«المخبر السري».. إدانة الأسرار التي لا تسر أحدا / حسب الله يحيى

بحذر شديد، وهاجس أقرب إلى السلبية منه إلى القراءة البريئة التي تبحث عن أبعاد أُخر داخل أي نص، قرأت رواية الزميل الأستاذ سالم بخشي.
الحذر يكمن في انتقاء ما تنبغي قراءته، والهاجس السلبي كان بقدر تعلقه بماضٍ كتابي، كنت أعده بداية متواضعة..
لكن ما حدث جانب الحذر والهاجس معاً.. بعد قراءة متأنية كانت تبحث عن لؤلؤ الإبداع في رواية سالم بخشي "المخبر السري" وإذا باللآلئ السرية تكشف عن نفسها دون مخبر!
الروائي هنا حقق: التسلسل المتنامي المنظم من جهة، وسَرَدَ الأحداث بعافية التشويق التي تجعل القارئ يظل مشدوداً وهو يواصل القراءة لما بعد..
وهذه الما بعد، شأن كل إبداع لا نريد له أن ينتهي بسبب هذا التلاحم العميق في ذوات الشخصيات والعوالم المتفاعلة معها. ولست في موقع التلخيص لعمل روائي مثمر، فأنا أعد التلخيص لفن مبتكر، خيانة للنص وإساءة مقصودة إليه.
من هنا وجدت هذا العمل الروائي ينتمي إلى نفسه قبل انتمائه لبصمات سواه.. وهذا ضوء التوفيق فيه.
نعم.. قد أختلف مع سالم بخشي في نظرته إلى الأحداث والشخصيات، انطلاقاً من فهمي الخاص الذي يتقاطع مع سواه من دون أن يسعى إلى إلغائه.. فللمؤلف هواه وفهمه وموقفه ومن ثم معالجة الأمور على وفق ما يشاء.
إن الطريقة الميلودرامية التي اعتمدها سالم بخشي.. تمثل تأثراً كبيراً وانتحالاً ذكياً للمسرح الشكسبيري العريق. وقد لجأ لمسرحة الأحداث خاصة في الفصول الأخيرة لزيادة التشويق والشحن العاطفي والإنساني لأبطال روايته.
لكن النظر في عيون الآخر، ولسان الآخر، ومنظور الآخر.. لا يحقق للكاتب طموحه المرتجى، فيما سالم بخشي كان يحرص على أن يجد ضالته في هذه الميلودرامية التي تتطلبها عوالم روايته.. فالروائي هنا، يريد إدانة "مهنة" السري، ومن هنا جرّده من أخلاقيته، وجعله مجرماً يستحق النهاية التدميرية التي لحقت به..
المؤلف لم يكن يريد الخروج من مسرح الواقع بوصفه واقعاً معاشاً وليس متخيلاً يرسمه المؤلف.. لذلك نقل مشهدا للاحتلال في مطلع الرواية ثم تخلى عنه.. في وقت يمكن ان نعد كل ما جرى، نتيجة لذاك الاحتلال الذي لم تنته مهمته في البلاد بعد.. مثلما لم ينته وجود أفقين سياسيين مضادين لبعضهما البعض، لا يجتمعان إلا في رؤيتهما القادمة على التغيير.
نعم.. سالم بخشي أمتلك مسوغاته الموفقة، وإن تقاطعت مع سواه، مثلما أمتلك القدرة على تجاوز ما كان له من كتابات قصصية إلى عالم روائي حرص أن يكون نقلة في المسار الصحيح.. وهذا هو شأن كل من يريد أن يتقدم متخطياً ما سبق.
ومن هنا يمكن أن نعد الروائي سالم بخشي وهو يحث الخطى محو كتابة تريد ان يكون منطوقها التجاوز.. ذلك أن كل تجاوز بشارة، وكل بشارة تؤسس لمعطى جدير بالاحترام والاحتفاء به.. وهو ما يدفع برواية "المخبر السري" إلى الأمام بوصفها عملا يبوح بقدر كبير من النجاح.. وان كنا نبحث عن سيكولوجية تبحث في أعماق كل شخصية من شخصيات الرواية.. وسيظل دأب وتواصل عطاء سالم بخشي جدير باستحقاق الاحترام لما يحمله من آفاق جديرة بالبهاء.