ، كلمته الراشدة بعيدا عن العواطف والاهواء.