الفيلم التسجيلي دراما من الحياة الواقعية / أسامة عبد الكريم

يبدو أن ٨٠ بالمائة من دول العالم وقعت على ميثاق حقوق الإنسان ومنها قامت المفوضية السامية لحقوق الإنسان وهي أعلى هيئة لمنظمة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، وتسعى المفوضية إلى إدراج حقوق الإنسان في جميع عناصر بعثات الأمم المتحدة للسلام مع توخي أربع أولويات: ضمان العدالة والمساءلة في عمليات السلام؛ ومنع انتهاكات حقوق الإنسان والتصدي لها، وبناء القدرات وتعزيز المؤسسات الوطنية، وتعميم مراعاة حقوق الإنسان في جميع برامج الأمم المتحدة. ولهذا تم تشكيل لجان كلجنة مناهضة التعذيب "المادة21 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، واللجنة المعنية بالعمال المهاجرين( المادة 74 من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، واللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، المادة 32 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، ولجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المادة 11 ـ 8 من البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولجنة حقوق الطفل المادة 13- 7 من البروتوكول الاختياري المتعلق بإجراء البلاغات لاتفاقية حقوق الطفل ، ولجنة القضاء على التمييز ضد المرأة المادة 10 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة) لجنة الأشخاص ذوي الإعاقة المادة 8 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
لكن بعض الدول لم تعترف باختصاص اللجنة المعنية في إجراء التحقيقات بحجة التدخل في الشؤون الداخلية او مدعومة من جهات خارج الامم المتحدة، فتمنع الفريق المكلف في إجراء التحقيقات إلا فيما يتعلق بالدول الأطراف التي اعترفت باختصاص اللجنة المعنية في هذا الصدد. ويجوز للدول الأطراف أن تختار عدم الاعتراف بهذا الاختصاص، عند التوقيع أو التصديق أو الانضمام، وذلك بإصدار إعلان بأنها لا تعترف باختصاص اللجنة المعنية مما جعل النزاعات الدولية اكثر حدة لتدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية وانعكاسها على الانسان والمنظومة البيئية، فقررت المنظمة الدولية لحقوق الانسان ـ جنيف او نيويورك ـ ارسال فريق متدرب لحالات الطوارئ في الخطوط الامامية في كوسوفو وسوريا وليبيا وغيرها في مناطق ساخنة في جميع انحاء العالم لتوثيق انتهاكات حقوق الانسان وضحايا الحروب وفضح و اثارة انتباه العالم من عيوب الانظمة الدكتاتورية و الجماعات المسلحة الارهابية. المخرجة كاتي شيفيكني صاحبة الفيلم الوثائقي: يوم الانتخابات، والموعد النهائي والمخرج روس كوفمان حاصل على اوسكار، في فيلمه التسجيلي: ولد في بيوت الدعارة يجتمعان معاً لتقديم الشريط السينمائي التسجيلي الذي يحمل E-Team أو فريق الطوارئ، حيث تدور أحداثه عن أربعة محققين يعملون بالسرية والصمت لجمع الأدلة ما إذا كان هناك ما يبرر لإجراء مزيد من التحقيق للطعن على الفور بصنّاع القرار المسؤولة ومحاسبتهم علناً: آنا نيستات، اولي سولفانغ، وبيتر بوكارت، فريد ابراهامز، كل واحد منهم يحمل قصة مختلفة في انحاء العالم رغم من تقاسم روح الخوف و الالتزام العميق لفضح انتهاكات الإنسان، فـ "آنا نيستات" صحفية موسكوفية، مدخنة، قلقة، تتحدث أربع لغات بطلاقة، تجري تحقيقات في موسكو حول أزمة حرب جورجييا ٢٠٠٨ من جرائم وثم خراب سوريا عبر صفقات الأسلحة للنظام السوري وهي تعمل بسرية تامة، ومن خلال سرد أحداث الفيلم نكتشف الصحفية آنا تتابع المحقق أولي سولفانغ أثناء اعتقاله في موسكو وقالت إنها وقعت في حب وتزوجت من زميلها اولي سولفانغ الذي حجز في سجون موسكو بتهمة مؤامرة أمريكية.
