رواية «ريام وكفى» مدونة المرأة المتوحدة / فاضل ثامر

تقودنا الروائية العراقية هدية حسين في روايتها "ريام وكفى" الصادرة في بيروت عام 2014 إلى عالم شديد الخصوصية يرتبط بمجموعة من الشخصيات النسائية التي تهيمن على الفضاء الروائي وعلى الفعل الروائي، وقبل هذا وذاك على المزاج الأنثوي الذي يصبغ أجواء الرواية: وفي هذا الفضاء النسوي تبرز بشكل خاص البطلة والساردة في الرواية التي تحمل اسمين معا هما "ريام" الذي أطلقته عليها أمها و"كفى" الذي أطلقه عليها والدها لتكون خاتمة لانجاب الإناث في الأسرة.
وتشغل شخصية الأم ساهرة الخياطة الماهرة التي كانت تكافح ليل نهار وهي تعمل على ماكنتها الخاصة لكي تضمن حياة كريمة لبناتها الثلاث هند وصابرين وريام، دورا مهما في الرواية وتترك بصمتها الخاصة على حياة الآسرة ونمط حياتها وسلوك بناتها وخاصة بعد زواج الاب من زوجة ثانية هي علياء. كما كانت شخصية الجدة أنموذجا للمرآة المتسلطة التي تقسو على حفيداتها وتحنق على كنتها لأنها لم تنجب لولدها ذكرا. وفضلا عن ذلك هناك شخصيات نسوية ثانوية ربما أهمها شخصية الخياطة فاطمة التي عبرت في حواراتها مع البطلة عن رغبتها في أن تكون حياتها جزءا من المدونة التي بدأت البطلة بكتابتها.
وبهذا تشغل الشخصيات النسوية "أمامية" أو مقدمة اللوحة الروائية foreground بينما تظل الشخصيات الرجولية في خلفية اللوحة background. فالرجال سرعان ما يذوبون أو يختفون لأسباب مختلفة . فالأب سرعان ما يموت ويتبعه عمها الذي مات بطريقة بائسة، كما يرحل فجأة مختار الذيب التاجر الذي وقف بشهامة مع الأسرة وسجن ابنه بالتبني "نجم الذيب" الذي أحبته البطلة، لأنه قتل أمه التي هربت مع عشيقها ، كما اضطر حبيب صباها "ريحان" إلى العودة إلى الاهوار حيث يتهم بالانتماء إلى أحد الأحزاب السرية المحظورة ويعدم من قبل الأجهزة الأمنية القمعية كما أن جارها المثقف الغامض هشام الذي يعيش وحده يختفي فجأة وتكتشف بأسى أن الشرطة كانت تطارده لأنه مطلوب لأسباب سياسية. وحتى فياض صاحب المكتبة الذي كانت تأنس بزيارتها لمكتبته اختفى بعد إن باع مكتبته التي تحولت إلى محل تجاري، ولذا كان من حق ريام ان تتساءل بلوعة عن السر الذي يكمن وراء اختفاء أو غياب جميع الرجال الذين يمرون بحياتها:"لماذا يغيب الرجال عن حياتي بشكل دراماتيكي؟ من يلعب معي تلك اللعبة الخبيثة؟ أم أن سوء الطالع يلاحقني".
ومن هنا تتحول الرواية بكاملها إلى مدونة سردية لتشريح معاناة بطلاتها اللائي يعبرن بشكل أو بآخر عن معاناة المرأة العراقية في مجتمع ذكوري صارم ومتخلف. ويذكرنا هذا العالم إلى حد كبير بعوالم النساء المتوحدات في الراوية العربية الحديثة وفي الرواية العراقية تذكرنا بنساء القاصة والروائية لطفية الدليمي فضلا عن عوالم الروائيات العراقيات ميسلون هادي وديزي الاميروسميرة المانع و,وعالية ممدوح ,وإرادة الجبوري, والهام عبد الكريم وسافرة جميل حافظ و غيرهن.
وعالميا يحيلنا هذا المناخ الروائي إلى مسرحيات لوركا وبشكل خاص الى مسرحية"برنا ردا ألبا" والى شخصية "نورا" بطلة مسرحية "بيت الدمية" لهنريك ابسن والى شخصية "أيما بوفاري" لفلوبير والى رواية "أنا كانينا" لتولستوي.
