دروس اضافية من فاجعة الكرادة / محمد عبد الرحمن

تتواصل جرائم الارهابيين بحق شعبنا العراقي ، ويبقى ما حصل في الكرادة شاهدا على الاصرار والتعمد في مصادرة الحق في الحياة ، ودليلا قاطعا على ان القتلة المجرمين لا يفرقون بين اطياف الشعب. فالكل مستهدف طالما وقف في وجه آلة الجهل والظلام والتخلف . وفيما الناس لم تداوِ جراحها بعد ، وحتى لم يتم التعرف على الكثيرين من الضحايا، سارع الطائفيون على اختلاف مسمياتهم ، الى توظيف الفاجعة لخدمة مآربهم، ناسين او متناسين ان من ذهب ضحية هذه الجرائم ، كما في السيد محمد وغيره من قبل، هم عراقيون قبل كل شيء ، وان الارهاب لم يفرق بين علي وعمر ونوزاد وشمعون .
وعلى عكس المشاعر النبيلة والصادقة التي يعرب عنها ملايين العراقيين ، داخل الوطن وخارجه ، وتضامنهم عبر مختلف الاشكال والوسائل مع الضحايا وذويهم، لا يترك السياسيون المتنفذون الفاجعة تمر دون ان يدسوا انوفهم في احزان الناس، محاولين مصادرة حقهم في التعبير عما يجيش في دواخلهم من مشاعر الغضب والالم والحزن العميق، في هذه اللحظات التي يودعون فيها فلذات اكبادهم وذويهم واصدقائهم .
حقا انها مشاعر جياشة خالصة هذه التي تفصح عنها الغالبية الساحقة من العراقيين في هذه الايام القاسية ، مجسدة المزيد من التكاتف والتعاضد فيما بينها ، ومع العوائل المنكوبة. لكن هناك من يتصيد في الماء العكر، ويقول كلام حق يراد به باطل يخدم مصالحه .
فمنذ زمان والناس الحريصة على الوطن واستقراره تقول ان بقاء المنظومة الامنية على حالها لن يحمي الناس ولا حتى يشعرهم بالاطمئنان ، وان الخروق الامنية تتكرر ، في اكثر الاحيان ، في الاماكن ذاتها وبأساليب عرفوها وحذروا منها على الدوام ، فكيف بمن اودعت عنده مهمة حفظ الامن والنظام ؟
واذا كان من الصحيح القول بان الافراد يتحملون مسؤولية فردية وشخصية عما حصل ويحصل ، فان من الصحيح ايضا انهم ليسوا وحدهم من يتحمل تبعات ما يجري،بل انها المنظومة السياسية بكاملها التي فقدت منذ زمان مصداقيتها وقدرتها على التصدي الناجع لمشاكل البلد وازماته المتعددة والمتفاقمة. ولذا برز ملحا مطلب الاصلاح والتغيير في كافة مفاصل الدولة ، وفي مقدمتها المنظومة العسكرية - الامنية . ثم ان تغيير هذا المسؤول او ذاك من المقصرين والفاسدين امر جيد ومطلوب ، ولكن هل سيقود ذلك الى التغيير المطلوب في المنهج والتفكير والاداء، وهو الاهم ؟ .
لكن من العبث ان يستغل البعض الاحداث المأساوية ومشاعر الغضب والسخط ، لفرض امور كان يخطط لها وصار يعتقد ان الفرصة حانت الان لدفعها على طريق التنفيذ ، مستغلا اخطاء وهفوات ونواقص المنظومة الامنية ، ومطالبا بان يحل محلها! والمقصود تحديدا هو مصادرة دور القوات العسكرية والامنية الموحدة، التي من شأن اضعافها ان يلحق المزيد من الاذى بالناس والوطن .
ولعل من نافلة القول ان الامن والاستقرار لا يتحققان بالمزيد من تضخيم اعداد المقاتلين ( تقول الاحصائيات ان عددهم الان يزيد على مليون ونصف المليون مقاتل ، وان عديد داعش الارهابي في العراق وسوريا هو بحدود 22 الفا ) ، ولا بزيادة اعداد كلاب K9 ، ولا بوجبات اضافية من مروحيات « صائد الليل «. فبالرغم من اهمية كل هذا ، لكنه لن يؤمن بحد ذاته حلا للمشكلة. وانما يكمن الحل في التوجه الجاد نحو تنفيذ منظومة متكاملة من الاجراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية والامنية ، واجراء الاصلاح والتغيير المطلوبين. ومن دون هذا ليس لنا ان نستغرب اذا تكررت الفواجع ، وظهرت لنا داعش بنسخ اخرى .