اعمدة طريق الشعب

المترو والقطار المعلق مشروعان بنهايات مفتوحة / ابراهيم المشهداني

ظهرت ملامح الازدحام والضجيج في شوارع بغداد منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، حيث وقتها اندفع العراقيون لشراء السيارات عدا ما تقوم الدولة بتوزيعه على الضباط وعوائل شهداء الحرب والاستيراد العام والخاص دونما اكتراث للتداعيات البيئية والتكاليف المالية غير المبررة اقتصاديا وتضاعف استيراد السيارات بشكل غير معهود بعد عام 2003، وتفاقم الامر ايضا بسبب عدم كفاية الطاقة الاستيعابية لشوارع العاصمة فغدت اشكالية عجزت الحكومة وما تزال عن معالجتها .
ان اعادة الكتابة في هذا الموضوع الاقتصادي العصي مرده قيام وزارة النقل ببحث هذه الاشكالية المستديمة مع السفارة الفرنسية وتجدد الحديث عن انشاء القطار المعلق والمترو في الملتقى الاقتصادي للمجلس العراقي الفرنسي لأرباب العمل الثاني عشر المنعقد في فندق بابل بهدف انجاز هذين المشروعين الاستراتيجيين، ان من الغريب تماماً ان يتم تبادل الادوار بين وزارة النقل وامانة بغداد بدون طائل على مدى الاعوام الماضية .
ان فكرة هذين المشروعين ليست جديدة فقد طرحت منذ عام 1978 اذ اقدمت وزارة النقل آنذاك على تأسيس هيئة للنقل السريع لإنشاء مترو في مدينة بغداد ضمن خططها لإنشاء السكك في البلاد وتم التعاقد مع الاستشاريين السويسريين والالمان ( دروش ) للقيام بدراسة الجدوى والتصاميم الاولية ومن بين اربع استراتيجيات تم الاتفاق على المترو كواقع حال وعلى اساسه يتم بالتدريج استكمال بقية المشاريع ويبدو ان هذا العقد قد تم التخلي عنه الا ان وزارة التخطيط باعتبارها الجهة المسؤولة عن تخطيط واقرار المشاريع قامت بالتعاقد مع الاستشاريين البريطانيين ( سكوت ولسن كيربكترك ) وشركائهم في 14/8/1979 للقيام بالخدمات الاستشارية بإشراف فريق يمثل وزارة التخطيط وامانة العاصمة ووزارة النقل ووزارة البلديات ومديرية المرور العامة وانتهى الموضوع الى امانة العاصمة للشروع بالتنفيذ الا ان الطاولة انقلبت على هذه المشاريع كلها بسبب الحرب المجنونة التي اشعلها الدكتاتور. وبعد التغيير في عام 2003 وتحديدا في عام 2007 اعيد بحث هذه الموضوع مرة اخرى من قبل امانة بغداد كجزء من واجباتها في تقديم الخدمات وقامت بتخصيص ملياري دينار للقيام بمرحلة المسوحات والتصاميم التفصيلية فقط على ان تباشر بالتنفيذ في نهاية العام وخصصت مليار دولار لهذا الغرض . وتوقف التنفيذ كسابقاته لكن في عام 2013 عادت الامانة لتخرج ملف المشروع من ادراجها مرة ثالثة وتعلن ان شركة سيسترا الفرنسية قامت بتطوير التصاميم القديمة لتقفز الكلفة التخمينية الى 5,7 مليار دولار وبغض النظر عن هذه التخمينات المبالغ فيها لغاية في نفس يعقوب الا ان الوضع المالي في البلاد والوضع الامني كانا ملائمين لتفعيل المشروع ولو بدأ التنفيذ فعلا لكان البغداديون في اتم السعادة لتكتحل عيونهم في عام 2018 بمشاهدة صرح حضاري عملاق لكن الارادة السياسية كانت غائبة بسبب حسابات السياسيين في الربح والخسارة التي غالبا ما تكون حاضرة على الطاولة في تقرير المشاريع.
وعلى الرغم من هذه الخيبات المتكررة فان فكرة المشروع ما زالت تحتفظ بحيويتها بسبب تفاقم الازمة المرورية التي تتحول مع الوقت الى ازمة اجتماعية وبيئية عامة حيث تقدر مديرية المرور العامة ان عدد السيارات في مدينة بغداد لوحدها 2,750 مليون وتقدرها محافظة بغداد بعشرة ملايين وهذا الرقم مشكوك فيه .
ان عجز الدولة في الوقت الحاضر عن التنفيذ لا يمنع من التفكير بدعوة مجموعة من الشركات العالمية العريقة في مثل هذه المشاريع وهي نفس الشركات التي سبق وان تقدمت بطلبات التنفيذ وهي شركات نمساوية والمانية وفرنسية وامريكية وروسية وكورية، بالإضافة الى الشركات البريطانية مع الاخذ بنظر الاعتبار الافضلية للدولة التي تسهم بشكل جاد في تعمير المدن التي خربها الارهاب .
ونعتقد ان تنفيذ هذا المشروع على اهميته الاستراتيجية ودوره الاقتصادي والاجتماعي ليس كافيا ما لم تقم الحكومة بإعادة النظر في استراتيجيتها الاستيرادية بالحد من التدفق العشوائي للسيارات، بالإضافة الى المفاضلة بين المشاريع الاخرى التي تؤدي الهدف نفسه كمشروع القطار المعلق مثلا .