الماضي الذي اثقل كاهلي! (1)/ مزهر بن مدلول

1
من نوافذ السيارة، كنت انظر الى جانبي الطريق. التفتُ مرة الى اليسار، واخرى التفت الى اليمين، فلم تقع عيني على اية علامة قديمة تذكرني بتلك الحقبة الجميلة من حياتي. كنت مأخوذا بأحساس غريب لا اعرف كنهه، فالناصرية التي اتسعت لها كلّ احلامي في سنوات غربتي، بدت مختلفة، وكأني ادخلها لأول مرة.
عندما انعطفت السيارة، ودخلت في شارع آخر، سألني اخي بأبتسامة ساخرة:
- تتذكر هذا الشارع؟.
- لا، ابدا.
- هذا شارع الحبوبي (عكَد الهوا)، هل نسيته؟!.
ورنّت الكلمة في اذني، وقعت مثل لكمة قوية على وجهي!. شعرت بأنفعال عاطفي شديد كاد ان يفقدني توازني. هل من المعقول ان يكون هذا الشارع الذي تجتاحه هذه الفوضى العارمة من الدكاكين والبسطيات هو ذاته ( عكَد الهوا )!؟، واخذتني موجة من الحنين الى تلك الايام البعيدة، عندما كان (عكَد الهوا) يعطر القصائد برائحته!:
(( هدني دادة اصخام وجهي الوادم اتباوع علينه
وذاك ابوي براس عكَد الهوا يصنت حجينه
خدي يفضحني بحمرته بهيده مصه ولا تكَرصه
خدي ما يحمل الكَرصه.................. )).
طلبت من اخي ان نتوقف في سوق المدينة لكي اتصل واخبر اهلي بأني وصلت بسلام، ففي ذلك الوقت كانت العودة الى العراق محفوفة بالمخاطر وتنطوي على الكثير من المجازفات، وخاصة اثناء عبور الصحراء التي تفصل بين سوريا والعراق.
سألتهم:
- ما هذا المكان الذي نقف فيه؟. فردّ اخي الاخر:
- اننا خلف مبنى المحافظة القديمة، لا تشغل بالك، لقد تغير كل شيء!.
شعرت بتشنجات في معدتي، حين انبثقت من احدى زوايا دماغي ذكرى هذا المكان!. هنا بالقرب من السياج، كانت تجلس خالتي، تحمل صينية الكباب، وتنتظر شقيقي عبد العزيز المعتقل داخل البناية مع مجموعة من رفاقه. كنت صغير السن أنذاك، ارافق خالتي في هذا المشوار لأرى اخي، فتستفز غضبي الكدمات التي اشاهدها ظاهرة على انفه وعينيه!.
بصعوبة عثرنا على شخص يحمل جهاز الثريا ( الجهاز الوحيد المتوفر في ذلك الحين )، فأستأجرت الجهاز لبضعة دقائق، وبعد محاولات عديدة، استطعت التقاط الاشارة واخبرت اهلي بأني وصلت الى المكان الآمن، ثم تحركت سيارتنا متجهة الى البيت.
يتبـــــــــــــــــــــــــــ ع