في مثل هذا العالم تتحول الرواية الى مرثاة حزينة لعالم المرأة العراقية التي تذوي وحيدة دون أن تجد الحب الحقيقي، وهو امر يدفعها تدريجيا الى خيارات مؤلمة مثل انتحار الأخت الوسطى الجميلة "صابرين" والموت المفاجئ للأم "سمر".
في مثل هذا المناخ تجد البطلة نفسها أمام خيارات صعبة، ولذا راحت تراجع نفسها لاتخاذ قرار حاسم ينقذها من مصير غامض ينتظرها. ومن هنا تفلح الروائية في إماطة اللثام عن طبيعة شخصية بطلتها المركزية ومكوناتها وعوامل النكوص والتمرد فيها. وقد عمدت الى تحقيق ذلك من خلال اعتماد الرواية بشكل يكاد أن يكون مطلقاً على وجهة نظر البطلة التي كانت تقدم منظورها الشخصي عبر توظيف ضمير المتكلم "أنا" الاتوبيوغرافي, وقلما كانت الرواية تمنح الفرصة لبقية الشخصيات للتعبير الحر عن وجهة نظرها ، ولكن هذا لا ينزع عن الرواية نزعتها البوليفونية "متعددة الأصوات" ولا يحصرها في اطار النزعة "المونولوجية" ذات الصوت الواحد بمصطلحات الناقد ميخائيل باختين. فالراوية تحفل بالأصوات الغيرية الحية التي جعلت منها سجلا لفترة دقيقة من حياة المرأة العراقية في ظروف القهر السياسي الدكتاتوري خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي.
وتعمد الروائية لتوظيف تقنيات وعناصر سردية متنوعة لاستغوار العالم الداخلي منها توظيف المونولوج الداخلي وفعل الاسترجاع والأهم من كل ذلك تحول الرواية إلى أفق المبنى الميتاسردي المتمثل برغبة البطلة كتابة رواية عن حياتها ومعاناتها، وسنكشف لاحقا ان الرواية الحالية "ريام وكفى" كانت هي المدونة التي انهمكت البطلة بتدوين صفحاتها.
تتضح شخصية البطلة منذ استهلال الرواية عندما نجد البطلة تتطلع بشغف الى عالم النجوم المضيئة بتوهج استثنائي وهي تبحث بينها عن نجمها الخاص:
"احتشدت السماء بنجوم لم أر مثل عددها وتوهجها من قبل.. وفي كل ليلة أتساءل: أين نجمي"؟ لكن البطلة تشعر بمرارة لأنها لم تعثر على نجمها وتنتقل من الو صف الخارجي للنجوم التي تمثل بالنسبة لها معادلا موضوعيا لشخصيتها الحالمة الخيالية إلى سلسلة من التساؤلات الوجودية الملتاعة عن مصيرها حيث تكتشف أنها تغذ السير إلى الصحراء الموحشة من العمر:" يمر بي الزمن ويعبرني تاركا لي فسحة صغيرة في كونه الشاسع الملغز". ولكي توقف اقتراب زمنها من لحظة اللاعودة قررت أن تكتب سيرتها الروائية:" ولأن نجمي قد نأى واختفى... ولأن جمرة الحب ذوت وشياطين في مخابئها انزوت، ولذا سأقول كل ما لدي على هذه الأوراق قبل أن يدركني الوقت وانزوي".
كان قرار البطلة حاسما وحدد مسار حياتها وتجربتها حيث تتحول الكتابة الروائية الى ملاذ لمقاومة الزوال، لكنها لم تكتف بالكتابة فقط بل كان قرارها الأكبر في النهاية اكثر حسما عندما قررت ان تترك بيت الاسرة لتبحث عن حريتها ومستقبلها مصطحبة معها حقيبة صغيرة وضعتها في صندوق سيارتها وغادرت المنزل الى مصير مجهول، لكنها كانت تشعر بان قرارها هذا يمثل لها ولادة جديدة:
"ها أنا أضع قدمي على الطريق بداية بعيدا عن بيت العائلة و أشباح الموتى، وأحس كما لو إنني أتجدد مثل شجرة في أول الربيع".
