سمر المقرن تبحث عن صوتها في "نساء المنكر .. القسم الثاني .. / عباس باني المالكي

يمتد تأثير هذه الحالة من الاضطهاد التي مرت عليها في تلك السنوات إلى أن تجد كثيراً من المبررات غير المنطقية حول علاقتها مع رئيف مع أنها تدرك أن هذه العلاقة غير صحيحة بسبب إن رئيف هو حبيب صديقتها أسيل ولكنها تصر على هذه العلاقة (من حقه كإنسان رائع أن يجد امرأة تستحقه لا امرأة تحطمه مثلما كانت تفعل أسيل) ص 23 أي أنها تجيز لنفسها مالا تقبله إلى غيرها وهذا يثبت ما تصر عليه دائما أنها أنانية (لكن أن أفقد كل هذا الامتلاء بالعشق كان رعبا يقبض على خناقي ، فأكاد أصرخ في وجهه، ألومه، أعنفه أتهمه بالخيانة) ص23 أي أنها تريد أن تتهمه بالخيانة في الوقت نفسه هي الخائنة لصديقتها أسيل معه...ونحن ندرك أن شخصيتها شخصية هامشية تعيش الحياة بأحلام هي تصنعها تصل بها أحيانا إلى الهلوسة أو اللعبة العقلية كما تقول هي كثيرا.
كما أننا ندرك من خلال أحداث الرواية أنها محرومة، حيث لا نجد أي مبرر آخر ( ترى هل يصل بي يوما أن أنادي بعبادة المرأة) ص22 بدون أن تجد لهذا المبررات الثقافية أو الاجتماعية بل ليس هناك مبررات سوى العلاقات الجنسية أي أننا أمام شخصية محطمة جسديا، وترتفع بها الأنانية إلى حد الهوس غير المنطقي وهذا ما يؤكد أقوال هذه الشخصية ( أتوقع يوم الحساب عندما يحين دورك بين يدي الله أن يقول لك أبقي جانبا حتى انهي حساب البشر فأتفرغ لك) ص27 .
أي أن هذه الشخصية تعيش يوتوبيا الوهم الكبير أو الهستيريا بجعل كل مفاهيمها في الحياة لا يتعدى فهمها إلى لحظة ممارسة الحب ولكن بطريقة غرائبية ( منتهى الضعف أن أمارس الحب في نومي سأمارسه في موتي وقبري سيكون جنتي ، وسأحظى به في الدنيا وفي الآخرة) ص29. وهي هنا تطابق ما قاله فرويد حول المرأة (إن تطور المرأة يحد من قدرتها العقلانية حين يقرر أن الأنا العليا عند المرأة تتشكل عن طريق دائري ملتو يبدأ من طفولتها حينما تدرك أن عضوا ما ينقصها وتدخل في عقدة حسد الرمز الذكوري ، وتخرج من هذه إلى محاولة التعويض عن هذا "المفقود" بأن تحصل على طفل، وهذا يكون بالحصول على رجل، مما يوصلها إلى الاستسلام الكامل للرجل لتصل إلى الأنوثة الكاملة وهي درجة من الوعي لا تتحقق إلا بادراك المرأة لنقصها) الحرب ضد النساء ص310.
وهي لهذا تبقى متمسكة بالرجل بالرغم من انه السبب الرئيسي الذي أوصلها إلى حافة اليأس لكنها تبقى متمسكة به فتغير مفاهيمها إلى الرجل حسب رغباتها وليس حسب إدراك جميع جوانب إنسانيتها المهدورة في المجتمع الذكوري. فهل انتقالها إلى لندن وعلاقتها مع أحد أبناء بلدها هو مبرر يكفي لكي يرد لها إنسانيتها المهدورة وهي في نفس الوقت تلغي كرامتها الإنسانية من أجل أن تحصل على هذه الممارسة ( آه يا رئيف القاصر ألا تدري أن العاشقين لا يدخلون في قواميسهم مصطلحات الكرامة) ص31، هي بهذا تؤكد أن تداعيات هذه الشخصية بطلة الرواية (سارة) تثبت ما أكده المجتمع الذكوري حول صورتها في الحياة ( أن كانت الثقافة الذكورية قد تغلغلت في النساء حتى جعلتهن يتقبلن ويرتضين بهذا الصورة الجسدية عنهن، إضافة إلى سلطان الثقافة والتاريخ والرسوخ الحضاري للصورة النسوية الشبقية) ص32 كتاب المرأة واللغة المؤلف عبد الله الغذامي.
هذا يدل أنها لا تعيش الواقع بل تعيش خيالها الذي وفر لها عالماً يعيش في ذهنها خارج الحياة الواقعية في الرياض وهذا بالطبع ما يوقعها في المشاكل الكبيرة التي هربت منها إلى لندن وهذا ما يجعلنا نرى أن أحداث الرواية لم تكن تخضع إلى النسق الروائي العادي بل هي قفزات ذهنية (عقلية) لا تعيش التوازن النفسي السيكولوجي وتطورها بشكل تصاعدي إلى حد تصبح حقيقة اجتماعية ، بل تعيش يوتوبيا تمارس فيها كل رغباتها المكبوتة ، كذلك نشعر أن الشخصية الرئيسية لا تعيش مسارها النفسي الذي ينمو ضمن السرد الروائي بل تبقى الكاتبة تتحكم بها حسب الأجواء التي تصنعها لهذه الشخصية وبذلك ندرك أن الرواية هي عبارة عن تداعيات ذهنية ضمن اللعبة العقلية أي استخدام التدفق الذي يشبه التداعي الفكري في الذهن لأننا نشعر أن هذه الشخصية خالية من كل مقومات الإحساس الفردي المعنوي بل ندرك أنها لا تمتلك سوى الأحاسيس الجسدية الشبقية تجاه الرجل وفحولته إلى حد الانسحاق والتهميش ( لماذا تتركني كسلسلة وقعت على الأرض فتهشمت وتفتتت وداستها مئات الأقدام؟ ).
