بين السياسية والرياضة / محمد عبد الرحمن

وانت تشاهد العاب الدورة الاولمبية الصيفية المقامة الآن في مدينة ريو دي جانيرو - البرازيل ، تشعر بالحسرة والغصة وانت لا ترى علم بلادك يرتفع ولو مرة واحدة بين اعلام الدول من قارات العالم،التي تحصد ميداليات الذهب والفضة والبرونز. وفي النهاية فان البعثة العراقية الاولمبية المحدودة اصلا بعدد الرياضيين المشاركين فيها، والذين لم يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة ، عادت الى ارض الوطن خالية الوفاض.
والحديث هنا لا يدور عن الدول التي لها باع طويل في الالعاب الاولمبية، وتكاد تهيمن في كل دورة من دوراتها ، بل عن تلك الدول التي لا يمكن مقارنة ما تمتلكه من امكانيات بشرية ومالية بما في العراق .
واصبح واضحا الان ان الالعاب الاولمبية التي تنوعت كثيرا وما زالت، ما عادت حكرا على دولة بعينها. وهذا مؤشر على الاهتمام المتزايد من جانب الدول بالرياضة وصنوفها وفنونها المختلفة . وهو ما عكسته ايضا حقيقة المشاركة الواسعة الرسمية لدول العالم في افتتاح الدورة الحالية، الذي حضره 37 رئيس دولة ، اضافة الى رؤساء الوزارات والوزراء .
لست بصدد التوسع في الحديث عن صعوبات الرياضة ومشاكلها في بلدنا ، فقد كتب وقيل عنها الكثير. حيث ان مؤسساتها اصابها ما اصاب مؤسسات الدولة الاخرى ، وحلت بها لعنة المحاصصة والفساد ، والامثلة عديدة وجاهزة لمن يرغب في الاطلاع والاستزادة. على ان هناك امرا مهما يتعلق بطبيعة الرياضة ونوعية القائمين عليها . فالكثيرون من السياسيين لا ينظرون الى الرياضة الا باعتبارها ترفا ولهوا، ومسعى لتضييع الشباب وحرفهم عن الطريق القويم ! وهؤلاء بحكم هذه النظرة القاصرة لا يهمهم من يتولى مسؤولية الرياضة، وهم عديمو الاكتراث بمبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب .
ويمتد سوء الاهتمام بالرياضة ليشمل هذا النشاط في مؤسساتنا التعليمية، التي كانت معينا لا ينضب يمد فنون الرياضة بالطاقات البشرية ، ومنها تخرج اشهر وافضل الرياضيين العراقيين على مدى عقود خلت .
والشيء المحزن الآخر هو انعدام مساهمة المراة . وكيف لها ان تمارس الرياضة وهي التي يحسبها البعض « عورة» وليس لها ان تقوم بغير واجبات البيت ؟! وان من تتجرأ من النساء على اجتياز الموانع الكثيفة التي تواجهها، تصعب عليها المواصلة والاستمرار، فهي واقعة دوما تحت وابل من الضغوط ومختلف النعوت التي لم ينزل بها من سلطان !
ان ما نشير له لا يتعلق بالرياضيين انفسهم وبعدم توفر الطاقات والامكانيات ، بل ان الحديث يدور عن غياب البيئة المناسبة لصقل تلك المواهب وتطويرها، بما يمكنها من المنافسة دوليا. والحديث هو ايضا عن هذا الاهمال الذي لا يلف الرياضة وحدها ، بل ومجمل مرافق بلادنا الاخرى، والتي تعجز اكثر واكثر عن القيام بواجباتها .
ومن الصعب ان يتصور المرء حدوث اختراق في هذا المجال ، الذي لم يعد بالتأكيد ترفا ومضيعة للوقت ، ما دامت اوضاع البلد العامة تسير من سيء الى اسوأ على يد المتنفذين الفاسدين . واستدراكا نقول انه قد يحصل انجاز هنا وهناك ، لكنه يبقى انجازا منفردا خارج التراكم المطلوب والسير بخط بياني تصاعدي .
ألم ترفع الدول شعار «خذوهم صغارا « وضمن تصور متكامل كي يؤتي الجهد ثماره ؟ فالى اين يدفع المتنفذون والمتحاصصون اطفال بلادنا؟ ان ارقام الاطفال الذين يتركون المدارس في سن مبكرة ، ومثلهم اعداد العمال - الاطفال ، شواهد على ما ينتظر اطفال وادي الرافدين من مستقبل مجهول ! وهو ما يشكل خسارة للبلد في كل المجالات .
اننا لا نتوقع ان تنتعش الرياضة وغيرها في ظروف كالتي تمر بها بلادنا ..
وان المسؤولين عن ذلك معروفون للجميع!