التخريب الاقتصادي حرب مفتوحة / رياض عبيد سعودي

استخدمت الأمم في حروبها منذ العصور القديمة كافة الاسلحة و الاساليب التي كانت لها تأثيراتها المدمرة ذات الطبيعة الاقتصادية من قبيل الحرمة والتفجير والهدم وغيرها من صور التهديدات المأساوية التي تعرضت المواقع الاقتصادية في العالم، واستشعرت كل الدول المتحاربة اهمية هذا الجانب والنتائج التي قد تنجم عنه في اطار احداث اقصى النتائج التخريبية لإمكانات البلد المستهدف لأن في ذلك اضعافاً لقدراته البشرية والمادية. وفي العصر الراهن مارست الولايات المتحدة الأمريكية هذا السلاح في العراق وفي افغانستان وفيتنام وغيرها بغطاء دولي حيث دمر الطيران الامريكي الطرق والجسور والجامعات والمدارس والمصانع ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها ومحطات توزيع وتصدير النفط ومعامل تكريره وغيرها.
الى جانب تدمير القدرات العسكرية بالكامل تقريباً. ومن المعروف أن كل هذه المواقع مدنية لم يصدر عنها أي مواجهات عسكرية لقوات العدوان الامريكي، هذا من جانب, ومن جانب آخر فانها كبدت العراق خسائر مادية جسيمة في اعادة تأهيل تلك المواقع. كما لا زالت العديد من هذه المواقع مدمرة لحد الآن لأن عملية اعادة تأهيلها مكلفة جداً. هذا من ناحية التخريب المادي المباشر، اما من ناحية التخريب غير المباشر فان أوضح صورة له كانت في تولي الحاكم الامريكي برايمر الذي استلم السلطة في العراق حيث وزع مناصب الدولة على اشخاص لا يتمتعون بمواصفات قيادية مما أدى الى تردي أداء الوظيفة العامة وتفشي حالات الفساد المالي و الاداري بصورة عرقلت مسيرة الاقتصاد وأعادته الى الوراء سنيناً عديدة خارج اطار كل مقاييس النزاهة والوطنية.
وقبل ذلك كان للحصار الاقتصادي الذي مارسته أمريكا و40 دولة معها على العراق شل الاقتصاد العراقي الذي كان غير قادر على مواجهة حاجات مواطنيه لعدم وجود الاموال التي تحتاجها عمليات الاستيراد و الانتاج المحلي ما أثر على قدرات الدولة في مواجهة الظروف الصعبة التي نشأت عن الحصار الاقتصادي.
أن التخريب الاقتصادي وفي مجال تحديد طبيعته ومساحة شموليته القانونية فان المقصود به واقعياً هو كل فعل أو الامتناع عن فعل من شأنه احداث تخريب في جانب من جوانب الاقتصاد ونصت قوانين عديدة على تجريم هذا النمط من الجرائم. وقد ينصرف هذا التحديد الى اعتبار الجرائم الاقتصادية تخريباً ولماذا لا يكون كذلك فجرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ لها مساس بالاقتصاد. ألا يمكن اعتبارها تهديداً خطيراً للنشاط الاقتصادي. وعلى هذا الاساس فان الجرائم الوظيفية وجرائم السوق وجرائم التزوير والاحتيال وغيرها تدخل ضمن تصنيف الجرائم الاقتصادية، وهي ايضاً في اطار جرائم التخريب الاقتصادي.
إن عوامل كثيرة تجعل الاقتصاد اكثر تعرضا لمظاهر التخريب أهمها:
1- ضعف الاقتصاد ومحدودية مصادر دخله , لكونه يفتقر الى التنوع في الانتاج , ما يجعله دائماً عرضة للتأثيرات الخارجية. وبسبب نقص الانتاج فيه من مختلف أصناف السلع يجعله دائماً في دوامة الاستيراد , و تبعيته نتيجة ذلك الى السوق العالمية لتأمين حاجاته الاساسية على وجه الخصوص , ما يفتح المجال واسعاً لقوى العدوان أن تجد أكثر من فرصة لزعزعة أمنه الاقتصادي , كما هو الحال فيما تعرض له العراق عند فرض الحصار الاقتصادي الذي أفرغ السوق حتى من المواد الغذائية الاساسية , على عكس إيران التي استطاعت مواجهة الحصار عليها في اطار مواجهة امريكا وأوربا بسبب برنامجها النووي , لكونها بلداً صناعياً وزراعياً.
2- ضعف التشريعات السائدة وشدتها التي يمكن أن تؤثر في حماية الاقتصاد من مظاهر التخريب المحلية والعالمية.
3- تغليب ظاهرة وضع الرجل غير المناسب علمياً وخبرةً في الموقع غير المناسب بدافع الطائفة أو المذهب أو اعتبارات المحاصصة، ما يعرض الاقتصاد الى قرارات غير صائبة ويفتح ثغرات عديدة في جدار الامن الاقتصادي.
4- تفشي الفساد المالي والإداري واقتناص كبار المسؤولين الفرص لتحقيق مصالحهم مستفيدين من هذا المرض الخطير الذي أصاب الاقتصاد العراقي في الصميم.
5- استخدام الوسائل التقليدية البعيدة عما وصل اليه العالم من تكنولوجيا في ادارة الدولة و الاصرار على اساليب العمل التي تفتقر الى الدقة ما اتاح ويتيح الكثير من فرص الاثراء غير المشروع على حساب احد الانشطة الاقتصادية.
6- ضعف الرقابة الشعبية والرسمية سيما في النشاطات الاقتصادية التي تحتاجها بشكل دوري ومستمر، وتمنع تهديدات التخريب الاقتصادي ومواجهتها بشكل مبكر قبل ان تستغل وتصبح معقدة.
مما تقدم , يلاحظ أن كل العوامل المساعدة على وقوع واشتداد أوجه التخريب الاقتصادي موجودة بسبب غياب القيادة الاقتصادية الواعية و الكفوءة، وتغليب الجانب السياسي على المصلحة الاقتصادية الوطنية في كثير من الاحيان. فدخول العراق ثلاث حروب مدمرة أوصلته الى حافة الكارثة الاقتصادية، حيث وصلت ديون العراق في بداية عام 2003 الى اكثر من 140 مليار دولار وارتفعت البطالة الى مستوى مخيف حيث بلغت نسبتها اكثر من 25 بالمئة و 50 بالمئة بين خريجي الكليات بسبب توقف آلاف المعامل العائدة للحكومة وللقطاع الخاص. كما وصلت نسبة الفقر وفق الاعلام الحكومي 19 بالمئة في عام 2012 وهكذا النسبة للبنى التحتية المدمرة بنسبة لا تقل عن 60 بالمئة وتراجع مستوى الخدمات وتزايد اعداد المعاقين واليتامى وغيرها من المؤشرات الرقمية التي تؤكد اننا في كارثة حقيقية لو لا مواردنا النفطية التي تغطي على هذا التردي والتخريب المقصود.