وقد يلجأ المخرجان شيفيكني، كوفمان في لحظات التوتر الدرامي العنيف بدون موسيقى عندما يجري التحكم في سرعة الحركة أثناء التصوير والتركيز على وجه أحد ضحايا القصف الذي فقد عائلته بعد لحظات قليلة، وأيضا هناك حاجة لصوت قنبلة طائرة تقترب وتمرق فوق الرؤوس ثم تنفجر، بمزج صوت الموسيقى مع صوت القصف والرصاص مزجاً هادئاً كأنه يتداخل بعويل أهالي الضحايا في إيقاع منتظم تدريجياً مع موسيقى تصويرية محلية حزينة وكان هذا الصوت بأكمله حقيقياً وصادقاً تماماً.
بعض الأحيان، يمكننا أن نفهم انتقال تصوير الفيلم التسجيلي إلى حياة المحققين كاستعانة لشخصيات طبيعية عادية حسب طبيعة اعمالهم والظروف المحيطة بهم لكشف الطابع المتميز في تكوين وبلورة كل شخصية منبثقة من صميم الحياة الواقعية الحقيقية في المدن الحديثة او تنقلهم من قرية أو بلدة تحت القنابل والرصاص الطائش و تسلل الحدود، فنتابع انتقال الصحفية "آنا" من موسكو الى باريس مع زوجها "اولي سولفانغ" كنوع من توازن شخصيتها الهادئة مع زوجها ايام اعتقاله في موسكو وانعكاس حالتهما النفسية عندما يتحدثان مع القرويين السوريين عن دخول قوات مسلحة مجهولة و تمارس القتل الجماعي، او في مشهد بعيد عن تعداد التحقيقات واخذ العينات والبصمات ، حيث تكشف "آنا" في إحدى جلساتهم الليلية وعلى ضوء الفانوس بأنها حامل او احتفال بعيد زواجهم العاشر امام اصدقائهم السوريين قرب قرية صغيرة تدعى عزاز ـ حلب ـ التي اسقط النظام السوري قنابل عنقودية! وهي محرمة دولياً.. اما المحقق بيتر بوكارت "سويسرا"، و فريد ابراهامز يعملان في ليبيا اجراء مقابلات مع الناجين من هجمات القذافي على المتظاهرين وغيرهم من المدنيين في عام ٢٠١١، كما يتم تصوير جثث متفحمة من كتلة ميتة، لكن هذا ما يعني كل شيء جاهز فقد واجهت بيتر ركلة قوية من بعض عناصر متعاطفة مع القذافي بعد الكشف عن الاسلحة في الصحراء… وعند انتقال بيتر الي بيته في الريف، نشاهده يهتم بالمزرعة وتدريس ابنه الذي يسأله لماذا القذافي سيئ ، يجيب بيتر لانه يسرق دمى الاطفال!… اما فريد ابراهامز ايضا مستشار في منظمة حقوق الانسان يشير الى تجربته في كوسوفو في اواخر التسعينيات، وجلوسه وجها لوجه مع المتهم الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش في محاكمة جرائم الحرب اليوغسلافية لتعرية جرائمه أمام القضاة.. هذه المفارقات أو الأحداث الحقيقية تجعل المشاهد يتعاطف مع محنة هذا الفريق كجرأته وسط الفوضى والذي يركز على عرض العناصر الأكثر أهمية حول جرائم الانظمة المستبدة من شأنها أن تلهم الاعلام في العالم والحكومات على اتخاذ الإجراءات اللازمة في تقصي الحقائق اذ ان له تأثيراً عميقاً في الإيحاء بواقعية العرض وبطريقة غير عادية عندما تصل إلى عملية التركيب "المونتاج" أي بطريقة مبتكرة تبعث الحياة والحيوية في الموضوع، كمشهد الاخير الذي يعالج في صيغة درامية ابداعية وهو ما يميز المنهج التوثيقي الشاعري، عندما تحمل "آنا" مولودها الجديد من سولفانغ في شقتهما الباريسية، امام ابنه البالغ من العمر ١٢ سنه من زوجته الاولى وهو بدوره يحمل المولود الجديد.. والجميع يغمرهم الفرح والغبطة والتأمل.