سمر المقرن تبحث عن صوتها في "نساء المنكر .. القسم الأول .. / عباس باني المالكي

في البدء قبل أن نتناول رواية الكاتبة سمر المقرن (نساء المُنكر) الصادرة عن دار الساقي في بيروت لا بد أن نطرح سؤال: هل الرواية فعل ثقافي يسير وفق شروط ثقافية يتحكم فيها النموذج الفحولي؟
مع العلم أن الرواية تخضع لشروط التسويق ورغبات المستهلكين أي أن الرواية تخضع للذائقة السائدة وما تبتغيه هذه الذائقة... وهل اعتمدت الروائية سمر المقرن على الرواية بإيصال صوتها إلي الآخرين من خلال هذا النوع من الكتابة ولذلك اتخذت هذا النوع الذي هو استمرار للحكاية التي أباح لها الرجل ممارستها حيث سيطر الرجل على (الكتابة) وأحتكرها لنفسه وترك للمرأة (الحكي) بمجتمع لا يسمح للنساء بغير هذا وبذلك أستمر الفعل التاريخي بسيطرة الرجل الفكر اللغوي والثقافي باعتباره هو صانع لهذا التاريخ.
تبدأ الرواية بعبارة (لأني من الأنانيات في هذا العالم) لكي تثبت أنها منتمية إلى جنسها ومتمسكة بهذا الجنس بالرغم من الاضطهاد الكبير الذي تعاني منه في مجتمع لا ينظر فيه الرجل إلى النساء الا كحريم وسبب من أسباب الخطيئة ( في هواء لندن الطلق بعيدا من حصون الرياض وصرخات الأبالسة حولنا تنهر آدميتنا : (تغطي يا مره) ص12 أم أنها أنانية في إحداث الوقائع حسب رغبتها وتسيرها كما تتمنى ومن أجل أن نعرف هذه الحقيقة لنتبع الروائية وهي تسرد حكايات لنساء محبطات نفسيا وجسديا في مجتمع فحولي لا يرى في المرأة سوى (النساء في تعريفهم مغريات جنسيا فهن المدبرات لخطيئة الرجل) ص13
وهكذا تستمر الكاتبة في سرد حكاياتها ومن أجل أن تثبت حقيقة المرأة تغوص في صندوق ماسي هو التعبير عن جوهر المرأة ودواخلها التي تمثل كل شيء كريم عكس ما يتصوره الرجال والذين هم السبب في جعلها تصل إلى الضفة الأخرى التي تتناقض مع جوهرها الكريم بل هم الذين يصرون على جعلها تعيش علي هامش الحياة بصورتهم التي يرغبونها الصورة النسوية الشبقية نتيجة إهمالها كجزء مهم في بناء الحياة (أصبح الدخول إلى أعماق العملاق مع الزمن مجرد دوران في صندوق ماسي، وهو لي وملكي، إلا أن بريقه ووهج ضوئه جعلاني أنسى تلك الحجار الكريمة التي اصطفت على أركان الصندوق وحيطانه بحاجة إلى هواء جوفي الساخن حتى لا يتراكم عليها التراب) ص5 وما التراب ألا غبار الرجال .
تتحدث (سارة) التي هي الشخصية الرئيسية والتي تعبر عن مجمل معاناة المرأة وإحباطها في مجتمع ذكوري مغلق على مفاهيم حتى خارج الدين الإسلامي بل مجتمع خلقه الرجل من أجل أن يستمر بالسيطرة علي المرأة وتوجيهها حسب رغباته الفحولية حيث تتحدث سارة عن معاناتها وتجربتها بزواجها التقليدي الفاشل الذي دام ثماني سنوات أنقضت ثماني سنوات من عمري وأنا أحمل علي الأوراق الرسمية لقب( متزوجة) وما أنا إلا (مُعلقة) والضمير التقليدي لا يتوانى في وصفي أمام نفسي بحاملة الخطيئةٌٌ ص7 التي تحاول بإصرار التخلص أو ايجاد حل لهذه الحالة ولكن لا قدرة لها علي حلها لأنها تعيش في دوامة مجتمع فحولي يتحكم فيه الرجل بكل شيء خارج الأطر الإنسانية والدينية ( تعبت فيها ست سنوات وأنا أصعد وأنزل على سلالم المحاكم) ص7
الهروب الى المبررات
ولكي لا تستمر بإحباطها وتنهار أمامه تحاول أن تهرب إلى مبررات لكي تسيطر على هذا الإحباط قبل أن يستفحل داخلها حيث تبدأ بالمقارنة بين الزواج في المجتمعات العربية والزواج في الغرب ( ففي الغرب حرية تامة في الزواج ولا يتم في العادة إلا تأكيد الطرفين أنهما سيعيشان معا إلى أن يفرقهما الموت ) ص7 . لضخامة الإحباط النفسي الذي تعيشه لا تعرف كيف تحدد الانتقال من حالتها المغلقة إلى حالة الانفتاح في ايجاد الحل حيث أن هذه المقارنة ليست الحد النهائي لشروط الارتباط الزوجي لأن الزواج يخضع إلى الحالة الإنسانية والايمان بشرطها ولكنها تعيش حالة من هستيريا التعب نتيجة وصولها إلى الحالة المغلقة التي لا تجد فيها الحل ولكنها تتراجع لتؤكد هذه الحقيقة وهي أن الزواج يختلف باختلاف