الومض الشعري في «مناجم الأرق» / علوان السلمان

تشكل مرحلة الارتقاء الشعري التي ظهرت مع ظهور وانتشار قصيدة النثر free verse الدفقة الأولى لولادة القصيدة الومضة "الدفقة الشعورية" أو "النص المختزل" أو "قصيدة الكتلة" أو "قصيدة المفارقة" المقترنة باللغة باعتماد التكثيف والإيجاز والإيحاء والتي تجاري العصر الذي وسم بعصر السرعة لأن "قيمة اللحظة في حياة الإنسان المعاصر أصبحت لا تقاس بشيء إذا ما قورنت بحياة الإنسان القديم الذي كان دائم البحث عن شيء ينسيه وقته" كما يقول محمد كعوان في "شعرية الرؤيا وأفقية التأويل".. 
بعد أن  شهدت تحولات فنية وفكرية تتوافق والتحول المعرفي والحضاري.. فتميزت ببنيتها العضوية الموحدة وتكثيفها وتركيزها لغة ودلالة مع مفارقة ادهاشية تحرك الذاكرة.. باتكائها على النزعة البلاغية القائمة على تقنية الانزياح والتركيز والتكثيف والإيحاء واستنطاق الرمز بكل صوره لتحقيق خطاب اتصالي يثير الانفعالات والدهشة..
لذا فهي تعد من الأساليب الشعرية الحداثية  ووسيلة من وسائل التجديد التي تسجل موقفا يمر في المخيلة ويشكل "كيانا مكتملا.. جسده الإيجاز والمفارقة روحه" على حد تعبير كوليردج..
و"مناجم الأرق" المجموعة الشعرية التي نسجتها أنامل ابنة الجنوب الميساني الشاعرة نجاة عبدالله وأسهمت دار الساقي بالاشتراك مع ديوان الشرق الغرب في نشرها وانتشارها/2008 .. وهي تشتغل على نمطين شعريين "القصيدة والقصيدة الومضة التي طغت على بياض صفحاتها".. بعد أن استوعبت محدداتها الحداثية المتميزة بالتفرد  والخصوصية والتركيب والإيحاء والوحدة الموضوعية مع اتسامها بالقصدية والتكثيف والتركيز مع اقتصاد لفظي حقق جمالية شعرية وانزياحاً ساهم في نبش الخزانة الفكرية للمستهلك "المتلقي"..
وحدي
وما زلت وحدي
ألتقط
سخرية أحزاني
بفرح عجيب
وأطارد
صحراء صدقك
برمل كاذب  
فالنص يستمد تأثيراته من خلجات النفس السابحة في فضاءات الخيال الممزوج بالواقع بدفق شعري يضيء خبايا الذات ويبوح بدواخلها عبر وحدة متداخلة بنسق جمالي بالفعل الشعري والاستدلالي والانفعالي الشعوري لخلق صورة شعرية تسعى إلى تجسيد الإدهاش الذي هو غاية الصورة الشعرية التي تقوم على تنوع الأساليب المعرفية والقرائية للكشف عما خلف الدلالة اللفظية من خلال جمالية التفاعل مع النص..
بعد أن
تكتمل أنفاسك
أقطع روحك الميتة
وناقش
هذا الطين المنسي
لأنك عصي على المضي
وغريب عن الطريق  
فالنص يحقق جماليته التي تظهر في اعتماد عنصر الإضاءة السريعة للحظة مع تكثيف دلالي ومعنى إيحائي بدفقات نفسية مؤتلفة في صورة كلية محتضنة لفكرة بين ثنائيات هندسية تعد من العناصر المولدة لدينامية الصورة التي تجمع ما بين المعنيين الحسي والذهني الدالين على عمق المعنى..
البرد خجل
يحمل قبعة
ويغتصب الضجيج
وخشية
معارك الورد على النافذة
اخرج مني
أتفيأ أغانيه
وكأي مهرج
اعتاد حماقة الإصباغ
أرسم ذكراك
بالأسود والأبيض
لأتفوه
متعة العالم
بفم
من ذهب  
  
فالشاعرة توظف تقنية السرد الشعري لإضفاء عنصر الإثارة والديمومة على نصها.. مع تركيز على العناصر الشعورية والنفسية لتكشف التوتر النفسي وأزمة الذات.. فضلا عن أنها تعتمد على طاقة اللفظ المجازية الإيحائية التي تفتح عوالم التأويل.. فتقدم نصا يقوم على شعرية الرؤيا في إطارها البنيوي المكتنز بالشحنات المنفعلة التي تضفي على جماليات التشكيل الفني دفقات مكتظة بالحركة  من خلال استنطاق الذات المختصرة للمسافات في لحظة من لحظات الحلم.. لذا فهي تعبر عن لحظة انفعالية مكتنزة بدفقها العاطفي وغناها المعنوي.. لأنها تركز على جمالية السياق لتشكل خطابا انفعاليا..
اقرأ لي
شوقك يا مجنون
ما دمنا نضحك
من قطط غفرانك
حتى ثعالب خيبتهم
اقرأ لي
فضيلة العالم
في غير جنوب
ابكيك ليلا
من غير جنون     
فالشاعرة تعتمد في بناء نصها على تبئير الفكرة بعبارات موجزة تقوم على هندسة بنائية عميقة ولغة متوهجة متميزة بأبعادها الرمزية المشحونة بطاقة لغوية تعبر عن حالة شعورية وفضاء وجداني بوحدة موضوعية وفكرة مركزة بالاتكاء على الرمز المبني على احتمالات دلالية.. فتقدم نصا متناغما بإيقاع داخلي ودلالة شعرية تؤهله لتأطير صوره المكتظة بلغة انفعالية متكئة على الانزياحات التي تتجاوز المألوف في سياقها وتفجر طاقاتها الدلالية بانجازات متجددة..
 
وبذلك قدمت الشاعرة نصوصا شعرية تنبني على المقومات المتمثلة في "العنوان الذي شكل جملة اسمية من "فونيمين" شكلا علامة سيميائية دالة على المتن النصي الشعري الذي اعتلت نصوصه عنوانات فرعية شكلت جملا اسمية تقدم فكرة النص في حيزها الثبوتي ودلالتها المتحركة داخلها.. إضافة إلى بؤرة النص والضربة الادهاشية المفاجئة".. فضلا عن أنها توظف آليات التشكيل الفني "الصورة المبتكرة/ الرمز الذي يفتح باب الرؤيا"، عبر اللغة.. الوهج الذي تتحلق حول عوالمها الشاعرة باعتماد التكثيف والإيجاز والإيحاء.. "واشتغال النصوص على المفارقة الضدية والتكثيف بوعي ولإمساكها بوهج اللحظة" على حد تعبير الناقد محمد الجزائري..