اعمدة طريق الشعب

نعم.. ولكن / محمد عبد الرحمن

في هذه الأيام نرى العديد من القوى والأحزاب السياسية والشخصيات العراقية تعلن عن مواقف جديدة بالنسبة لها وفيها إقرار معلن بضرورة المراجعة والتقويم واستخلاص الدروس من تجربة الفترة السابقة والأداء السياسي خلالها.
وجيد ان يتم الإقرار بان هناك أزمات ومشاكل وان البلاد ان استمرت في السير على النحو الحالي فإنها سائرة نحو المجهول، بدلا من مكابرة سابقة ومغالطات تتهم كل من يقول بوجود امر غير طبيعي ويرفع الصوت مخلصا محذرا ومنبها بانه معاد للعملية السياسية، ويريد إعادة النظام المقبور وانه من «الفلول»، ويضيف البعض الى ذلك نعوت طائفية هي من صنع مخيلته المريضة، وفي أحسن الأحوال يقول بعض آخر انها من صعوبات البناء، وليس مفهوما أي بناء يقصد به، فيما لم تشهد البلاد بناء يذكر قياسا الى مليارات الدولات التي صرفت او اختفت او سرقت!
جيد هذا الإقرار بان إدارة البلاد شابها الكثير من الخلل والأعوجاج وان الإصرار على نظام دولة المكونات وتكريسه كونه حافظا للمصالح والنفوذ والسلطة، بديلا عن دولة المواطنة، قد وصل الى طريق مسدود والحاجة ماسة الى تغيير من دون الإفصاح عن ماهيته!
وجيد أيضا الاعتراف بالفساد المستشري والمطنب وانه معوق رئيس يحول دون تعافي الوطن وإعادة بناء ما خرب ودمر، وانه لا استثمار ولا تنمية ولا بناء مع استمرار هذه الافة الفتاكة.
ومرحب به كذلك اعلان البعض عن النية الى هجر سياسة ومنهج المحاصصة، والقطيعة مع مواقف وممارسات التخويف والتخوين والتهديد والاقصاء والتهميش.
وموضع استحسان الرأي القائل بانه يتوجب ان يقف العراق على مسافة واحدة من دول المنطقة والعالم، وان يقيم علاقات متوازنة مع الجميع، وان يختار حكامه أولا وأخيرا مصالح بلدهم وشعبهم، وان يتم الوعي بان ليس بالضرورة اجندات الغير تتطابق مع أجنداتنا الوطنية.
وخطوة بالاتجاه الصحيح القول بان داعش وزمر الاٍرهاب ما كانت لتتمدد على هذا النحو لولا البناء الرخو والهش لمؤسسات الدولة، العسكرية والمدنية، والسياسات الخاطئة المتبعة ودور البعض السيئ في ذلك، وان تحقيق النصر العسكري ليس بعد القضاء على الاٍرهاب وتجفيف منابعه وهو ما يحتاج الى مقاربات اشمل وأوسع.
ويبقى السؤال هل ان هذه الخلاصات التي توصل اليها البعض بعد معاناة مريرة لشعبنا وكوارث ونكبات وخسائر بشرية ومادية هائلة، وجدت طريقها الى التطبيق؟ وهل هي تملك أدواتها الواضحة والسليمة؟ وهل الإجراءات المتخذة على الأرض تسند هذه الخلاصات؟ يبدو ان ممارسات البعض ما زالت تؤشر عكس ما يعلن ويصرح به والأمثلة عديدة من الحاضر القريب ومنها:
- تشكيل مفوضية حقوق الانسان على وفق المحاصصة، حتى ان البعض متندرا اسماها «مفوضية حقوق الانسان للأحزاب السياسية الحاكمة».
- الموقف من الهيات المستقلة
- السعي لفرض قانون معيب لتنظيم حرية ابداء الرأي والتظاهر.
- السعي لفرض قانون انتخابات يؤبد سلطة المتنفذين.
- السعي لإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات على وفق ذات السياق السابق البائس.
- فرض تشكيلة لمجلس الخدمة (محاصصاتية) لا تمكنه من أداء وظيفته على نحو محايد ونزيه وكفء.
- إطلاق البعض لتصريحات عنصرية وشوفينية وطائفية.
- عدم الجدية لحد الان في حصر السلاح بيد الدولة والحد من ظاهرة الانفلات الأمني وإيقاف مسلسل الاختطافات والقتل العمد.
- عدم اتخاذ إجراءات ملموسة ضد الفساد والفاسدين.
وربما هناك جوانب أخرى عديدة وخاصة ما يتعلق منها بالفشل الذريع في تحقيق شيء يذكر بتوفير الخدمات والعدالة الاجتماعية، فضلا عن الهرولة الى تصفية قطاع الدولة!.
لكل هذا نقول مرحبا بما يطرح من توجهات جديدة وخلاصات من تجربة مرة ما زالت متواصلة، ولكنها تبقى آراء معلقة في الهواء من دون إجراءات ملموسة ومواقف وممارسات يومية وهنا هو المحك والمعيار.