وهكذا نجد ان شخصية البطلة الحالمة التي تبحث عن المستحيل والمختلف تجد نفسها امام حقائق الحياة القاسية، ولذا تحاول ان تنتقد تدريجيا, وربما يمثل قرارها بتغييراسمها رسميا في الوثائق الرسمية من "كفى" الى "ريام" تمردا على سلطة الاب الذكورية والأسرية، كما انها راحت تدرك كما قالت لها أمها في أحد أحلام اليقظة أن نجمها ليس في السماء بل بين يديها في الأرض:
"لا تبحثي عن الشيء، ودعي الشيء هو الذي يبحث عنك ويجدك، وإذا كان لابد من البحث فلا تتعبي عينيك بالتحديق الى السماء وإنما إلى الأرض".
وهكذا راحت تنضج شخصية البطلة التي كانت في البداية خيالية وحالمة واتخذت قرارها الحاسم والعملي بمغادرة بيت الأسرة لتذكرنا بشخصية "نورا" بطلة الكاتب المسرحي النرويجي هنريك ابسن في مسرحية" بيت الدمية".
لقد كانت البطلة بحاجة إلى تجربة حياتية مباشرة وغير مباشرة لكي تصل الى درجة النضج واكتشاف الجوهر المتمرد، غير الخانع في شخصيتها.
لقد أدركت أنها كانت قد نضجت عاطفيا وروحيا وجنسيا قبل الأوان، وربما منذ تلك اللحظات التي كانت تختبئ فيها تحت سرير والديها لتستمع بمنظر العملية الجنسية، ولتخبر زميلاتها في الصف الخامس الابتدائي بما كانت تراه ليلا. كما كانت تدرك بأنها تعيش فراغا عاطفيا لا حدود له يذكرنا بالفراغ العاطفي لأنا كارنينا وايما بوفاري، خاصة وان كل تجاربها في الحب كانت تؤول إلى الفشل والغياب:"لا الخياطة ولا الكتابة تملؤه فما افعل لإملأ فراغ روحي".
حركة السرد في الراوية بدأت فعليا عند منتصف المسار الخطي الكرونولوجي للإحداث عندما كان عمرها في الرابعة والثلاثين وكانت تعيش في بيتها القديم برفقة الخياطة الشابة فاطمة. في هذه النقطة كانت البطلة قد قررت كتابة سيرة حياتها، وطلبت من فاطمة أن يؤجلا أعمال الخياطة لمدة أسبوعين لكتابة الرواية عن حياتها امام دهشة الخياطة الساذجة التي تمنت ان تكتب رواية عن حياتها أيضا. وما ان تتخذ هذا القرار في الفصل الأول، الذي يخلو من الترقيم والعنونة أسوة ببقية الفصول حتى نشعر ان الفصل الثاني كان هو استهلال روايتها، اذ بدأت تتحدث عن نفسها بعد أن أوقفت الفعل الروائي ذاته لتقدم لنا معلومات ببليوغرافية مهمة:" أنا"كفى ياسين الفضلي" كما قرر أبي ان يسميني في شهادة الميلاد لتكف أمي عن إنجاب المزيد من البنات، بينما يحلو لامي ان تناديني باسم ريام".
وخلال هذه الفترة تسرد لنا البطلة تاريخ حياتها وحياة أسرتها وتستغرق بذلك حوالي ثلثي الرواية إلى ان تعاود الأحداث الفعلية مسارها الخطي الاعتيادي. وكانت الروائية تدرك إنها إنما كانت تقفز على بعض الأحداث أو تشير إلى أحداث ستقع في المستقبل مما دفعها إلى اعتماد تقنية التنبؤ أو الاستباق السردي أي الإشارة السريعة إلى حدث سيقع في المستقبل. إلا ان الروائية قد أسرفت في ذلك، وان كان ذلك يبدو مقبولا من وجهة نظر المنحى الميتا سردي في الكتابة الروائية ما بعد الحداثية.
ويمكن أن نورد بعض الأمثلة على بعض هذه الاستباقات السردية:
-"حكاية الأشباح هذه سأتذكرها في الأيام الأولى عند عودتي للبيت القديم.
