رضوى عاشور.. رحلة الرهانات على الأمل / محمد عبد الرحيم

رحلت صباح الاثنين الماضي، الكاتبة المصرية الكبيرة رضوى عاشور، عن عمر يناهز 68 عاماً، بعد مشوار حافل، أكاديمياً وسياسياً، فكان التنظير والتطبيق لأفكار طالما آمنت بها هو سبيلها الوحيد. وقد دفعت ثمن ما قامت به في مواجهة السلطة الحاكمة، التي رأت في أفكارها الكثير من التجاوز، لكنها استمرت ودافعت عنها بكل طاقتها الأدبية والأهم على أرض الواقع. كان البحث الدائم لها هو محاولة بث الأمل في ماض انقضى، وربما ثلاثية غرناطة خير مثال على مجد عربي ــ ربما نختلف حوله ــ وقد نرى في بعض أعمالها نبرة خطابية عالية، إلا ان الصدق كان يشفع للحلم مقارنة بالواقع. وهنا شهادة بعض الأدباء المصريين عن الراحلة…
الفكر والإبداع معاً
يقول الشاعر أمجد ريان: سيظل عقل رضوى عاشور يعيش بيننا، يثري حياتنا، فقد كانت رمزاً ثقافياً، كل مواقفها كانت مشرفة، وكانت مرتبطة بوطنها المصري، وبكل قضية إنسانية خارج وطنها، ويتضح هذا جلياً في كتاباتها النقدية المختلفة، وفي ارتباطها بالشاعر الفلسطيني المناضل مريد البرغوثي، وفي تنظيرها للرواية في فلسطين، وفي غرب أفريقيا.
على المستوى الشخصي دعمتني رضوى عاشور في توقيت كنت فيه في أشد الحاجة للدعم، حين جئت إلى القاهرة قادماً من قنا، فقد شجعتني، وقرأت نصوصي بدقة وباهتمام بالغ.. وقدمت لي نصائح غالية أثرت على كتابتي حتى اليوم. وعلى مستوى الإبداع كانت كتابتها مجددة بدون أن يُخِل ذلك بمواقفها الفكرية.. بل دعم تجديدها تلك المواقف.
أما في "ثلاثية غرناطة" التي تكفيها عطاء أدبياً، فقد قدمت رواية تاريخية على نمط الروايات التاريخية الكبيرة في العالم كله، والروايات التاريخية العربية التي بدأت من كتابات جورجي زيدان، مروراً بعلي أحمد باكثير، ثم ما كتبه نجيب محفوظ بعد ذلك. لقد تابعت رضوى سقوط مملكة غرناطة، وضياع الأندلس، وإعلان المعاهدة التي تنازل بمقتضاها أبو عبد الله محمد الصغير، آخر ملوك غرناطة عن المملكة مهزوماً أمام جيوش ملكي قشتالة وأراجون، ولا تخفي بالطبع المعاني الإسقاطية التي تعبر عن أزماتنا العربية في العصور الحديثة. رضوى عاشور نموذج للمثقفة العربية ينبغي أن يحتذى من قبل كل كاتب وكاتبة.
