حول "صندوق الأبنوس"* / جاسم الحلوائي

في البدايةً، بودي أن أهنئ الكاتب عبد الإله سباهي على صدور مجموعته القصصية "صندوق الأبنوس" بعد صدور مجموعته الأولى "أولاد المهرجان" في عام 2010، وقصة "اللطلاطة" في عام 2011.
لديّ انطباعات وملاحظات عامة عن المؤلفات الثلاثة وخاصة الأخير منها.
تتسم قصص الكتب الثلاثة بالواقعية والسلاسة والأصالة المملحة بالسخرية والحِكم والمقولات الشعبية. وتتسم كذلك بتنوع مواضيعها ورسائلها الهادفة، التي من شأنها أن تغني القارئ معرفة وتنويراً، خاصة عندما يتناول سباهي مواضيع غير مطروقة مثل السحر والأحجار الكريمة وغيرها. أما عندما يتناول مواضيع مطروقة، فإنه يضيف إليها ويغنيها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عند إشارته إلى عادات وتقاليد ومعاناة الصابئة المندائيين، وإلى طبيعة الأهوار وظروفها غير المألوفة، وإلى غيرها من المواضيع.
وقبل هذا وذاك، فإن الكاتب عبد الإله يمتلك ناصية السرد، ولا تعوزه مهارة الحبكة. فلا تثير قراءة قصصه الملل في القارئ وإنما تشده، ويعد هذا الأمر عنصراً حاسماً في نجاح أو فشل الإنتاج القصصي.
مع ذلك، يلاحظ القارئ أحياناً كبوات في السرد، عندما يتحول السرد القصصي إلى ما يشبه التقرير الصحفي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عند التطرق إلى الحرب العراقية الإيرانية في قصة "صندوق الأبنوس"، ص 80، يذكر الكاتب سباهي وبدون مقدمات ما يلي: " اندلعت حرب العراق مع جارتها إيران في 22/9/ 1980 وكانت حرباً بدون أسباب ظاهرة...والخ.
ويلاحظ المرء كذلك أن هناك مبالغة في إيضاح السرد على حساب أسس بناء القصة، التي تتطلب إخفاء الفكرة الرئيسية، إلى حد ما، ودفع القارئ لتخمينها ويساعد ذلك على تشويق القارئ واندماجه بأجواء القصة. أما الهدف النهائي للقصة، فينبغي أن يترك لاستنتاج القارئ، بعد أن تجري تنويهات أو تلميحات فنية، وبدون شرح وتوضيح، يذّكر المرء بالمقالات.
ويبقى التساؤل قائما حول مدى تطابق خصائص القصة القصيرة، التي إحداها التكثيف، على بعض القصص التي سميت بالقصيرة مثل: "جذور واهية" 88 صفحة في كتاب "أولاد المهرجان" أو "صندوق الأبنوس" 80 صفحة. أما "اللطلاطة" فقد ظُلمت عندما سميت قصة فهي مقسمة إلى خمسة أجزاء وفي كتاب واحد تجاوزت صفحاته المئتين، وكان الصحيح تسميتها رواية.
لاحظت أن هناك أخطاء مطبعية في كتاب "صندوق الأبنوس" واستخدام غير سليم لرموز الكتابة مثل القويسين والقوسين والتنوين وغيرها، ويبدو أن الكتاب لم يدقق مثل كتب الكاتب السابقة و التي قد خلت من هذه الأخطاء.
رؤية الكاتب عبد الإله سباهي رؤية تقدمية وعلمية راسخة وبنفس الوقت مرنة، وهي تكمن في أساس نجاح كتاباته. ويبدو أنه يتقصى بدأب المواضيع التي يكتب عنها. ولكن يبدو لي أن خيبات أمله تجد لها إسقاطات غير سليمة أحياناً في كتاباته. مثل سؤاله في قصة "مأمون الألماني" الذي نص على ما يلي: "أيعقل أن يضحي مأمون بشبابه في الكفاح من أجل وطن حر وشعب سعيد فيجد ترابه يداس تحت أقدام جنود (المارينز) والناس تبحث في النفايات عن كسرة خبز؟". هذا السؤال ينطوي على تشكيك بجدوى الكفاح من أجل مستقبل أفضل ما دامت نتائجه المباشرة غير مضمونة، وهذا غير صحيح، لأن مثل هذه الضمانات لم ولن تتوفر. فقد كان الكفاح وسيظل من أجل غد أفضل روح تاريخ البشرية، فالمستوى المعاشي والحضاري في هذا البلد الذي نقيم فيه والبلدان المشابهة له ليس بمعزل عن تلك الروح، بدءاً من ثورات العبيد في روما قبل الميلاد حتى يومنا هذا، وكان قائد إحداها سبارتاكوس، الذي أعدم وزملاؤه من قبل الأسياد بعد فشل ثورتهم، بمثابة المَثل الثوري للمناضل الاشتراكي الكبير والمفكر العبقري كارل ماركس (1818-1883) . وستستمر هذه الروح إلى أمد بعيد رغم كل التضحيات، حتى زوال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وتبعاً لذلك زوال كل مظاهر الوحشية والعنف في المجتمع البشري.
على أية حال، إن أي ضعف أو هفوة في كتاب "صندوق الأبنوس" لا يقلل من قيمته الأدبية والمعرفية. فالكتاب جدير بالقراءة.
----------------------
* ورقة ألقيت في الأمسية الثقافية التي استضاف فيها نادي الكتاب والسينما في الدانمارك الأستاذ عبد الإله سباهي احتفاء بصدور مجموعته القصصية الجديدة "صندوق الأبنوس" وذلك في يوم 9 آب 2015.