ظروف العلاقات من مجتمع إلى آخر، ولكنها لحجم مأساة معاناتها وثقلها في نفسها وصل بها إلى حد الاختناق ومن اجل أن تهرب من حالتها المريرة تتشبث وتتعرف على رجل بواسطة التلفون وعن طريق الإنترنيت (الماسنجر) والذي تصفه بالرغم أن السبب في إحباطها هو الرجل ولكنها لا تستطيع أن تبني حياتها خارج الرجل لأنها لا تجد نفسها ألا من خلاله (لم أحدد بعد هل كنت أبحث عن رئيف أم أبحث عن نفسي ) ص11 وتصفه وصف نفسه بالحداثي أو هكذا عرفته وهذا يعني أنه رجل خارج عن إطار التقليدية الفكرية التي تلازم الرجل الشرقي عموما لإعتاق نفسها بالابتعاد عن أزمتها وتبرير ارتباطها به كونه رجل خارج الإطار التقليدي حيث أنها تستمر بالاتصال معه مع العلم أنه حبيب صديقتها( أسيل) وتحاول أن تجد مبررات غير واضحة لاستمرارها بالعلاقة معه (بعد أن شعرت بالخطر الذي يحيط به من أن يعود لأسيل مرة أخرى ، إن زال هذا الخطر فهناك مخاطر أخرى تخافها المرأة العاشقة لرجل تحف به النساء) ص 25 وأرتباطها بهذا الرجل ما هو ألا خروج عن أزمتها وتحدي المجتمع لتؤكد أن ما يقوم به الرجل من تقييد لحرية المرأة محتقر مشاعرها الإنسانية وسط عالم أصبح كالقرية التي من الممكن أن تتصل بأي رجل في هذا العالم عن طريق وسائل الاتصال الكثيرة وكذلك لتشعرنا بقدرتها على الاحتفاظ بحريتها، بعد أن نضجت هذه العلاقة عن طريق التلفون ( كنا نمارس (لعبة عقلية) نترجمها حينا في الكلام وحينا آخر بآهات لم يكن كل منا متأكدا إن كانت قد وصلت إلى مسامع الآخر عبر ذلك الهاتف الصغير الذي لا تحمله سوى ذبذبات نقلتها لنا السماء) ص7 بعدها يلتقيان في لندن وفي حدائق الهايدبارك تمر عليها ذكريات الطفولة حين كانت تمشي معه وهذه الذكريات متناقضة بين الطفولة التي تطعم البط في الحديقة وبين مراقبتها إلى العشاق والتي تصف أمها هذه العلاقة بالكفر ( أما من كانوا جلوسا فلا أغفل أبدا عن نظرتهم التي كنت أقرأ فيها شيئا ما أفتقده كطفلة سعودية .
كانت أمي تشتمهم وتقول: كفرة ) ص20 لو تناولنا هذه الذكريات من جانب الأثر النفسي والتصاق هذا في الجانب اللاواعي إلي حد أنها بقيت مستغرقة بمراقبة العشاق في نفس الوقت الذي تطعم البطة ( تبقى يدي ممتدة في اتجاه البطة خاوية من الخبز وعيناي تلتهمان مشهدا لبعض العشاق وأنا مستغرقة في التفكير بتعاسة الحياة التي نعيشها ) ص20 لوجدنا أن هذا المشهد "فعل العشاق" الذي بقي عالقاً في ذاكرة هذه الشخصية والى حيث يبقى تأثيره وتبقى روحها متعلقة به بحيث تقيس كل علاقاتها وحاجاتها الشديدة إلى هذا الفعل والذي تبني كل علاقاتها الاجتماعية والزوجية وكأنها تطالب بالحرية الجنسية في المجتمع ولكن ليس الحرية المبتذلة بل الحرية المرتبطة بحالة العشق والحب من أجل الخروج من الحالة الميكانيكية التي تحدث في ممارسة الحب في الزيجات التي لا يتم الاختيار فيها حسب رغبة الزوجين بقدر ما يتم وفق رغبة الأهل والمجتمع انها تريد أن تصل بالعلاقة الجنسية إلى الحاجة الإنسانية الصوفية بارتباط الأجساد مع بعضها وليس الحالة العادية التي تمارس في هذه المجتمعات ( مضيت أرتوي، اروي وأكشف عطش جسدي لسنوات لم يكن يبحث فيها إلا عن زفرة حقيقية تنبع من داخل عاشقة لا ماكينة جنسية تعمل وقت التشغيل وتغلق وقت الإفراغ) ص16 أنها هنا تريد أن تجعل هذه العلاقة علاقة إنسانية مقدسة وليس كحالة مبتذلة كما تمارس أو ينظر لها في المجتمع الذي تعيش به وكذلك تطالب بل تصرخ بوجه هذا المجتمع حول نظرته إلى المرأة حيث تذكر هذا المجتمع بمكانة المرأة في التاريخ وتبدأ بالميثولوجيا لتقوية الثيمة في ذاكرة هذا المجتمع لتكون المعيار الذي يجب أن ينظر إليها هذا المجتمع لو لم تكن المرأة قمة لما حطم الذكور آثار (الربة) خوفا من تذكر قوتها، نسيت أنها إيزيس وعشتار وجونوا وهيكاتي وبيلونا المعارك، نسيت أنها ربة الكون التي قالت ( أنا الطبيعة، أنا الكونية، أنا سيدة كل العناصر .....) ص9 أي أنها ليست ماكينة جنسية تعمل وفق رغبة الرجل