وتصر ( سارة) على اللقاء برئيف بالرغم من إدراكها المخاطر التي تحيطها من قبل رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراقبتهم جميع مرافق الحياة العامة (أن نمضي في مقاومة قسوة الشرطة الدينية التي تنتظرنا في الرياض وغلطة المجتمع ونعته بالفاسق أما العاشقة فهي بلا شك مومس تستحق الرجم)ص16.
الروائية تضع سارة في هذا الموقف وتتخلى عنها كأنها امرأة تجارب لتكتشف أو لتعرف ماذا يفعل هؤلاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث تتواعد مع رئيف في احد مطاعم مدينة الرياض مع علمها أن عيون هذه الهيئة منتشرة في كل مكان كما تقول ( فمجرد أن يشك أي عامل في المطعم بأننا لسنا زوجين قد يعرضنا للخطر ، خصوصا وقد جرت العادة على تجنيد عدد من العاملين في المطاعم والفنادق والشقق المفروشة للإبلاغ عن أي حالة مشتبه فيها وفق معاييرهم)ص38 مع هذا تلقيها في أتون هذه الجماعة التي لا رغبة لها سوى تحطيم المرأة التي لا تعيش وفق مقاييسهم الفحولية المتخلفة. كما أن سارة رغم أنها تدرك أن الوضع الذي حولها ليس كما في لندن تصر على أن تعيش هلوستها الحلمية ( الآن عرفت أني مجنونة ... وسفري من أجلك إلى لندن ألم يكن جنونا رسميا) ص40 فبالرغم من هذا الجنون والتحدي نجدها تنهار بشكل سريع عندما مسكت بهما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر( رئيف لا تتركني أنا خائفة ) وتمر بكل مراحل التعذيب والإهانات علي يد هذه المجموعة التي تسمي نفسها بهذا الاسم ، التي تختلق أكاذيب تصنعها بنفسها من أجل أن تبرر افعالها الكاذبة في المجتمع (علي ماذا أوقع ؟ وعلي أي شيء أدون اعترافاتي بجرائم لم أرتكبها. ما يحصل في هذه الساعة هو جريمة كبرى، ليست بحقي فحسب بل جريمة بحق الإنسانية،)ص44 وتمر سارة بكل أنواع التعذيب التي تسحق وتهدر إنسانيتها من أجل رغبة الاستمرار بلقاء حبيبها رئيف تعرف أنها تحيط بها كل أنواع الخطر فلا أعرف لماذا حاولت أن تمر بها بالرغم من معرفتها الكاملة بفشلها هذا ما يدل على أن هذه الشخصية شخصية حالمة غير واقعية تسعي إلى تحقيق رغباتها حتى لو تعرضت إلى الانسحاق والأهانة من قبل هذه الهيئة المسيطرة على المجتمع بصلاحيتها الأخطبوطية في جميع مرافق الحياة في ذلك المجتمع (فهو يحمل بيده العدة : عصا خشبية عريضة الرأس دقيقة الساق ملفوف عليها لاصق أسود ، قامت بتحيتي على أكمل وجه ، والرأس بالرأس فأسقط ضربات تلو أخرى برأسها علي رأسي ،وأراد أن يستمتع بيده فتارة يضرب بالعصا وتارة بيده حتى غطت الدماء وجهي ولم أعد أعي ما يحصل ).ص 45 أي أن هذه الشخصية هي حالة السطحية لهذا المجتمع الذي تتحكم به هذا الهيئة ويجعل هذا المجتمع يحمل بذور انهياره بسبب المقاييس المتخلفة لهذا الهيئة البعيدة كل البعد عن المجتمع الإنساني.
وتلتقي في السجن بعد أن حكم عليها بنساء محبطات نفسيا بسبب فعل الرجل في حياتهن حيث نتعرف على ( نورة) التي مرت بتجربة مريرة مع زوجها (ياسر ) الذي يمثل صورة الرجل المخادع والذي استولي على كل ما تملك من منزل وأثاث وأموال جمعتها بعد رحلة طويلة في الخدمة وقد حدث هذا بعد سجنها ما جعلها تردد بعد سماع هذا الخبر( ياسر ليس إلا ورقة مزقتها ولم أكتف بتمزيقها وإلقائها في سلة المهملات بل حرقتها بالنار التي أشعلتها في صدري ) ص47وهذا ما يدل علي أن أزمتها معه وصلت إلى مرحلة من القطيعة والرفض الكامل لوجوده في حياتها مع العلم أن زواجهما قد تم حسب رغبتهما وعدم موافقة أهلهما عليه ( ارتبطت به رغم عدم موافقة أهلي فأي حد من الحدود يبتر هذه الغلطة من حياتي ويريحني) ص47 وكأن القطيعة التي حدثت بينهما نتيجة ارتداد نفسي جعل عدم موافقة الأهل يحفر في ذاتها إلى حد يصعد الأزمة إلى القطيعة مع أنها تحدثت عنه (كان إنساناً جميلا ومميزا تزوجته لحاجة لم أحددها ولم أكن في تلك الفترة قادرة على تحديدها ) ص48ولكنها بعد أن تفوق من غيبوبة المحسوس الجسدي، تؤكد أن سبب وصول القطيعة بينهما إلى نهايتها هو أن آدميتها أخذت تنسلخ وإنسانيتها أخذت تتحطم بسبب هذه العلاقة.