الموازنة المالية الإتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2015 : ما لها وما عليها.. (نقد تحليلي)

د. كامل العضاض
منذ أيام وجّه لي، ضمن نخبة من الكتاب والمثقفين البارزين، الزميل والصديق الدكتور صباح العزاوي، سؤالا مهما يدور حول ما إذا يقع على الجماهير الشعبية عبء الضرائب لتمويل عجز الموازنة المالية للحكومة عن عام 2015، رغم وجود الفساد والهدر؟ وفي رأيي أن ما يُسمى بعبء الضرائب أو تبعاتها،incidence of taxation) )، وهي على نوعين، مباشرة وغير مباشرة، ناهيك عن الرسوم عن خدمات حكومية، ينبغي أن تُفرض ليس فقط لتمويل إنفاقات الموازنة و/أو عجزها، إنما أيضا لغرض تنفيذ ما يُسمى بأهداف السياسة المالية لإدارة الإقتصاد الوطني، إن وجدت هناك أهداف لهذا الغرض أساسا، ولكن تحت إشتراطات وفروض مسبقة، منها؛ تحقيق التوازنات الإقتصادية والإجتماعية؛ ومنها تحقيق أهداف العدالة الإجتماعية، حيث تتوجب دراسة توزيع الدخول والملاءات المالية؛ ومنها لحماية النشاطات الإقتصادية المحلية ولتخفيف التبعية للتجارة الدولية وغزو المستوردات على حساب الصادرات غير النفطية المحلية؛ ومنها لزيادة كفاءة الإنتاج المحلي؛ ومنها لمواجهة آثار بروز حالات تضخم نقدي أو تضخم كسادي أو كساد إنكماشي مصحوبا بإنخفاض القدرات الشرائية وتدني الطلب المحلي ومستوى المعيشة. هذا الجانب المهم الذي يوفر أدوات السياسة المالية يجب أن يتوازى مع تنفيذ سياسات نقدية ومصرفية مناسبة، وهذه كلها توجب وجود دراسات تنبؤية وتحليلية مسبقة ومعمقة ليس على المستوى الكلي، بل أيضا على المستويين، القطاعي والجزئي.
أن الخوض في مفاهيم هذه الأدوات يتطلب حيزا واسعا، قد يخرجنا عن الجواب على هذا السؤال المهم. بيد أن الإجابة عليه تستدعي إحاطة تأملية بقانون وثيقة الموازنة المالية الذي أُحيل الى مجلس النواب. ولجعل بحثنا المركز هذا بعيدا عن الأكاديمية البحتة، سنحاول الإقتصار على الأساسيات. ففي القسم (1)، سنعرض تعريفا موجزا للموازنة وتركيبات ركنيها؛ الإنفاقات المقدرة والإيرادات المقدرة، وكذلك التحويلات والإحتياطات والتوزيعات المختلفة، وكذلك مسألة تمويل العجز المقدر، حينما يحصل، نظرا لتفوق الإنفاقات على الإيرادات المقدرة، او حينما يكون ذلك العجز مقصودا لأغراض تحقيق بعض أهداف السياسة المالية، وهذا جانب لايبدو أنه يقع ضمن فكر مخططي السياسة المالية في العراق، لأن الموازنة المالية تبدو وكأنما هي منظور إليها، كصندوق أو «قاصة» لتصريف الأعمال!، ناهيك عن بدائية اساليب التقدير المفتقرة لأية دراسات علمية تسندها. وسنبين أن للموازنة وظيفتين أساسيتين؛ الأولى، لتوفير الموارد النقدية لتغطية الإنفاقات على الخدمات الحكومية ونشاطات الهيآت غير المرتبطة بوزارات، والتي منها ما تخص إقليم كردستان. وموارد الإنفاقات تأتي عن طريق الإيرادات المقدرة، وهي عوائد تصدير النفط الخام والضرائب المباشرة وغير المباشرة والمنح والإعانات والتحويلات وفوائض مدورة أو إحتياطات، وغيرها. والثانية، لتنفيذ أهداف السياسة المالية لغرض تحقيق التوازنات المطلوبة على وفق أهداف، تحددها، عادة، خطط تنموية وبرامج إستثمارية (1). وفي القسم (2)، سنعرض بتركيز أهم ملامح وثيقة الموازنة لعام 2015، وسنناقشها من جوانب عدة. وفي القسم (3)، سنركز على مصادر تمويل الإنفاقات المقدرة، من جهة، وكفاءة وجدوى هذه الإنفاقات في ضوء وظائف الحكومة لتنفيذ دورها لإدارة الإقتصاد الوطني، من جهة أخرى. و سنناقش، بتركيز، مقدار ملاءمة تركيب الموازنة المالية لعام 2015 مع وظائف الحكومة لتنفيذ السياسات المالية المطلوبة أيضا، الى جانب تحقيق عدالة في توزيع تبعة الضرائب المباشرة وغير المباشرة في الإقتصاد والمجتمع العراقيين. وفي القسم،(4)، سنقدم تقويما عاما، نتبعه بعد ذلك ببعض الإستنتاجات والتوصيات.