-"سيعود أبي في صفحات لاحقة كلما اقتضت الضرورة".
-"وستعود جدتي مسعودة إلى أوراقي كلما اقتضت الضرورة"
-"كانت أخته نجية تقوم بحراسة الطريق كما سيرد في هذه الأوراق لاحقا.
-"ثمة أحداث كثيرة سأعود إليها لاحقا بشان محمود".
- "هذا ما سيرد في صفحات أخر".
وكان بالإمكان تأجيل بعض هذه الاستباقات السردية لأنها تؤثر على البناء الروائي وعلى حيوية الأحداث، منها مثلا الإشارة المبكرة إلى وفاة الام "الآن حيث رحلت أمي"، بينما كانت الأم انذاك في اوج نشاطها وحضورها. وكان بالامكان تاجيلها حتى "ص 112" أي بعد أكثر من نصف الروائية:
"ها قد نامت امي نومتها الابدية". أو تأجيلها حتى عند ما اكتشفت" ذات صباح لم تنهض امي". كما كانت الراوئية تلجأ احيانا في سردها الى ما يسمى بالتلخيص والقفز على مراحل زمنية دونما محاولة تقديمها بصورة درامية نامية كما نجد في المثال التالي:
-" ركضت الايام بسرعة كانها عجلات آلة هادرة لا تتوقف..."، كما لم تتوقف الروائية بطريقة منطقية امام المرحلة التي أمضتها البطلة في الجامعة، عندما بدأت تدرس التاريخ ربما بدافع خفي من حكايات وروايات حبيب صباها "ريحان" التاريخية عندما كانا يذهبان الى مقبرة الانكليز ويقفان عند قبر "المس بيل". واعتقد جازما ان شخصية متفتحة ومتساءلة لا يمكن ان تمر بمرحلة الجامعة دونما اثارات او علاقات، حتى بدت وكانها منطقة منطفئة ومحذوفة كليا، وكأن المؤلفة لم تكن في نيتها أن تخصص صفحات للحياة الجامعية لبطلتها "ريم".
اذ لا يمكن لشخصية "ريم" أن تقول:
"الجامعة ابعد بكثير ، وتلبستني في تلك الفترة فكرة ترك الدراسة".
ومع ان رواية "ريام وكفى" ليست رواية سياسية بالمعنى المباشر، الا انها لم تتجاهل الكثير من الوقائع والحقائق السياسية التي تمثل ادانة صريحة وشديدة لممارسات نظام القمع الدكتاتوري السابق في عدد من الامثلة التي بدت ثانوية وعابرة لكنها توحي بالكثير من الدلالات السياسية.
فهناك مشهد مهم تلتقي فيه البطلة ريام بنجية شقيقة حبيب صباها ريحان الذي رحل الى الاهوار بعد ان تعرض الى الضرب من قبل خالها لعلاقته البريئة بها وتعلم منها ان ريحان قد اعدم:" واخبرتني ان ريحان اعدم بتهمة الانتماء الى حزب محظور".
بل هناك اشارة أكثر ادانة اخبرتها بان ريحان لا قبر له "اخذوا حتى الجثث لكي لا يصبح لقبورها مزار".
كما تكشف الخياطة الشابة فاطمة عن مأساتها اذ ترملت بعد شهر واحد من زواجها ففي احدى المعارك الشرسة من معارك الحرب فقد زوجها و كان ذلك في منتصف الحرب العراقية". وهذه إشارة مهمة لأنها تشير لأول مرة إلى تاريخ الإحداث الروائية خلال ثمانينات القرن الماضي وبالتزامن مع الحرب العراقية الإيرانية. ونجد الإدانة واضحة لمثل تلك الحروب التي كان يخوضها النظام ويدفع ثمنها أبناء الشعب العراقي. ونتذكر لعنة فاطمة الحادة وهي تقول:
-" إلا تباً للحروب ومشعليها الذين يظنون ان الخسائر يتكبدها الجنود فقط".
