ادب وفن

حوار ناعم مع د.عبد الهادي الفرطوسي / فاضل ثامر

قرأت بمزيد من الاستغراب ما نشره الزميل الناقد والشاعر والروائي د.عبد الهادي الفرطوسي، الرئيس السابق لاتحاد الأدباء والكتاب في النجف الاشرف، في احد مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان تحريضي مثير هو "نداء لإنقاذ اتحاد الأدباء في العراق". وسبب استغرابي: أولا يعود إلى ان الزميل الفرطوسي قد راح يهاجم اتحاد الأدباء ويدعو إلى إنقاذه من "الفئة الضالة" مباشرة بعد فشله في انتخابات إتحاد الأدباء في النجف الاشرف، بسبب صعود قيادات أدبية شابة استطاعت ان تكسب ثقة أدباء المحافظة وتقدم آلية ديناميكية جديدة لتطوير عمل الاتحاد وبرامجه حيث انتخب الزميل الشاعر فارس حرام رئيسا لاتحاد الأدباء في النجف الاشرف، وهو ما أثار حفيظة الزميل الفرطوسي وراح يوزع شتائمه واتهاماته بطريقة غير لائقة أثارت استياء الأدباء النجفيين قبل غيرهم، ومنها اتهامه بعض أعضاء اتحاد أدباء المحافظة بأنهم لا يمتلكون مؤهلات إبداعية وأدبية وطالب بإعادة النظر في عضويتهم وترقين قيودهم. وهو أمر نختلف فيه معه، لأننا نحترم جميع الزملاء الذين سبق لهم وان حصلوا على العضوية، مع أننا نطالبهم بتأكيد حضورهم اليومي والثقافي في الحياة الأدبية وعدم الركون إلى انجازات الماضي فقط، أما الاتهام الثاني الذي وجهه لاتحاد أدباء النجف الاشرف بعد الانتخابات، فيمثل في اعتقاده أن قيادة الاتحاد الجديدة قد جاءت بتأثير الحزب الشيوعي، وهو أمر أثار استغراب الجميع وتذمرهم، وهو ما عاد إليه في النداء الجديد عندما أعلن ان هذا "الاتحاد يهيمن عليه حزب سياسي معين ويجيّره لصالحه".
وأتساءل: أين كان من هذا الاتهام عندما كان رئيسا لاتحاد أدباء النجف الاشرف ولأكثر من دورة؟ ولماذا لم يوجه أصابع الاتهام لهذا الحزب المفترض وتدخله؟ بل يمكن تذكيره بأنه كان يتباهى آنذاك بأنه ناقد ماركسي، وقد استنجد أكثر من مرة بقيادة اتحاد الأدباء (المركز العام) لمواجهة حملة ضالة ضده من قبل بعض الأدباء الذين كانوا يمتلكون اعتراضات على أدائه المهني والثقافي آنذاك، وفعلا سافرت أنا إلى النجف الاشرف وعقدت أكثر من لقاء وندوة مع الزملاء المحتجين، وتمت تسوية الأمر لصالح الحياة الثقافية في المدينة، كما أود تذكير الزميل الفرطوسي بأن القاعدة التي تعتمدها قيادة اتحاد الأدباء في المركز تنطلق من عدم التدخل في انتخابات المحافظات ومنح الحرية كاملة لأدباء كل محافظة لاختيار ممثليهم في انتخابات ديمقراطية بحضور ممثلين عن السلطة القضائية، وهذا ما حدث فعلا عندما حضرت من بغداد برفقة الزميل حميد المختار للإشراف على انتخابات الاتحاد التي جرت في المكتبة المركزية وأسفرت عن فوز الزميل الفرطوسي نفسه برئاسة الاتحاد في تلك الانتخابات، ولم يقل الزميل الفائز أعني د.الفرطوسي شيئا آنذاك لا عن هيمنة "حزب سياسي معين"، ولا عن سيطرة الفئة الضالة "على مقدرات اتحاد الأدباء في العراق"، فما عدا مما بدا يا أبا غسان؟
