دواعش السياسة ! / محمد عبد الرحمن

قد يكون اخر من استعمل هذا التعبير هو رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي للاسبوع المنصرم . فقد سبقه الكثير في التحدث به ،وباستخدامات مختلفة له ، ولدوافع متعددة ، هي في نهاية المطاف تعكس مواقف من يتحدث بها ، ولأية غاية يسخر هذا التعبير الذي راج منذ ان دنست ارض وطننا عصايات داعش الارهابية في حزيران 2014 ، والان يدفع شعبنا الثمن غاليا لتخليص محافظات وطننا ومدنه من رجسهم .
ورئيس الوزراء خص بدواعش السياسية كل من يضع العصي ويثير المشكلات والاشكاليات في طريق استعادة اراضينا من قبضة داعش . فهل هؤلاء الذين قصدهم العبادي هم من فرط اصلا بارض الوطن بدوافع انانية وضيقة وتفضيل الكرسي على مصلحة الوطن والناس ، وسمح لداعش بالتمدد لبسط سيطرته على ثلث اراضينا ، ما كلف الشعب والوطن ، وما زال ، الكثير من الدماء والارواح والضحايا والمعاقين والارامل ، ومن المشردين والنازحين والمهجرين واللاجئين، وخراب المدن وبناها التحتية واثارها ومعالمها الحضارية ؟ ! .
لا نعرف على وجه التحديد من قصد السيد العبادي من الاشخاص والكيانات والاحزاب السياسية ، ولكن اليقين ان الكثير لا يروق له تحرير الموصل وغيرها من مدن وطننا ، فهو يعتاش على الازمات ويريد توظيفها لمصلحته والحفاظ على حصته من الغنائم الان وعند اعادة اقتسامها. ودواعش السياسة لايريدون ان يسجل اي تقدم او نصر على الارهاب بمعزل عنهم ، فهو يريدون ان يكونوا ابطال الانتكاسات والنصر من دون منازع ! بل يريدون نصرا ، ايضا ، على مقاساتهم ! .
قد يكون من قصدهم العبادي لا يقتصر على مجموعة دون اخرى ، وقد يمتد اخطبوط دواعش السياسية الى كل الالوان والمكونات ، ولكنه قطعا هو محصور بالسياسيين ، والمتنفذين منهم وليس سواهم .
على ان دواعش السياسة ، براينا ، اشمل بكثير من هؤلاء الذين قد يكون رئيس الوزراء قصدهم ، فهم كل من يعيق تحقيق الامن والاستقرار في بلدنا تحت اي عنوان وذريعة ويشجع على الفوضى وبقاء السلاح بيد المليشيات وارباب الجريمة المنظمة . وهم لا يريدون ان نتوجه ، رغم التصريحات الرنانة ، الى تجفيف حقيقي لمنابع الارهاب بمقاربات وحزم متكاملة ، ويسعى بكل السبل والوسائل الى ادامة ما ثبت فشله من نهج وفكر ومنهج واليات عمل . وهو يديم التهييج الشوفيني والعنصري والطائفي ويشجع على الانغلاق وتصغير الوطن الى « دربونة « ، وادامة حالة التشرذم الاجتماعي وتمزيق نسيجه ، واضعاف الوحدة الوطنية وروح المواطنة .
الداعش السياسي ، والملتحف احيانا بالدين ، وهو منه براء، كل من شجع ويشجع ويحمي الفساد والفاسدين ، ويديم الفقر والجهل والمرض والامية ، وينافس الفقير وذوي الدخل المحدود والكادحين على لقمة عيشهم ، ويعرقل اي مسعى جاد لتنمية البلد وتوظيف موارده لخير ابنائه وتقدمهم . وهنا دواعش السياسة في عناق مصلحي وثيق مع منظومة الفساد والفاسدين في مؤسسسات الدولة ، وفي خارجها ، ومع الفئات الطفيلية والبيروقراطية ، وبعض اصحاب المصارف والمتاجرين بالعملة ومالكي الفضائيات ومهربي النفط.
ولدواعش السياسة ، كذلك ، يعود من يعمل المستحيل لان لا يكون الشخص المناسب في المكان المناسب ،ويريد احتكار القرار ويعمل على ادامة التهميش والاقصاء ، عبر وسائل متعددة ، ومنها تشريعات قانونية ظالمة يسعون الى فرضها باستخدام اغلبية يفرقها الكثير ولكنها تتفق على ادامة مصالحها ، وهي متداخلة بالقطع .
اليس كل هذا يحتم التوجه الى بناء اصطفاف وطني واسع ينقذ البلد قبل فوات الاوان !