فاتورة الكهرباء / عبد السادة البصري

حينما كان عمري اثني عشر عاماً دخلت الكهرباء الى قريتنا في أقصى جنوب القلب ــ جنوب الفاو، وبدأ الناس بتجهيز بيوتهم بالكهرباء. كان التأسيس يبدأ أولاً بالمقياس ( الميتر) لمعرفة صرفياتنا من الكهرباء ، وكان الشرط الأساس عدم تجهيز البيت بالتيار الكهربائي إذا لم يكن هناك عدّاد ميتر). وأخذ موظف الكهرباء (قارئ المقاييس ) يأتي كل شهر لقراءة العدّاد وقطع وصل الصرف. كما كانت تتم جباية الكهرباء من البيوت الحكومية ــ بيوت الموانئ ودور النفط ــ ضمن استقطاعات الراتب الشهري للعامل والموظف ، فكان الناس لا يشعرون بثقل الديون المتراكمة عليهم ولا يتذمرون من دفع فاتورة الكهرباء شهرياً .
تذكّرت تلك الأيام وأنا أعيش منذ ثلاثة أيام بلا كهرباء نتيجة رفع محوّلة الكهرباء من منطقتنا وقطع التيار عنها ، ثم مطالبة السكّان بدفع الفواتير أولاً كشرط لإعادة التيار الكهربائي. وقد حدث ذلك دون سابق إنذار أو تبليغ ،أو الإيعاز للناس بشد مقياس في بيوتهم ، حيث تجد أغلب البيوت بلا مقياس، كما انهم لم يعرفو المبالغ المترتبة عليهم. وعند المراجعة وتجهيز البيت بالمقياس يتم استقطاع مبلغ كبير يصل الى المليون والمليونين ما يجعل الناس في حيرة من أمرهم وفي دوامة بحث عن مخرج من أزمةٍ لم تُوضّح لهم في بادئ الأمر !.
وبين البحث والدوران والتذمر يعزف الناس عن الدفع وهم مستغربون من هكذا إجراءات !
فاتورة الكهرباء حق على المواطن يدفعه للدولة ثمناً لصرفياته من الكهرباء ، وهذا معمول به في جميع دول العالم. لكن يجب أن يُطَبَّق على الجميع بلا استثناء ، وأن لا يتم تجهيز أي بيت بالكهرباء عند بدء التأسيس إلاّ بشدّ المقياس في البيت طبعاً. ولكن ما حصل منذ 2003 ولحد الآن يختلف كلياً عن ذلك، حيث جرى التجاوز على الكهرباء وسحب التيار الكهربائي للبيوت كيفما اتفق نظراً لعدم وجود قانون ينظم آلية السحب والصرف على وفق مقياس يؤسس ضمن التجهيز الأولي. كما لم تتم توعية الناس بأهمية هذا القانون وترشيد الكهرباء ، بل صار يؤسس البيت ويُجَهَز بالتيار الكهربائي كيفما اتفق، ما جعل الناس تستسهل العملية وتُجهّز بيوتها كيفما تشاء!
إذا أردنا أن نقنن صرفيات الكهرباء ونستحصل جبايتها فعلينا أن نُعَرّفَ الناس بأهمية شد المقياس في بيوتهم ،إضافة الى وضع تعريفة مالية لا تثقل كاهل المواطن ولا تضر بميزانيته المالية شهريا ، بل تجعله يدفع الفاتورة عن طيب خاطر. كذلك ان نعطي دروسا بأهمية ترشيد استهلاك الكهرباء وان لا نترك للشركات و( المولات ) والمعارض والمتنزهات وغيرها حرية الصرف كيفما شاءوا، حيث تجد الليل نهاراً ويستمر صرفهم غير المعقول وبلا مقياس ، ثم نطالب الآخرين بفاتورة استهلاكهم البيتي للكهرباء !
فاتورة الكهرباء وتقنينها امر مهم ولكن وفق قانون عادل يشمل الجميع بلا محاباة ومحسوبيات ودرجات!