دردشة مع المخرج والكاتب المسرحي الدكتور فيصل المقدادي / داود أمين

بمشاعر حزينة مفعمة بحب المسرح العراقي، بدأ الفنان والكاتب المسرحي الدكتور فيصل المقدادي، إجاباته على أسئلتنا، بمناسبة يوم المسرح العالمي.
عن البدايات يقول الدكتور فيصل أنها لم تكن مسرحية، بل يمكن القول أنها بدايات سياسية وفكرية، "فقد نشأت في عائلة تقدمية يسارية، فالأخوة الذين يكبروني محسوبون على اليسار، كما كان لفخري الياس، وهو "جايجي" يملك مقهى صغيراً في المقدادية، تأثير كبير على توجهي الفكري، وانا أعتبره واحداً من معلمي الرئيسين. كان يحدثنا عن غاندي وعن ثورة أكتوبر، ونحن لم نزل في المراحل الأولى من دراستنا المتوسطة. وعندما حدث العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، قررنا نحن طلبة المتوسطة أن نهتف ضد حكومة نوري السعيد، وأن نخرج في تظاهرة، وقد فرقتنا الشرطة. كما يمكن إعتبار أخي الحلاق مالك معلماً آخر لي، فصالون حلاقته معروف جداً في المقدادية، وكان ملتقى المتنورين واليساريين، فالصالون والمقهى ومكوى عبد الرحمن السراج، هي ما أسس لتكويني الفكري والفني اللاحق.
بعد ثورة الرابع عشر من تموز انتخبت رئيساً لإتحاد طلبة المقدادية، وحضرت المؤتمر الأول للاتحاد في بغداد، وفي عام 1962 اعتقلت لنشاطي في الإتحاد، ثم أطلق سراحي على أن أوقع يومياً في مركز شرطة العبخانة!
بعد إنقلاب 8 شباط قاومت مع المقاومين في عكد الأكراد، ثم القي القبض علي، وحكم علي بسنتين سجن، أمضيتهما في الرمادي ثم في بعقوبة ثم في نكرة السلمان، وبعد إطلاق سراحي عام 1966، قدمت لامتحان خارجي للسادس الثانوي ونجحت".
قلت للدكتور فيصل المقدادي: هذه السيرة الوطنية والفكرية، هل هي من هيأتك للمسرح؟
الفنان المقدادي يجيب قائلاً: بالتأكيد فأخوتي اقترحوا علي أن أدخل فرع الرسم في الأكاديمية، إذ كنت رساماً وأشارك في مختلف المعارض المدرسية، لكن جريدة "الحضارة" وصاحبها التقدمي محمد حسن الصوري حولا توجهي نحو المسرح. فقد قرأت في "الحضارة" موضوعين عن برخت ومسرحه الملتزم، فانجذبت إليه، كما أن قراءاتي في السجن للأدب السوفيتي والروايات الثورية، شجعتني على خيار المسرح. وعندما قدمت للجنة الإختبار، وكان الفنان إبراهيم جلال أحد أعضائها، سألني لماذا ترغب في دراسة المسرح؟ هل أنت ممثل؟ قلت لا وحدثته عن بريخت وغوركي وروايات الأم والفولاذ سقيناه، فقبلني على الفور! قائلاً:"أنت مقدم للمسرح بقناعة"!
في السنة الأولى في الأكاديمية فرع المسرح، كنت الأول على صفي، وفي الصف الثاني ألقي علي القبض لكوني مسؤولاً عن إتحاد الطلبة، وسجنت في سجن بعقوبة، وفيه كتبت اول مسرحية لي، ومثلت مع الفنان عدنان عبد الصاحب من الناصرية، وإبراهيم عبد السادة من الحلة وآخرين.
بعد إنقلاب 1968 أطلق سراحنا، فعدت إلى الأكاديمية مجدداً، وكنت الأول في الصفوف الثانية والثالثة والرابعة، وكانت أطروحتي للتخرج مسرحية "في انتظار اليسار" واشترك في التمثيل فيها جواد الأسدي وعقيل مهدي وعزيز خيون وبحضور عدد من المثقفين اليساريين، مما زاد من حقد البعثيين، خصوصاً الطالبين البعثيين كريم خضير وعزام البزاز. وكان المفروض أن يتم تعييني مُعيداً في الأكاديمية، لكنهم أرسلوني مُدرساً في ثانوية في جلولاء! وهناك إلتقيت بالفنان جلال ورده، فأسسنا فرقة مسرحية وبنينا مسرحاً، قدمنا فيه ثلاث مسرحيات، إحداها إستوحيناها من قصائد فلسطينية، وكذلك مسرحية "الغضب" لعادل كاظم، وعرضنا لمدة 13 يوماً. بعدها جاء مدير الناحية، وهدم المسرح بواسطة الشفل. وهدد الفرقة، فتركت الوظيفة وعدت إلى بغداد. وفيها تمت مفاتحتي من قبل الحزب للدراسة في الإتحاد السوفيتي، فوافقت وسافرت. ودرست لمدة ست سنوات، وبقيت سنة أخرى لعدم وجود جواز سفر لدي. وكانت أطروحتي للتخرج مسرحية "الحضيض" لمكسيم غوركي، وكنت الأول على مجموعتي هنا أيضاً.
من الإتحاد السوفيتي سافرت إلى اليمن، وبقيت فيها مدة سنتين، ومنها سافرت إلى سوريا، حيث قابلت فيها وزيرة الثقافة نجاح العطار، وطلبت منها أن تسمح لي بتأسيس فرقة مسرحية عراقية. وبالفعل أسسنا الفرقة، وسميناها "فرقة بغداد العراقية للتمثيل" وكان معي الفنان محمد زلال وصباح البصري. ومن خلال هذه الفرقة قدمت مسرحية "مصرع جندي" عن الحرب العراقية الإيرانية، وقد عرضت مدة تسعة أيام. كما قدمت مسرحية من تأليف سعد الله ونوس.
بعد مشوار سوريا كانت رحلتي الأطول نحو ليبيا، حيث أمضيت 21 عاماً، حيث تم تعييني في كلية الإعلام في بنغازي. وهناك أسست فرقة مسرحية ليبية، وقدمت العديد من الأعمال المسرحية، بالإضافة إلى تدريسي مادتي فن الإلقاء والتمثيل.
قلت للفنان المقدادي: لننتقل الآن إلى التأليف، فأنا أعرف أن لديك العديد من الكتب المطبوعة، فهل هي جميعاً خاصة بالمسرح؟
اجاب الفنان فيصل: لدي 83 مسرحية منشورة، بعضها مسرحيات قصيرة، تجري في مكان وزمان واحد. كما أصدرت كتباً عن المسرح المدرسي ومسرح المدرسة والمسرح الجامعي، ولدي 32 كتاباً مطبوعاً، تضم مسرحياتي ودراساتي النظرية والعملية في شؤون المسرح.
بعد ليبيا عدت إلى أربيل بطلب من زميلي أحمد سالار لكي نساهم في فتح قسم المسرح في الأكاديمية في اربيل، بالإضافة إلى التدريس، وقد قدمت العديد من الأعمال المسرحية للتركمان والسريان في عينكاوة.