ويحز في نفسي أيضا ان يوجه الصديق الفرطوسي تهمة هيمنة "حزب سياسي معين" على اتحاد الأدباء، وهي تهمة قالها قبله بعض المعادين للممارسة الديمقراطية الحية التي يقررها صندوق الاقتراع، وخاصة أولئك الذين فشلوا في مراحل معينة – وكنا نتمنى ان لا يفشلوا – في الحصول على ثقة الأدباء في انتخابات الاتحاد. ذلك ان الزميل الفرطوسي يعلم قبل غيره ان اتحاد الأدباء منظمة مهنية ديمقراطية تضم مختلف المشارب والاتجاهات والطوائف والمذاهب والأحزاب ومنها ربما عدد قليل من أعضاء ذلك الحزب السياسي المعين، والذين جاءوا إلى اتحاد الأدباء من خلال انتخابات ديمقراطية شهد لها الجميع بالنزاهة تحت إشراف قاض منتدب من مجلس القضاء الأعلى، واستغرب أكثر لان الزميل الفرطوسي لم يحتج يوما ويعلن مثلا ان الهيئات المستقلة والوزارات والدرجات الخاصة هي ملك هذا الحزب أو ذاك، ولم تأت عن طريق الانتخابات الديمقراطية، أو ربما يعّد الزميل الفرطوسي ذلك أمرا مقبولا، وانه من غير المقبول بالنسبة له، وهو مجرد افتراض لا صحة له – هيمنة حزب سياسي معين "جاءت عن طريق الانتخابات الديمقراطية وليس عن طريق المحاصصة الطائفية والحزبية التي حولت مؤسسات الدولة ووزاراتها إلى "إقطاعيات"، و"ممالك" مغلقة لهذا الحزب او ذاك أو لهذه الطائفة او تلك، ولم يعترض عليها الزميل الفرطوسي.
ومما يحز في النفس ان يلجأ الزميل الفرطوسي إلى تقديم أكثر من شكوى إلى جهات لا علاقة لها بالعمل الأدبي والثقافي الذي يمارسه اتحاد الأدباء أو غيره من المنظمات الثقافية، منها مجلس النواب، ووزارة الثقافة وهو يعلم جيدا ان قانون جمهورية العراق لعام 2005 منح المنظمات والاتحادات الثقافية حرية كاملة ولم يفرض عليها أية وصاية، بل انه رفض ان يضع ضوابط للرقابة على حرية التعبير والنشر والتفكير تأكيدا لنهج ديمقراطي نسعى إلى تأصيله، يكون فيه ضمير الكاتب هو الرقيب الوحيد، فضلا عن القراء والمتلقين أنفسهم الذي يوجه إليهم هذا الخطاب الإبداعي أو ذاك.
ولذا فإن من المنطقي ان نقيم حوارنا داخل مؤسستنا ذاتها أو من خلال الصحافة والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي وان لا نلجأ إلى تحريض جهة معينة، رسمية أو شعبية لان ذلك قد يدفع جهات متطرفة للاعتداء على اتحاد الأدباء وهو ما حصل أكثر من مرة، لأن أي تغيير يجب ان ينبع من داخل تلك المنظمة وأعضائها.
ولا شك انه سبق له وان اطلع على مطلب أحد الأدباء بتدخل المرجعية الرشيدة لتغيير قيادة اتحاد الأدباء ونحن نعلم ان المرجعية الرشيدة لا تتدخل في الشؤون الداخلية التفصيلية للمنظمات الثقافية والأدبية، كما اطلع بالتأكيد على شتائم واتهامات مختلفة للأدباء واتحادهم بأنهم يشجعون على ممارسة أعمال المنكر وإنهم كما ورد في إحدى اللافتات "يفتقدون الأدب" وغيرها مما يترفع عنها الذوق السليم، ويكفي ان أقول ان الوسط الثقافي العراقي – الأدبي والفني والأكاديمي – وسط رفيع وحساس ومثقف ولا احد يشكك في وطنيته وأخلاقياته، ولذا فهو لا يمكن ان يمنح صوته لأولئك الذين يدعون إلى حرمانه من ابسط حقوق الإنسان، ويدعون إلى حرمانه من حرية التعبير والتفكير بل والتناغم أحيانا مع الدعوات الظلامية المقيتة التي تدعو إلى تأثيم الثقافة وتكفيرها بحجج ظلامية متخلفة.
