هجرة / فرات المحسن

في البعيد حيث المدن ترتاب من الغرباء
كنت أغذ السير وحيدا.
مسربل بخوفي ..مهزوم أنتظر هزيع الليل ليمضي، مخلفا ورائي نذور أمي
وأراجيف البرابرة التي ما عافتني يوما.
ها أنا ذا أتنصت ضجيج عربات القطار..ها هي قادمة تشق صدر الغيم.
أمسكت سحب دخانها وركضت
وكان لهاثي يلاحقني.
من حيث لا مكان كنت قادما أرقب العشب الندي النامي في مدن تفترشها البهجة.
عجزت عن أن أعد العربات، ولكني اجتزتها جميعا، وأعدت لها أصوات صفاراتها ودسست دخانها في حجراته.
فالمدن البعيدة تخشى الغرباء، ولكنها لا تستحي من قرع عجلات القطارات مادامت لا تصدر صريرا.
عند العربة السادسة وفي جوفها ، لم أكن أعرف ما أفعل، فوضعت فردتي حذائي تحت رأسي وغفوت.
ملابسهم الداكنة تخفي هراوات علقت بالأحزمة الجلدية، وأكتافهم طرزتها خيوط.
تسلقوا دكتها اليابسة.
كنت في الزاوية القصية بملابس مبللة أرتجف، وصوت نحيبي يلتصق بجدار العربة البارد.
تعال.. هلم أقترب.. تعال لا تخف ..
بأصواتهم المبحوحة المتشنجة جعلوا جسدي يتفصد عرقا، وأطرافي ترتعد بإفراط .
اقترب ..تعال
كانوا يتبادلون نظرات من خبث حاد.
قالوا جميعا بصوت حازم جاف
ليس لك أن تجتاز مدننا، فعد من حيث أتيت.
تحسستني أياديهم الثقيلة ثم أطبقت على جسدي بخشونتها
حشروني في زاوية قصية عند العربة السادسة لقطار كان عائدا نحو مدني القاحلة الملوثة بطنين الهجرة.
وهناك حيث أراجيف البرابرة تدوس في طريقها ببسالة شيطانية نذور أمي وأدعيتها.
فغفوت أحلم بمدن تفترشها البهجة.