قيمة التحرر الوطني والإنساني
ويذكر الكاتب والروائي براء الخطيب أن رضوى عاشور الكاتبة لها عدة وجوه، وكل هذه الوجوه تعكس قيمة حقيقية في الثقافة والأدب، تؤكد على قيمة التحرر الفكري والثقافي، كتبت رضوى القصة القصيرة، فكانت المجموعة القصصية البديعة "رأيت النخل"، والرواية ولها ما يزيد عن عشر روايات منذ روايتها "حجر دافـــئ" وحتى روايتها "الطنطورية" ولن أستــطــيع أن أحدثك عن القيمة النقدية لـــهـــذه الكـــتابات المبدعة، غير أني أستـــطيع القول إنها كلها كانت تؤكد على قيمة التحرر الوطني والإنساني. أما عن رضوى عاشور الأكاديمية والأستاذة الجامعية فتظهر هذه القيمة في تلاميذها وتلميذاتها الذين يملأون الحياة الثقافية، أما عن رضوى عاشور الناقدة الكبيرة، فمنذ أن كتبت "بحث عن نظرية للأدب: دراسة للكتابات النقدية الأفرو/ أمريكية" فقد ظهرت إلى الوجود الثقافي تقريبا سنة 1975 ناقدة تشق الطريق باتجاه طريق حقيقي للنقد الأدبي، وكانت هذه الدراسة على ما أذكر هي رسالتها للدكتوراه من جامعة كبرى في أمريكا، وبالنسبة لي شخصيا أعتز اعتزازا كبيرا بكتابتها عن روايتي الأولى "إنهم يأتون من الخلف" التي صدرت لي سنة 78 عن دار ابن رشد في بيروت، كنت أعيش أيامها في بيروت، حيث كنت ملتحقا بمنظمة التحرير الفلسطينية في الإعلام الموحد، في هذه الأيام كتبت عن روايتي أيضا صديقتها الناقدة الكبيرة فريدة النقاش، ونشرت الدراسات في عدد خاص عن الرواية أصدرته مجلة «الآداب» البيروتية بإشراف الدكتور سهيل إدريس. الكلام عن رضوى عاشور الروائية والناقدة يحتاج إلى مجلدات، أما عن رضوى عاشور المفكرة المناضلة من أجل التحرر الفكري والثقافي والإنساني، فدعني أقول لك ما قاله عنها محمد هاشم الناشر: رضوى عاشور هو الاسم الأول على اليمين دائماً في أي موقف معلن من المثقفين المصريين يدافع عن حرية الفكر والاعتقاد والرأي والتعبير الأدبي والعلمي، كان العم والأستاذ إبراهيم منصور حين يكتب ويصل لصياغة نهائية لبيان ما، يصر بعد كل الصياغات أن يقرأه أحد الموجودين، تليفونيا على الدكتورة رضوى. أثناء إضراب المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي الذي قاده مع أساتذة وأصدقاء وأبناء وزملاء، وفي الكثير من محطات اشتغاله كضمير للثقافة المـــصـــرية، عزاؤنا لشاعرنا الكبير مريد البرغوثي، وللشاعر تميم البرغوثي، ولكل أحبابها من زميلات وزملاء وتلاميذ وقراء رضوى عاشور.. وداعا.
تجربة حتمية للأجيال الجديدة
ويرى الكاتب والروائي ناصر عراق، أنه برحيل الروائية والناقدة رضوى عاشور، تفقد الحركة الإبداعية والنقدية العربية إحدى زهراتها اليانعات. رضوى عاشور كانت وردة في بستان النساء المبدعات المصريات والعربيات، في كافة المجالات، كلطيفة الزيات وإنجي أفلاطون. ويتبدى ذلك في "ثلاثية غرناطة"، التي فتحت أعيننا ووعينا على دنيا جديدة لنا كمصريين وعرب. من ناحية أخرى فهي درست ودرّست الأدب والنقد، وبالتالي جاءت روايتها مُحكمة البناء، وتتسم بخيال واسع وجرأة شديدة على الطرح، إضافة إلى قدرتها على السيطرة على اللغة العربية، واكتشاف طاقتها القصوى. ولي معها موقف خاص لن أنساه، حينما كانت عضواً لجنة تحكيم جائزة أحمد بهاء الدين في دورتها الأولى عام 2000، والتي حصلت فيها على المركز الأول عن كتاب "تاريخ الرسم الصحافي في مصر"، وتشرفت بأن قامت رضوى عاشور بإلقاء تقرير اللجنة، في حضور محمد حسنين هيكل. لن أقول إنها رحلت، لكن أعمالها دوماً ستظل محفزة للمبدعات المصريات والعربيات، خاصة الأجيال الجديدة، بعدما اكتملت تجربة الكاتبة الكبيرة، التي كانت تكتب بجناحي العدل والحرية، فليرحمها الله.