حكايا.. حرير الفراشات / جاسم العايف

احتوت المجموعة القصصية "حرير فراشة الحكايات" للكاتبة ميرفت الخزاعي على "67" نصّاً، وبموجب الغلاف فهي "قصص قصيرة". لكننا نجدها من ناحية الثيمات والحجم والمنحى السردي ومحدودية زمنها الفني، وفي الأهم تجليات السرد القصصي، تقع – غالبيتها - في دائرة "القصة القصيرة جداً"، كونها تبتعد عن البناء المحدد بحثياً لجنس القصة القصيرة. ويلاحظ، فيها، عدم الاهتمام في البُنى المشكلة للقصة، وفي الأهم تجاوز الإرباك والارتباك، والخسائر اللغوية الفائضة، وكذلك تجليات السرد وآفاقه،
فالسرد له أساليب عدّة, تكون لدى السارد كما لو أنها الأدوات بين يديه، والسارد يعتمد في اختياره الأداة والمنحى اللذين يناسبان ما يطمح فيه إلى إظهار توجهاته وما يشعر به ويسعى إلى تقديمه، مستثمراً ما يراه ملائماً من تقنيات سردية - فنية. وكما معلوم فإن السرد من الأساليب المتّبعة في القصص والروايات وكذلك المسرحيات واليوميات والمذكرات، وهو ينسجم مع طبع الكثير من الكتّاب/ الكاتبات/، وأفكارهم/ أفكارهن/، وذلك لمرونته وكشف المقدرة والتوجهات الفكرية والقدرات الفنية, و يعد أداة للتعبير, ويقوم الكاتب/ الكاتبة/ بواسطته بترجمة الأفعال وردودها والسلوكيات والأماكن، بأسلوبه الخاص، وعلى وفق إمكانياته الشخصية وتوجهاته الفكرية - الاجتماعية، وقدراته الفنية، وبذلك يكون الكاتب/ الكاتبة/ قد قام بتحويل المحكي، والمتخيل، والوقائع المتحققة، وكذلك الغرائبي، إلى "نص"، ويجهد على ترتيب الأحداث فيه، بغض النظر عن الانسجام أو عدمه، بين توجهاته وأفكاره، عبر اللغة التي تطرح تلك المعاني. فالبنية السردية في القصة القصيرة هي الشكل الذي تُقدم فيه مادة القصة من خلال الأشخاص، والراوي، واللغة، والأحداث، إضافة إلى الزمان والمكان وهي هنا بنية، ثابتة لا تتغير باختلاف النصوص. أما البنية النصية فهي الطريقة التي يوظف بها الكاتب/ الكاتبة/ جزئيات سرده عملياً في إنتاجه الذي قد يلتزم بكل عناصر البنية السردية أو بعضها.
وفي السرد الفني تنعدم الحاجة إلى تقديم المواعظ والحِكم , وذلك لأن السرد يظهر كل ما هو ممكن، وإن حصل ما هو عكس ذلك فهو ترهل وحشو يضعفانه ويؤثران سلباً في بنيته، و ينشأ من هنا الضعف في تركيبته.
للسرد صيغ متنوعة فيمكن أن يروى شفهياً أو كتابة أو حواراً أو أن يكون عن طريق الصور والإيماءات، وقد يقع أيضاً بصيغ مبتكرة يلجأ إليها القاص عندما تقتضي إليها الحاجة فنياً، وحسب رولان بارت فـ: السرود لا حصر أو عدَ لها. حول "السرد وتقنياته" يمكن العودة إلى عدد لا يُحصى من المصادر العربية والأجنبية المترجمة نؤكد استفادتنا منها بتصرف. يمكن وضع " حرير فراشة الحكايات" ضمن دائرة، ومنحى وتوجهات "الحـكايات"، وهو ما يعد بمثابة الانجاز لـ "الخزاعي وحرير فراشة الحكايات"، فالعنوان يشير إلى ذلك، ونجد بعد الإهداء، من خلال توجيه السؤال إلى الأم :"من أين تأتي الحكايات؟. هل تأتي من بئر لا تنضب! وماذا سيحدث إن جفَ ماؤها يوماً ما!".
هذا الأمر، بمثابة الإعلان بأنها "حـكايـات"، و"ميرفت الخزاعي"، بوضوح، هي "الحكاءة"، والدلائل كثيرة، ومنها "إشراك: "الموت حرقاً"، هوت مطرقة القاضي بالحكم على الرؤوس الأربعة، تزعم أنها تخلق من الطين كهيئة طيرٍ، تنفخ فيه وتطعمهم"، واستحقاق": برضىً، تستقبل عتابَ الله لها "؟!" تَوَجَّستْ خيفةً، كان الذنب لا يغتفر هذه المرة"؟! و"قيامة: خلف شاهدة القبر، راحت تُلقمهُ ثديها الضامر، علا صراخهُ، أسكته همسٌ هادر، الجميع هنا مازالوا جياعاً"، و"تواطؤ: الحروف التي شعرتْ بالوسن، حين مرَّ، تركتْ عرشَ قلبي وتبعته"، و" تلُبس: كانت في المخفر، تهمتها سرقة الرُزّ والخبز مع سبق الإصرار، ردتْ: ولكنَّ حاويةَ القمامة ليستْ ملكاً لأحد"، و"تجارة: دواوينه التي ألبسها الغبارُ حلةً قديمة، رقصتْ فرحاً، ارتفعَ ثمنُ حروفها في عيد الحب". يندرج في هذا كل ما جاء في الصفحات "52 – 76"، من "76" صفحة بحجم متوسط.
بهذه اللغة الواضحة، المقتصدة والبسيطة البعيدة عن التكلف والمثاقفة، والضربات النثرية المركزة، يمكن أن تعلن ميرفت الخزاعي، على الغلاف:" حـكـايـات". ولا إشكال في ذلك، فبموجب المصادر والمراجع المتوفرة، فان "الحكايات" تندرج ضمن الأعمال الأدبية - الفنية، وتنتقل إلى الأجيال المتعاقبة، شفهياً، ومع إنها تتحول دائماً بسبب، ضغوط الظروف الاجتماعية المتعددة - المتغيرة والأزمنة المتعاقبة بتواصل لا ينقطع، إلى عملٍ مختلف بتاريخه وقصةٍ تروى، وقد أطلق عليها الباحث الألماني "ك- بوج" في تقصيه الحكايات، المتواترة - المتشابهة، في ما يصفه بالمروي المقدس، صفة " الخرافة"، التي تنتقل من بيئة إلى أخرى، لاستخدامات "نفعية - زمكانية"، لكنها "كمضمون" تعد بمثابة النص شبه الثابت، وآخر متحول، يتغير بحسب ظروف "الراوي- الناقل"، وتوجهاته في استخداماته لها، وضمن العصر الذي يعيش فيه، قد تكون الأحداث فيها واقعية أو خيالية وحتى غرائبية، ولا يعرف "مؤلف" الحكايات، بينما "الراوي- الناقل" في حكم الـ "معروف"، ويستند "الحكاء – الحكاءة"، على وقائع ربما قد حدثت.. وواقعنا المحلي، الراهن بالذات، يضج كثيراً ويتميز، جداً، بـالـ" حـكـايـات"، المفجعة - الغرائبية، والتي لا تتطابق، إطلاقاً، مع أي منطق واقعي أو عقلي.