من دون لف ودوران !/ محمد عبد الرحمن

لن يستقر البلد في ظروف كالتي نتعايش معها اليوم في انتظار الامل . وعبثا يهرول العديد من الساسة الى عناوين يأملون ان يجدوا فيها ما يطمئن مصالحهم مستقبلا . وقد باتت عبارة « بنينا سلطة ولم نبن دولة» تتردد على السنة العديد من المتنفذين. وبقدر ما يشير هذا الى الفشل الذريع والاقرار به ، فاننا في حقيقة الامر لم نبن لا هذه ولا تلك. فعن اية سلطة يمكن الحديث ، وما دور هذه السلطة و تاثيرها ، وماذا تملك من مقومات القدرة والتمكن اذا حصرنا السلطة في هذا المفهوم تحديدا ؟! وبعيدا عن الدولة هناك جزرات متناثرة لا تشكل بنية دولة مؤسسية ، رغم وجود مؤسسات هي اقرب الى مؤسسات السلطة منها الى الدولة ، وكلاهما يتعرض الى نخر متواصل ، رغم الادعاءات التي تريد ان تظهر خلاف ذلك ، وتجانب الواقع والحقيقة .
ان الهروب الى امام لا يحل المشكلة ، كما لا يمكن التعويل على عامل الزمن بمفرده لتصحيح الاوضاع ووضعها في مساراتها الواجبة والمفترضة ، او الرهان على نسيان الناس لبدء حلقة جديدة من ادارة الدولة على نفس المنهج المحاصصي العقيم . فالحقائق اصبحت صادمة ولا ينفع ان نبحث في ما بعد داعش ، اذا لم نمعن التمحيص في الاسباب التي قادت الى تمكين داعش من السيطرة على اراض واسعة في بلدنا ، وما جرّه ذلك من كوارث ومآس. فالبلد باجمعه دفع ثمنا غاليا ، وابناء المناطق التي ابتليت بداعش اصابها الكثير تدميرا وتهجيرا ونزوحا ، وضنك عيش، وقبل هذا وذاك فقدان ارواح عزيزة. والاطفال والنساء واجهوا حرارة الصيف وقساوة برد الشتاء ، وما زال المنظر الماساوي ماثلا امامنا .
عبثا يحاول البعض ان يحصر الموضوع ويضيق ابعاد المشكلة ، بل هو لا يريد الا ان يرى ظاهرها من دون كثير اكتراث بما يحصل. فالمهم عنده هو اقتسام واعادة اقتسام الحصص والغنائم ، والبحث عن تسويات لا تغني بالنسبة الى الناس ولا تسمن من جوع . وقد جرب على مدى الـ 13 سنة الماضية العديد منها فلم تزد الامور الا تعقيدا وسوءا. وامام اعيننا مشهد لا يسر احدا ، وتكاد القتامة تغطي كل جوانبه ، لولا بعض الاستثناءات ومنها هذه الانتصارات التي تتحقق على داعش بتضحيات كبيرة ، لا يعادلها الا كبر المهمة الوطنية الملقاة على عاتق المقاتلين جميعا ، على اختلاف عناوينهم ، وهو ما يستحق الفخر والاعتزاز. ولكن هذا ايضا يوجد من يسعى الى التطفل عليه وتسخيره لمآرب وحسابات انتخابية ضيقة .
كل هذا ، وغيره ، وتعاظم حالة السخط والاحتجاج، قادوا الى وضع التغيير والمطالبة به على جدول العمل ، ولن يفلح التشاطر والسعى الى تقزيم ذلك واختصاره الى عناوين فرعية وبضعة قرارات واجراءات تنفيسية ، في ابطاء الحركة المتصاعدة نحو تحقيقه. فهي تتنوع وتتعدد ، ولن يوقفها الا تحقيق اهدافها ورسالتها ، قصر الزمن او طال .
هذا هو المطلوب الان ، من دون لف او دوران: تغيير في الرؤى واساليب الحكم ، وفي المنهج والتفكير، والتخلي نهائيا عن عقلية الهيمنة والتهميش والاقصاء ، وتحقيق الاصطفاف السياسي الذي يغير موازين القوى لصالح دعاة التغيير والبناء ، وبما يستجيب ويلبي المطالب الملحة للناس التي شبعت وعودا ، فيما البعض يريد تكرارها في مناسبة قرب الانتخابات .