نستغرب كيف يتصدى الزميل د.الفرطوسي لزملائنا الأدباء والفنانين والمثقفين المبدعين الذين يستكثر عليهم المنحة السنوية المتواضعة (مليون دينار) التي لا تزيد عن ثمانين ألف دينار شهريا وهي أقل من منحة الرعاية الاجتماعية، ويحرّض وزارة الثقافة على إيقافها بحجة إعادة النظر في العضويات التي سماها بالمجانية، وابشر الزميل الفرطوسي بان الحكومة الاتحادية متمثلة في مجلس الوزراء ومجلس النواب ووزارة الثقافة لم تدرج ـ كما يبدو ـ المنحة السنوية للأدباء والفنانين والصحفيين لعام 2015، وبالتأكيد فإنها لن تدرجها في موازنة 2016 لان هذه الجهات الموقرة غير معنية بمعاناة المثقفين الذين يمكن لهم في نظرها ان يذهبوا إلى الجحيم، ما دامت رواتبهم المليونية مستمرة وكراسيهم متينة وخالدة بانتظار فتح ملفات الفساد والمسكوت عنه.
وأخيرا لا افهم إصرار الزميل الفرطوسي على التشكيك بنزاهة لجنة العضوية في اتحاد الأدباء التي تتشكل من مجموعة محترمة ونزيهة من الأكاديميين على النحو التالي:
- الناقد د.سمير الخليل رئيسا
- الناقدة د.ناهضة ستار عضوا
ـ الناقد د.جاسم محمد جسام عضوا
ـ الشاعر د.حسين قاصد عضوا
- الشاعر جبار الكواز عضوا
ـ الشاعر عمر السراي عضوا
ـ القاص والروائي سعد محمد رحيم عضوا
وهذه اللجنة دقيقة وموضوعية وأمينة، وربما "متشددة" إلى درجة كبيرة حيث أعلن د.حسين القاصد قبل أيام في كلمة له في احد مواقع التواصل الاجتماعي إلى صرامة الضوابط التي تعتمدها اللجنة، وان نسبة الطلبات المرفوضة تصل إلى ثمانين في المائة.
كما أودّ ان اذكر انه سبق قبل سنوات عديدة أن برز من يشكك بسلامة عمل لجنة العضوية، فأوكل المجلس المركزي مهمة فحص ومراجعة ملفات العضوية إلى الزميل حميد المختار نائب الأمين العام في حينه، الذي أعلن انه قد قام بفحص أكثر من مائتي ملف ووجدها سليمة ومطابقة.
وإذا ما أراد الزميل الفرطوسي ان يحصل على شهادة أخرى من وزارة الثقافة، فأودّ ان اذكر بتصريح لوكيل وزير الثقافة الأستاذ طاهر الحمود المشرف على المنحة المالية للأدباء والفنانين والصحفيين والذي قدم شهادة تزكية لصالح اتحاد الأدباء عندما قال:
ـ عندما تصلني قوائم اتحاد الأدباء اشعر بالاطمئنان لأنها نزيهة ولا اعترض عليها وأطالب الموظفين المسؤولين بالإسراع في انجازها.
ولهذا كله، أطالب صديقي د.الفرطوسي ان لا يجانب الموضوعية والإنصاف، وان يقول كلمة الحق ولا ينطلق من دافع ذاتي محدد وأن "يتذكر" أننا كنا دائما نحرص على دعمه ورعايته والوقوف إلى جانبه، وأننا نفعل ذلك انطلاقا من إيماننا العميق بضرورة دمقرطة العمل الثقافي والاجتماعي وتقديمه انموذجا مشرفا ونزيها لكل عمل سياسي أو اجتماعي أو ثقافي في عراقنا الجديد