مرسوم ترامب يخالف نصوص اتفاقية الاطار الاستراتيجي / هادي عزيز علي

اثار المرسوم الذي اصدره الرئيس الامريكي دونالد ترامب - المتضمن حظر السفر على مواطني عدة دول من ضمنها العراق – الكثير من ردود الافعال الغاضبة في العديد من بلدان العالم وعلى وجه الخصوص اوربا , فضلا عن المنظمات الدولية كالامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية , وقد تناولته بالشجب العديد من صحف العالم . ودفع الاحتجاج الكثير من رؤساء الدول الاوربية إلى التعبير عن ذلك . ففي فرنسا وعلى لسان الرئيس الفرنسي هولاند والمانيا في الحديث المتلفز لميركل والمملكة المتحدة بلسان رئيسة الوزراء تيريزا مي , اضافة الى الاحتجاجات الواسعة في العديد من الولايات الامريكية , وتدخل القضاء الامريكي بصفة الاستعجال بالنسبة للعالقين في المطارات الامريكية . لما استشعره المحتجون بان المرسوم الغريب عن التقاليد الامريكية لا ينسجم والاحكام العامة لحقوق الانسان ولا يستوي امره على الشائع من الاعراف الامريكية في الحفاظ على تلك الحقوق وصيانتها .
ويبدو الامر اكثر غرابة عند تعلق الامر بالعراق كونه يرتبط مع الولايات المتحدة الامريكية بـ ( اتفاقية الاطار الاستراتيجي ) الموقعة بين البلدين سنة 2008 , المتضمنة العديد من مبادئ التعاون بين البلدين في مجالات السياسي والدبلوماسي , والدفاعي والامني , والتعاون الثقافي , والاقتصاد والطاقة , والصحي والبيئي , وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات , والقانون والقضاء , وقد خولت الاتفاقية الطرفين ابرام اتفاقيات اخرى او اضافة ترتيبات يكون وجودها ضروريا لتنفيذ تلك الاتفاقية . هذا وقد استوفت الاتفاقية الشروط الشكلية والموضوعية لكلا البلدين واصبحت قانونا وطنيا في كلا البلدين وحازت نصوصها القوة القانونية للنص التشريعي في كلا البلدين استنادا إلى التشريعات النافذة فيهما وكذلك بالاستناد الى القواعد العامة في القانون الدولي التي تجعل من الاتفاقية بعد التصديق قانونا وطنيا يضاف الى النسيج التشريعي الوطني .
ومما لا شك فيه ان تحقيق مبادئ التعاون في المجالات العديدة المذكورة اعلاه التي تضمنتها الاتفاقية تستلزم وضعها موضع التنفيذ , ووضع الاتفاقية موضع التنفيذ والحالة هذه توجب وجود الاشخاص المطلوبين لذلك التنفيذ سواء كانوا رسميين او غير رسميين , وهذا ما نصت عليه احكام القسم الرابع وتحت عنوان التعاون الثقافي وبالشكل التالي : ( تشجيع التبادل الثقافي والاجتماعي وتسهيل النشاطات الثقافية مثل برامج تبادل زيارات المواطنين وبرنامج التبادل الشبابي ... وتعزيز تنمية قادة المستقبل في العراق من خلال برامج التبادل والتدريب والزمالات الدراسية مثل برنامج فولبرايت وبرنامج الزائر الدولي للشخصيات القيادية , هذا وقد تضمن هذا القسم نصا يتضمن تسهيل عملية تقديم الطلبات للحصول على التأشيرات الامريكية . والمرسوم المشار اليه اعلاه يعطل احكام التعاون الثقافي التي تضمنها القسم الرابع من الاتفاقية المتعلقة بالنشاط الثقافي والاجتماعي والذي سينعكس سلبا على مجالات التعليم والبحث العلمي والتدريب والزمالات وبقية العلوم اذا كان اشخاصه لا يتمتعون بالصفة الرسمية .
اكدت الاتفاقية وحسب النص الوارد في ديباجتها على : ( الرغبة الصادقة لبلديهما في اقامة علاقة تعاون وصداقة طويلة الامد استنادا الى مبدأ المساواة في السيادة والحقوق والمبادي الواردة في ميثاق الامم المتحدة والمصالح المشتركة لكليهما ) . وهذا يعني ان « الحقوق والمبادئ « المتعلقة بالمواطنين في كلا البلدين وعلى وفق منطوق الاتفاقية تستمد مرجعيتها من ميثاق الامم المتحدة . وبالرجوع الى ميثاق الامم المتحدة والنصوص ذات العلاقة بهذا الموضوع نجد ان الفقرة 3 من المادة الاولى منه تنص على : ( ... تعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك اطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس او اللغة او الدين ... ) . فضلا عن نص آخر ورد ضمن احكام الفصل العاشر من الميثاق وتحت عنوان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والذي ينص على : ( وله ان يقدم توصيات فيما يخص اشاعة احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية ومراعاتها ) الفقرة 2 من المادة الثانية والستين . ومن تلك النصوص يتضح ان تنفيذ الاتفاقية واحترم نصوصها امر تمليه الحقوق والمبادئ الواردة في ميثاق الامم المتحدة , خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان هذه الاتفاقية اودعت لدى الامم المتحدة تنفيذا لحكم المادة 102 من ميثاقها .
وضعت الامم المتحدة تلك الحقوق والمبادئ موضع التنفيذ , فتناسلت عنها احكام تفصيلية لتسهيل التطبيق تمثلت في الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966والعهد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966واتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو) 1979واتفاقية حقوق الطفل 1989وسواها من الاتفاقيات الاخرى المتعلقة بحقوق الانسان التي تسربت احكامها واستقرت في الغالب من دساتير الدول ولعل احد تلك المبادئ هو مبدأ ( حرية التنقل ) واختيار محل الاقامة , او اللجوء الى دولة اخرى هربا من الاضطهاد , اذ يحاول مرسوم ترامب تعطيل تلك المبادئ خلافا لمرجعيتها الدولية والدستورية فضلا عن مخالفته احكام اتفاقية الاطار الاستراتيجي .
كلمة اخيرة نقول فيها , ان نص الاتفاقية هو نص قانوني آمر , اما مرسوم ترامب فهو لا يتعدى في وصفه القانوني باعتباره قرارا اداريا لصدوره عن الادارة وليس عن السلطة التشريعية , وبذلك فان النص القانوني يملك العلوية على القرار الاداري , وفي حالة التعارض يهدر الاخير لصالح القانون .