اخر الاخبار

أشباح الدواعش وهياكلهم الزومبية ترعب أقدم مدن العراق

وكالات
استقر وجهه المدبب وجسده المكتنز بالخطر، دون أن ينفجر بين أضلع بيت السيدة أم نور في منطقة باب البيض أحد أقدم أحياء المدينة العريقة في الساحل الأيمن من مركز نينوى، شمال العراق، بالرغم من مضي شهور على الخلاص من بطش "داعش" الإرهابي.
وتقول أم نور،.."ناشدت جهات معنية، لرفع الهاون من منزلي مخافة عبث الأطفال به وانفجاره لا سامح الله لكن دون جدوى… ما أضطر زوجي بحكم خبرته العسكرية عن خدمته في الجيش العراقي السابق، اضطر إلى إزالة زعنفة الهاون وتغطية الجزء المتبقي منه".
عائلة أم نور هي واحدة من العائلات القلة العائدة التي قابلناها في الساحل الأيمن من الموصل — تحديداً في المدينة القديمة الأكثر ضررا وتدميرا ً على يد تنظيم "داعش" الإرهابي والعمليات العسكرية التي حسمت في أواخر العام الماضي.
زومبي
بين حي وأخر — هناك أشلاء ممزقة — متفحمة — متناثرة — يقول عنها الأهالي من المدينة القديمة، إنها تعود لعناصر من تنظيم "داعش" الإرهابي، بقيت مرمية بعد القضاء عليهم من قبل القوات الأمنية وضربات الطيران العراقي والتحالف الدولي ضد الإرهاب أثناء عمليات تحرير الموصل.
التجول في المدينة القديمة، يُرهب، ويقبض الروح من قلب الإنسان، عدى الهياكل العظمية الزومبية للدواعش — التي شوهت المكان أكثر، هناك دمار هائل حول المنازل والملامح الأثرية والعمرانية إلى أشباح وأشكال تصلح بجدارة أن تكون أبطال لأفلام رعب هوليودية.
كانت المدينة القديمة للموصل، المعقل والحصن الأخير لتنظيم "داعش"، هرب إليها عناصره وقادته من مناطق الساحل الأيسر مع بدء العمليات العسكرية، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016.
وتحدثت موظفة توعية من فريق الموصل — منظمة بغداد لإزالة الألغام، الشابة ولاء الحمداني، في تصريح خاص لمراسلة "سبوتنيك" في العراق، عن حال المدينة القديمة، وحجم الدمار والرعب المخيم عليها حتى اللحظة.
ضد الموت
تقول الحمداني، "اقتصر عملنا في بداية الأمر على إلقاء المحاضرات التوعوية على النازحين في مخيمات النزوح بمناطق "الجدعة، وحمام العليل" جنوبي الموصل، كنا خلالها نلقي الدروس على النازحين بمختلف فئاتهم العمرية أطفالا وشباب ورجالا ونساء لم نحدد فئة دون أخرى فكلهم يحتاجون إلى التوعية خصوصا وأن أغلبهم يقطنون في المناطق الريفية والبدوية وخطر مواجهتهم للألغام قائم.
وأضافت الحمداني، كنا نقوم بتوزيع المطويات والملصقات والكتيبيات التوضيحية التي تلخص المحاضرة بثلاث نقاط مهمة وهي (لا تقترب…. لا تلمس… بلغ فورا) وهي تحتوي على أرقام للاتصال فور تعرضهم لأمر طارئ،… أذكر إننا كنا نلقن "النازحين" الرقم تلقينا لا ندعهم حتى نتأكد من أن الرقم قد طبع في ذاكرتهم، لم نشعر بملل أنا وزملائي في الفريق.-
بعض الناس كانوا يخافون كلامنا يحسبون أن هنالك خطر في المخيم وبعضهم الأخر كانوا لا يأخذون الأمر على محمل الجد وفي وجوههم تعابير واضحة للعيان مفادها " أننا قد خضنا التجربة وكابدنا مرارتها فما هي حاجتنا للتوعية " ونحن نضطر إلى تذكيرهم أن محاضراتنا هذه هي عندما يعودون لمناطق سكناهم فالخطر هناك محدق بهم لا محالة… هذه الكلمات بت أستذكرها جيدا حينما نقل عملنا إلى مناطق الجانب الأيمن حيث رأينا بأم أعيينا الخطر الذي كنا نحذر الناس منه.
