رَأْسُ «باتّا»!! / يوسف أبو الفوز

أستبشرَ العراقيون خيراً برحيلِ الديكتاتور صدام حسين. ومع مرور أكثر من ثلاثة عشر عاماً على ذلك، لم يظنوا أنه سيأتي اليوم الذي يترحم فيه بعض منهم على من أودى بحياةِ الأعزّة من الأبناء والأزواج والآباء في حروبه غير العادلة الداخلية والخارجية. لم يظنوا أن احدا سيترحم على المجرم «القائد اللاضرورة» فارس المقابر الجماعية وأسلحة الخردل والسيانيد ضد الناس العزل والأبرياء. يترحم عليه لما عاناه وعاشه من سياسات جاءت له بـ»صدامات» باشكال ومقاسات مختلفة، سببت له المزيد من المصاعب في حياته، من سلب الحقوق والتستر على الفاسدين، حلفاء قوى الارهاب.
ـ بويه قلنا لكم ... كنا بمصيبة صرنا بمصايب !
قالَ ذلك أَبُو جَلِيل وهو يَتّسَمّع الى نقاش سُكينة مع بنه جَلِيل.
كانت سُكينة تشعر بالغضب لما تردد من أنباء عن أن ثمّة بعضاً من المسؤولين البارزين في قيادة الدولة، يفكر ويدعو إلى تقليص التعليم المجاني وقصره على التعليم الابتدائي، وإلغائه بالنسبة للمراحل الأخرى، والإعتماد على القطاع الخاص في تأمينه.
قال جَلِيل: ان مشكلة أمثال هؤلاء من القادة هي في كونهم يعتقدون أنهم يحملون في رؤوسهم عقولاً متميزة، تفكر نيابة عن الآخرين.
كنا وصلنا تواً الى بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، وكان النقاش مستمراً بين جَلِيل وسُكينة. وأنضمت لهما زوجتي فوراً، وقالت :
ـ أتراهم لم يطلعوا على الدستور العراقي ويروا أن كلامهم يتناقض مع بنوده ؟!
حاولتُ المشاركة فقلت : لا أعتقد ان مثل هذه الدعوات يمكن أن تمر بسهولة، فالشعب العراقي، وبعد تجربة السنوات المريرة مع حكومات المحاصصة، تعلم الكثير، وقوى الاحتجاج السلمي المتواصل خير مثال . وأن أبطال القوات المسلحة العراقية، بكل صنوفها، لا يواجهون قوى الارهاب الداعشي ويضحون بأنفسهم في ساحات القتال من اجل ان يضيع مستقبل ابنائهم على أيدي سياسيين يدور في رؤوسهم كل ما هو بعيد عن هموم الشعب وأحتياجاته!
سعل أَبُو سُكينة ، وقال موجهاً كلامه لأبي جَلِيل : مثل هؤلاء ما ينفع معهم غير صاحبنا حاج شلاكه.. الله يرحمه!
وحاج شلاكه ــ عزيزي القارىء ـ هو جد الشهداء الشيوعيين كاظم وروار، وصفي وروار، ومؤخرا المقدم علي وروار، صاحب مقهى صغير في مدينة السماوة، مقابل المكتبة العامة في «شارع آل مصيوي»، غير بعيد عن «شارع الأستقلال». وشارع الاستقلال يعرفه أهل السماوة دائما بأسم «شارع باتا» لان محل «أحذية شركة باتا» الشهيرة كان يقع في طرف الشارع مع تقاطع السوق المسقوف الكبير. وحين جاء البعثيون العفالقة للسلطة عام 1968 عمدوا الى تسمية الشارع باسم « شارع البكر».
ويوما كان الحاج شلاكه قادما من «المستشفى المركزي» في الصوب الصغير، راكبا باص النقل الداخلي الصغير ــ نفرات ــ ، المسمى ايامها بـ» البولوني». وكان السائق عبد الامير أبو شوارب يعرف حاج شلاكه جيدا وتعليقاته الساخرة ولسانه اللاذع. عبرت السيارة الجسر الحديدي ــ الذي هدمه قصف الطائرات الامريكية يوم 9 شباط 1991 في حربها مع المجرم صدام اثر غزوه الجارة الكويت ــ وانعطفت في شارع الاستقلال أو البكر، فطلب الحاج شلاكه من السائق بروح أبوية : رحمه لموتاك وليدي نزلني برأس شارع باتا !
أراد أبو شوارب مشاكسة حاج شلاكه فقال: حجي ما تعرف بدلوا اسمه وصار «شارع البكر» ؟!
فرد حاج شلاكه فورا وهو يقطع بكلامه عامدا: بويه نزلني .. هو رأس شارع .. رأس البكر لو رأس باتا شنو الفرق !
***
رواية أخرى ـ مع بهارات ! ـ تضيف ان السائق أبو شوارب أوقف السيارة إ ثر ذلك وفر هاربا تاركاً كل شيء !