ومثلما كانت سياسة النظام الدكتاتوري البوليسية سببا في فقدان البطلة حبيب صباها "ريحان" الذي أعدمه النظام لانتمائه إلى حزب محظور فأنها تخسر هشام، جارها المثقف الذي كان تأمل أن يكون حبيبها الحقيقي، لكن رجال الامن يقومون بصحبة مختار المحلة بمداهمة البيت بحثا عنه وتعلم لاحقا ان الشرطة تبحث عنه لانه مطلوب لاسباب سياسية:" جاركم مطلوب للجهات الأمنية، وهو هارب منذ أكثر من شهر فجاءوا لتفتيش بيته". أصرخ بوجه العالم، بوجه رجال الشرطة والمختار".
- والراوية تحفل بإشارات مؤلمة لتدني الحالة الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع في ظل الحرب وتداعياتها حيث الاشارة الصريحة إلى ان "نمط الحياة قد تغير فلم تعد المرأة تهتم باناقتها ن والقدرة الشرائية انخفضت الى مستويات كبيرة... حيث راحت الغيوم تتكاثف والأغاني الوطنية تصدح واللون الخاكي يزيح الألوان الأخرى والحياة تتعسكر".
وهكذا نجد ان الرواية هذه قد قدمت بصورة غير مباشرة، وربما بطريقة عفوية إشكال الدمار التي ألحقتها الحروب المجنونة والمجانية التي كان يشنها النظام آنذاك، على حياة الناس وامنهم وقيمهم.
وتحسب للروائية قدرتها الفائقة في بناء الشخصيات والوصف، وتفجير المشاهد السكونية بفعل درامي مغير.
وأود أن أشير بشكل خاص الى مقدرتها المذهلة في وصف الخطوات العملية المقترنة بالخياطة والتطريز بدقة لا تتأتى ألا لامرأة خبرت فنون الخياطة وهمومها.
كما أن عناية الروائية برسم الشخصيات وبشكل خاص بتجسيد شخصية بطلتها وساردتها الرئيسة "ريام" جعلت الرواية تتحول إلى "رواية شخصية" بمعنى ان الشخصية الروائية هي التي تحتل الموقع الابرز في الفضاء الروائي، وهي التي تؤثر في الاحداث وتؤطرها.
اذ وفقت الروائية في تقديم انموذج للشخصية النامية round character التي مرت بمراحل نمو واغتناء وتطور دون ان تظل ساكنة او مستقرة وهو أمر يمنح الشخصية وضعا اعتباريا متقدما على الفعل الروائي ذاته.
وأخيرا لابد وأن اشير الى أن الروائية قد وفقت في تقديم انموذج جاد للنص الروائي المفتوح، من خلال انتهاء الرواية برحيل البطلة عن بيت الاسرة لكي تنقذ روحها وتكتشف فضاء الحرية. وهذه النهاية المفتوحة تمنح الفرصة لقارئها لمزيد من التاؤيلات المفتوحة، وربما هي قريبة بهذا المعنى من رواية أحمد خلف الجديدة "تسارع الخطى" الصادرة عام 2014 التي انتهت نهاية مفتوحة أيضا.
ومعروف أيضا أن النص المفتوح يلتقي مع تمييز الناقد الفرنسي رولان بارت بين النص القرائي والنص الكتابي.
فالنص القرائي لا يحتمل التأويل لأن نتائجه معلومة وصراعاته محسومة, أما النص الكتابي فهو نص مفتوح وقابل لقراءات وتاويلات لا نهائية .
ومما لا شك فيه أن القارئ يدرك أيضا أن نصا مفتوحا كنص "ريام وكفى" يلتقي مع الجوهر الملحمي لمسرح برتولد بريخت حيث يشارك المشاهد بصورة فعلية في انتاج المعنى والدلالة، بعد ان تخلى عن فكرة التماهي مع العرض المسرحي، ويصبح فاعلا ومفكرا ومؤولا وربما مساهما في صياغة العرض المسرحي وتواصله خارج قاعة العرض .
رواية هدية حسين "ريام وكفى" مدونة سردية موجعة لأحلام المرأة وتطلعاتها بقدر ما هي شهادة لاحباطاتها وانكسارها، لكنها تؤشر في النهاية موقفا تمردياً وثورياً يتحدى الأعراف الاجتماعية الساكنة في المجتمع.