عبداللطيف السعدي يذكّر بمواقف القوى الوطنية العراقية

روما – نهلة ناصر

إستضافت جمعية "جسر إلى..." (إلى بغداد سابقاً) الإيطالية الكاتب والصحفي عبداللطيف السعدي للحديث عن الوضع العراقي وتداعيات الأزمة التي يمر بها العراق اليوم، حضرها منظموها وعدد من المهتمين بالشأن العراقي من إيطاليين وأصدقاء عرب
ابتدأ السعدي حديثه باستعادة تداعيات آخر حرب شنتها القوات الأميركية وقوات التحالف على العراق في العام 2003، وذكّر بمواقف القوى الوطنية الحريصة على مستقبل العراق، كالحزب الشيوعي العراقي، من تلك الحرب والوقوف ضدها لما كانت ستسببه من أوضاع وتداعيات، عشنا ونستمر نعيش في ظلها حتى يومنا هذا. وشدّد على أن واحدة من نتائج تلك الحرب وما نجم عنها من إحتلال للعراق وسياسات المحتلين والحاكم باسمهم حينها برايمر، هي فرض صيغة حكم استندت إلى التقسيم والمحاصصات الطائفية والقومية، الأمر الذي استثمرته القوى المتنفذة اليوم بركوبها موجة التمثيل القومي والطائفي، وفرض سلطتها ومصالحها الضيقة على البلاد. ثم استعرض السعدي تطورات الأوضاع بعد ثلاثة انتخابات سياسية ونتائج المحاصصات وفرض ما يشبه سلطة الحزب الواحد أو القائد الأوحد، التي أدت، وعلى أرضية ما تركه النظام الدكتاتوري المطمور من إفراغ للوعي، إلى خلق أجواء وظروف مناسبة لتوظيف شعور بعض القوى بالتهميش والإقصاء، من قبل قوى الإرهاب وبقايا النظام السابق. كما بيّن أن أحداث سوريا واستمرار الحرب فيها وسياسات النظام المتشبث بالسلطة فيها، شجعت القوى الإرهابية المتلبسة بالدين إلى مد رقعة سطوتها وسيطرتها نحو مساحات واسعة داخل العراق. كل ذلك وتواطؤ البعض، حتى داخل القوات المسلحة التي بنيت على أسس المحاصصة الطائفية، وانتشار الفساد بين وحداتها والعديد من كبار ضباطها، أدى الى سقوط الموصل ومناطق أخرى في العراق بالسرعة المذهلة والمفاجئة لقيادات الحكم نفسها في العراق. كما أوضح الكاتب والصحفي عبد اللطيف السعدي دور القوى الإقليمية وتوفير الأموال الطائلة والوسائل في تحقيق تقدم لمسلحي "داعش" ومجموعات مسلحة أخرى متحالفة معها في العمق العراقي، مما خلق على الارض والواقع عمليا خطر تقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق حسب التقسيم الطائفي والقومي، بشكل لم يسبق له مثيل عبر التاريخ العراقي المعاصر. كما أشار إلى احتمالات التطورات ومواقف دول المنطقة والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص. فُتح بعد ذلك باب الحوار وطرح الاسئلة من قبل الحضور الذي كان متلهفاً لمعرفة حقيقة ما يسمعه من أخبار عن الوضع العراقي، المتأزم.
وردا على سؤال لأحد الحضور بشأن ما يتطلبه الوضع في العراق من العالم، أشار السعدي إلى السياسات الخاطئة لبلدان الغرب اتجاه تطورات منطقة الشرق الأوسط عموماً، خاصة بعد أحداث ما يسمونه بـ"الربيع العربي"، الذي سماه "بمرحلة إنتقالية تأريخية ومخاض لتطور البلدان العربية نحو تقرير مصير شعوبها المتطلعة لبناء دول حرة ديمقراطية تعتمد حقوق الإنسان والمدنية". وشدّد على أهمية دعم شعوب البلدان الأوروبية، خاصة قواها الديمقراطية واليسارية ومنظماتها الإجتماعية والمدنية، للقوى الديمقراطية العراقية من أجل وقف التداعيات وفتح آفاق تطور آمن ومستقر في العراق.
وختم السعدي حديثه بالتأكيد على سيادة مشاعر الوحدة الوطنية التي تلف الشعب العراقي وقواه الديمقراطية الحية، مستندا إلى التاريخ الذي أكد دائما "قوس قزحية" المجتمع العراقي، وأن هذا الأمر لا يمثل تاريخاً للعراق فحسب، وإنما يشكل جذراً يضرب في أعماق التربة العراقية، بما يجعله عامل أمل بآفاق أرحب. ولكنه حذّر، في الوقت ذاته، من مخاطر إحتماليّ التقسيم والحرب الأهلية الطاحنة التي ستحرق المنطقة برمتها.
تلا حديث الصحفي عبد اللطيف السعدي، عرض الفيلم العراقي "في أحضان أمي" من إخراج المبدعين الأخوين محمد وعطية الدراجي، وانتاج مؤسسة بريطانية- هولندية، الذي سلّط الضوء على معاناة الطفل العراقي بشكل عام وظاهرة اليتم الواسعة في العراق بشكل خاص.
وتتحدث قصة الفيلم - الذي اعتمد المشاهد الحقيقية للأيتام ومسؤولين عن أحد بيوت إيوائهم  عن المواطن العراقي المعلم هشام، وهو رجل أخذ على عاتقه مهمة رعاية 32 طفلاً يتيماً، بعد ان قررت منظمة إنسانية كانت ترعاهم التخلي عن المشروع بسبب إستشهاد أحد أعضائها، والمعوقات التي واجهته في تأمين أبسط متطلبات الأيتام لحمايتهم من الضياع، أو أن يكونوا لقمة سهلة في فم الارهاب، معتمداً على التبرعات التي يجمعها من الناس، ليوفر لهم السكن والمأكل والملبس وحرص منقطع النظير لمواصلة دراستهم في مدارس الدولة.
كما ان الفيلم بيّن تقاعس المؤسسات المختصة عن أداء دورها اتجاه الأيتام والتي لجأ اليها هشام عندما قرر صاحب البيت الذي يسكنونه بيع البيت واخلائه، ليبدأ رحلة البحث عن بديل ومنقذ لهؤلاء الأيتام، خاصة وانه لديه عدد من الابطال في رياضة السباحة حائزين على اوسمة ومراتب متقدمة في المسابقات التي شاركوا فيها على المستوى المحلي والوطني.
ورغم كل ما عاناه واصل هشام سعيه للحصول على دعم لدور الأيتام المستقلة لإيمانه ويقينه انهم سيكونون بأيد أمينة بعيداً عن دور الدولة للأيتام التي يعاني فيها الأطفال من الإهمال والعنف الجنسي والجسدي  حسب تقارير لبعض منظمات حقوق الانسان  آملاً في مستقبل أفضل لهم في بلد يتزايد فيه عدد الأيتام بسبب الحروب والنزاعات المستمرة.
يذكر أن جمعية "جسر إلى..." الإيطالية تنشط منذ سنوات عديدة في العراق لتقديم العون والمساعدة بالتعاون مع العديد من منظمات المجتمع المدني في عموم البلاد. وتقوم اليوم بجهود كبيرة لتقديم عونها الإنساني للاجئين السوريين في المخيمات، خاصة في مناطق كردستان العراق.