تخلع الأفئدة
وصفت الحمداني المنظار في الساحل الأيمن من الموصل، لاسيما المدينة القديمة، بأنها تخلع الأفئدة لشدة الدمار الحاصر بها..بيوت تقدر بالآلاف مهدمة، وأشلاء البيوت وانقاضها حيثما وجهت الأبصار، بين متر وأخر هناك عبوات أو ألغام أو قنابر هاون وصواريخ غير منفلقة.. المئات منها لازالت ملقاة دون معالجة أو رفع من قبل الجهات المعنية سواء الحكومية والدولية.
وحسبما أخصت الحمداني بالذكر، منظمة اليو إن ماس الدولية، باعتبارها الجهة المخولة والمسؤولة عن إزالة مخلفات الحرب من مناطق الموصل، في التقصير بالعمل وعدم رفع العبوات والألغام والصواريخ، مشيرة ً إلى أن كل محاولة لإزالة أي مخلف حربي هي فردية تتم بواسطة مدنيون يضطرون لتعريض حياتهم للخطر وإزالة المخلف بأنفسهم لكي يتسنى لهم العودة أما لدورهم التي لم يتبق للكثير منهم سوى الأطلال أو لمحلاتهم التجارية التي وإن بقيت شاخصة فبضاعتها قد نُهبت لا محالة… وغالبا ما تنفجر هذه المخلفات على من يحاول إزاحتها وينتهي بهم المطاف..بالموت.
وأكملت الحمداني، على الرغم من تخصيص ملايين الدولارات إلا أن الأمم المتحدة ممثلة بـ"يو أن ماس" لم تقم بإزالة لغم واحد من على ارض الموصل،… مستفهمة َ "أين تذهب كل تلك الأموال المرصودة، وهل سيبقى المواطن الموصلي يدفع ثمن احتلال "داعش"، وسط تخاذل المجتمعين الدولي والعربي؟!"..على حد تعبيرها.
لم أكن أملك الشجاعة أول الأمر للتجول في مناطق الموصل القديمة ليس خوفا من الموت وإنما حزنا على ما أصاب مدينتي من دمار لم تشهد له مثيل فكل دار مهدم يحكي قصة فجيعة أصحابه..
وتداركت الحمداني، لكني استجمعت قواي ودخلت مع زملائي بحثا عن مخلف حربي لرفع تقرير به ولوضع علامة تحذيرية تحذر من يحاول الاقتراب منه… دخلنا الزقاق تلو الزقاق فلم يكن بانتظارنا إلا الدور المقصوفة والصواريخ الغير منفجرة.ولفتت إلى أن الدخول إلى المدينة القديمة، لم يكن مسموحا به من قبل الأجهزة الأمنية حتى قبل وقت قصير تم فتحها أمام عودة العائلات التي لم تعد منها سوى القلة القليلة حتى الآن.
إجلاء الدواعش
نقلت لنا الحمداني، عن المدنيين شهاداتهم، بأن القوات الأمنية كانوا يدخلون كل يوم إلى المدينة القديمة، ويخرجون القادة والأمراء الأحياء من تنظيم "داعش"، لأن الكثير منهم بقوا أحياء في المدينة التي بقيت مغلقة لشهور بعد تحريرها من سيطرة التنظيم، في تموز/يوليو العام الماضي.
وتابعت الحمداني، كما أن القوات العراقية، تعتقل بين الحين والأخر، أشخاص كانوا يذهبون بالمواد الغذائية والطعام إلى الدواعش المختبئين في المدينة القديمة.
أما بشأن الجثث والهياكل العظمية، التي مازالت تملأ المدينة القديمة بالذات، بينت الحمداني، بأنها على الأرجح تعود لعناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، كون جثث المدنيين الذين قتلوا إثر العمليات العسكرية والقصف تم رفعها من قبل ذويهم، أما المتبقية لا تقربها القوات الأمنية.
وفي ختام حديثها، تناشد الموظفة التوعوية في منظمة بغداد لإزالة الألغام وهي منظمة غير حكومية مقربها في العاصمة العراقية، الأمم المتحدة وجميع المنظمات المعنية بالعمل على رفع مخلفات الحرب عن مدينتها "الموصل" لكي يتسنى لمدينة الأنبياء أن تعود فيها الحياة من جديد.وتظهر صور وثقناها من الساحل الأيمن، منارة الحدباء التي منها اكتسبت الموصل أحد أشهر ألقابها، وهي تابعة لجامع النوري الذي منه أعلن أبو بكر البغدادي زعيم "داعش"، عند استيلاء التنظيم على المدينة في منتصف عام 2014.