الشهيد / محمد حسين آل ياسين

ستظل وحدك في القصيدة قائلاً    وأظلّ عنك إلى رواتك ناقلا
ويظلّ جرحك صارخاً في أحرفٍ    اطلقتهن عنادلاً وبلابلا
أرأيت ثغرك كيف يبدع صمتهُ في    كل ثغر شهقةً وهلاهلا
لمّا ابتكرت لكل عينٍ بسمة ت   جري فكنت بها ابتساماً هاملا
إن رحتُ افتقد المعاني لحت لي   في كل بيت من نشيدك ماثلا
إذ لا يليق بمثل عرقك نازفاً   كرماً، يعود على القصيدة باخلا
اني عهدتك في الشدائد باذلاً   ابداً، فكن لي عند (يومك) باذلا
فآمدُدْ يد المقتول مسعفةً   فمي لم يبق لي إلاك معنى قاتلا
حتى لقد ادركت روعة نقصه   فكتبته بين القوافي كاملا
***
يا ابن الليالي الحالمات وكنت في   ارحامهن عواقراً وحواملا
اني غدوت وانت في رحم الثرى    حمل التراب وصرن هن قوابلا
يا محض اوصافٍ تعد ولا يُرى    موصوفها، اني خلقت شمائلا
فرداً تركت الكون بعدك موحشاً    وجعلت رمسك فيك وحدك آهلا
افديك وجهاً كنت اقرأ يأسه    حياً، وأشرق بالردى متفائلا
لمّا توهمت الثواكلُ موتهُ    وبكت عليه غدوت انت الثاكلا
ما إن فقدتك من عيوني راكباً    حتى ضممتك في ضلوعي راجلا
اودعت روحك لحظة فاذا    بها دهر، وخطواً فاستحال قوافلا
وكفرت بالمدن الفواضل   كذبةً فهجرتها واقمت قبراً فاضلا
ما زلت في دنيا الحقوق مسلةً    وبقيت في الارض العصية بابلا
لم أُلفِ موتاً هائلاً لم ينج    من حسد الحياة تريد موتاً هائلا
***
يكفيك من حزن الليالي انها    ذرفت عليك النجم دمعاً هاطلا
فنظمته بدماك عقداً لامعاً    ونفخته جيد المجسرةِ عاطلا
هل شمت نجما من أسى متدانيا    ودماً اليه من إباً متطاولا
حتى اذا نسجا غلالة باسم    يكسو ببسمته الحياة غلائلا
لاقيته متوقباً، فَخَبَرتَهُ    متربصاً بين الأنام مخاتلا
فعرفت ان الموت كأس والفتى متحسباً    – سيعبّ منه – وغافلا
وبأنك المأكول إن حاذرته    فاذا قحمت عليه كنت الآكلا
فاخترته – رهن الكرامة – عاجلاً    وحقرته – رهن المذلة – آجلا
وبلحظةٍ كنت احمراراً صاعداً    شفقاً وكان بها اسوداداً نازلا
حتى اذا اردكت منه مقتلاً      وكشفت منك لمقلتيه مقاتلا
كشفت عجاجاتها شهيدا عائدا     ابداً، وموتا بالهزيمة راحلا
إذ كان محض اجابة لحياته ومضى فعاد مع الشهادة سائلا
ما احلولكت إلا له اطلالة    قمرا تقدره الحتوف منازلا
في كل آنٍ تمهُ ومحاقُهُ        يتعاقبان متاهة ودلائلا
إذ كان أسطع ما تلألأ غائباً    او كان اجمل ما تكامل آفلا
ما بين سجدته وبين قيامه   لمح مضت فيه الدهور ذواهلا
لما رأته راجعاً من فوره    فوق النوازل في الحياة نوازلا
حيث البسالة اطلعته مجسداً        في ألف معترك كمياً باسلا
ومدرعاً بالصبر يشبع بالمنى       زُغباً ويستر بالعفاف حلائلا
صوراً سمتْ عن ان تجامل في الهوى      حاشا هواه ان يبيت مجاملا
عرف المبادىء في الخطوب نواصراً     لا ان تروح خواذلاً ونواكلا
هل فوق ان دماه متكأ الدُنى     دون السقوط وفيه تدرك آيلا
فأسمعه يبكي ان رأى ببلاده      عن كل خير ترتجيه شواغلا
غرقى ببحرٍ من شقاقٍ، ضيّعتْ      عند احتدام الموج فيه الساحلا
إن احسنت شيئاً فتحسن موعداً      خُلفاً، وجِدا في المصائب هازلا
تستمرئُ الضعف المذل وشره      ان بات اعياداً وصار محافلا
تعدو الى اعدائها مزهوةً     ان حكمت في الامر رأياً عاقلا
وتضيق بالصوت الشريف تكمهُ      إذ كان من محض الحقيقة ناهلا
والهم مرتهن بمال طائلٍ        أنّى تزيد عليه مالاً طائلا
ويهون لو جلبت به خيراً لها     أو لو اقامت منه حكماً عادلا
لكن لتبني ألف سجنٍ مظلمٍ      وتقيم فيه مشانقاً ومقاصلا
حتى اذا ما اتخمت من غيًها        وتقيأته هوائلاً وغوائلا
برز الشهيد سحابةً سكّابةً   قد بشرت بالخير جدباً ماحلا
تعِدُ التراب بأن تغيث ظميهُ    إ ن لم يكن طلاً عليه فوابلا
لم يثنها عن سكبها ان جوزيتْ      بالحقد يضفره الجديب سلاسلا
فلأنها بغدٍ سيطلع صبرها       فجراً بما تهب الكرامة رافلا
منهُ سيبتدئُ الزمان طريقه      نحو الربيع المستفيض جداولا
درباً يمر بشاهدٍ وشهيدهِ         يتعانقان مناضلاً ومناضلا