ادب وفن

فضاء النص وصراع الواقع / قاسم عباس بلاش

صدرت للقاص عدنان عباس سلطان مجموعته القصصية "كائنات في زجاجة" ضمن منشورات مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 . وقد احتوت على 14 نصا قصصيا غطت 110 صفحات من الحجم المتوسط.تشتمل مكونات العمل القصصي للقاص عدنان عباس سلطان في نصوصه العديدة فضاء يشعر المتلقي بالتئام البنى التصويرية في فضاء النص ـ الزمان/ المكان/ الحوار/ من خلال مفردات تؤثر في فعل النص الذي هو عبارة عن تأويلات ذات مضامين روحية، تستمد قوتها من الموروث الحكائي، وعوالمه المتخيلة، عبر الدخول إلى عالم من الاستعارات ذات الثراء، ليجعل المنتج وجود من اللاوجود، المبني على عناصر اجتماعية عن طريق العلاقة بين الذات واللغة وما يشعر به من إحساس الموت ـ الغياب ـ الحرمان ولوعته، وانكساراته / بدأت فقاعات الفرح تكبر بداخلي باطراد?. فأطلقها بنداءات شبقة، رافعا بوزي باتجاه الفضاء، قالبا شفتي إلى المنخرين، لعلها تسمعني التي في مكان ما، وأنا اغريها بالغنيمة.. حشائش وتراب.. ارض مبقعة كلما عمرت.. جاءها خراب آخر.. وضحكت بتراب جديد!.. ولكن مهلا ألا ترون ما أرى ها إنهم آتون من جديد.. تلك جموعهم يموجون بها مع الأناشيد.. تلك لافتاتهم مربوطة على الآليات .. آليات كثيرة ملطخة بالسخام.. إنهم يندلقون إلى المكان/.
وهذا ما اكسب العمل القصصي بعدا إنسانيا معبرا عن اليومي في حوارات ذات مضامين مقصودة مما يترك إثراء وخلق دراماتيكية تمتزج فيها الحياة مع ما هو مكتوب، كذلك تفسيرا لوجود هذه الأشياء، فالشخوص في العمل القصصي قريبة إلى الواقع، وتتحرك ضمن إطار اجتماعي يساهم في مضامين القصص من خلال استلهام مفردات اليومي، وقدرة القاص على توصيل المضمون، مما جعل المشهد مظهرا لوحدة الشكل، وساهم في اغناء العمل وتحقيق الهدف.
هذه الرؤية للمنتج تشكلت عبر تحليل شخصيات مجموعته القصصية، على أساس طابع الظروف الحياتية والمعيشية، فهي تتوضع عن طريق خلق احتدام وصراع قريب من الواقع، ضمن إطار اجتماعي، يخدم المسار العام لفكرة المؤلف، من خلال محاولته الربط بين الموقف وتطور الحدث، فالمؤلف اهتم في عمله بعلاقته الشخصية الرئيسة بالشخصيات الأخرى، والعلاقة مع بعضها ومدى تجاوبها وانسجامها في نظرة كلية شاملة، وهذه النظرة ايجابية لصالح العمل القصصي حيث يظهر من خلالها البعد الاجتماعي، فهو يرى أن العناصر الفنية من شخصية/ وصراع /وزمان/ ومكان على إنها أ?زاء من بناءه القصصي لذا فهو يقدم لنا ملامح تامة لشخصية وعلل وسلوكيات قائمة على موقف فكري، يعبر عنه ويرد إليه ويجعله ناتجا عبر صلة الأشياء مع بعضها البعض وتوظيفها لإثارة وعي المتلقي /أحس المخاوف وارتعشت يده وهو يتحسس الورقة الملفوفة .
هل ينجح معها وهو مسلح بكبسولة (الفياكارا) ماذا يمنعه من الذهاب إليها فورا وكله مبلل بالأطيان حد اللعنة أيخشى الرذاذ؟. لقد بادل إحدى ساعتي عمه صباح (النيفادا) العاطلتين برواية الشاهدة والزنجي كان في ذلك الوقت مسوغ، فما هو المسوغ الآن؟. وقد ضاع المعنى كما تداعى الجسد
أيهما اسبق إلى الوجود المعنى أم الكيان؟ لقد أمضى الخراب شطرا كبيرا من جسده واحترقت رزمة الجرائد التي احتفظ بها لسنوات.
ذلك باعتماد العمل القصصي على الإثارة والإدهاش المفاجئ باتت الأشياء تحتفظ بقوتها وتبدو فيها تأثيرات القدر المرتسمة بأسبابها تقود الإنسان لمحط هاويته ومستقر عذابه، وتداخلت عناصر القص لتجعل القصص إلى مجموعة من التراكم الحدثي والدلالي الذي يسعى إليه القاص، من خلال تطويره لأحداث قصصه واستغلال الدلالات واستنطاقها عن طريق التنامي الداخلي وتعدد الأغراض، فالقدرة السردية والحكائية في المجموعة هي عبارة عن كشف روحي للوجود وحوار مطلق بين الإشكالية والذات، فاوجد المنتج مجموعة من التوازنات الزمن/ التوصيل / الحركة الداخلي? /التي ساهمت في إطلاق العنان لمتعة الكتابة.
حوارات مبنية على السخرية والتهكم / تعلم من تجاربه كيف يختفي علنا عند الضرورات فقد اختفى عن قريبه مسؤول الأرشيف في الجريدة رغم إنهما كانا في بناية واحدة، وهي نفس الطريقة التي اختفى فيها عن زملائه ومقهاهم المعتاد، كذلك عن أهله وقطع عنهم الصلة وفي أحيان كثيرة اختفى من ذاته وغيبها أثناء اعتزاله بالفندق!
فان من السهولة عليه الآن أن يرتدي الظهيرة مثل طاقية إخفاء منسوجة بلهب آب الأزرق، والمرئيات مثل ذيول ضبابية، إذ تتقلص الأجفان أمام حدة الوهج الممتزج بسراب الطريق.
لإقحام المتلقي في عدة تأويلات تنشأ داخل المتن مما يمكن التجوال بين ما هو مكتوب وما هو مسكوت عنه، وكشف الخطاب المتهكم عبر حساسية التعبير، وشفافية قلب الموازين، والتلاعب بالأحداث بتصاعد إلى حد الإفصاح عن صراع دائر بين موقفين، احدهما موقف القاص والثاني موقف المجتمع لتتشكل البنية الأساسية لخطاب التهكم وكشف جوهر التهكم والسخرية باعتباره نصا منتجا.