(1)- الموازنة المالية لعام 2015:
خصائصها العامة وتركيبها: لم تُشرع موازنة مالية لعام 2014 بسبب التجاذبات السياسية والهجوم الداعشي الإرهابي ولعوامل اخرى. والمفروض أن تُشرع موازنة عام 2015 المقدمة لمجلس النواب، قريبا جدا. وبطبيعة الحال، تتالف الموازنة من جانبين؛ الأول تخصيصات مقدرة للإنفاق الحكومي لتنفيذ برنامجها عن عام 2015، ولمواجهة تحديات الهجوم الداعشي الإرهابي الذي إحتل الموصل وبلدات من ثلاث محافظات أخرى في شمال ووسط وغربي العراق بهدف دحره ولتحرير المناطق التي إحتلها، مما يتطلب إنفاقات عسكرية وامنية كبيرة، وبما يرفع من حجم التخصيصات المطلوبة لهذا الغرض. والثاني هو تخصيصات الإيرادات المقدرة وعجز مقدّر للفجوة ما بين الإنفاق والإيراد؛ سأتناولهما لاحقا. ونوجز أدناه، ببعض التفصيل، أهم بنود هذه الإنفاقات، ثم نتبعها بتحليل الإيرادات والعجز المتوقعة:
تقدير الإنفاقات الحكومية المتوقعة: قُدرت الإنفاقات الحكومية الكلية، مبوبة حسب غرضيها الأساسيين؛ الجاري لتغطية إنفاقات الحكومة لإدارة خدماتها في الإقتصاد العراقي، مبوبة حسب الوزارات والهيآت غير المرتبطة بوزارة، والإستثماري لتنفيذ المشاريع الإنمائية، وهي أيضا مبوبة حسب الوزارات والهيآت المستقلة. وقد بلغ حجم هذه التقديرات الكلية، (سنقرب الأرقام الى أقرب مليون، لتسهيل القراءة وبدون التأثير على نتائج التحليلات)، حوالي؛ (125,203,111)، مائة وخمسة وعشرون تريليوناً ومائتان وثلاثة مليارات ومائة وأحد عشر مليون دينار؛ وتعادل حوالي (111,590)؛ اي مائة وأحد عشر ملياراً وخمسمائة وتسعين مليون دولار. أما طبيعة الإنفاقات فقد توزعت ما بين الجارية بنسبة 64بالمئة، والإستثمارية لتمويل نفقات المشاريع بنسبة 36بالمئة من مجموع الإنفاقات المقدرة. أما نسب توزيع هذه الإنفاقات على الوزارات والجهات المنفذة، فيكفي أن نبين بأن وزارة النفط قد إستحوذت على نسبة 13,2بالمئة منها، يليها إقليم كردستان، بنسبة 12,3بالمئة، وليست هناك إشارة في جداول البيانات الملحقة بوثيقة الموازنة والخاصة بمصادر الإيرادات ما يُشير الى حجم إيرادات مقدرة مستلمة من هذا الإقليم!)(2)0 وتليها، بطبيعة الحال، النسبة المخصصة لوزارة الدفاع، في ظل الظروف الأمنية الحالية، بنسبة 12,2بالمئة. أما بقية نسب الإنفاقات، فتتراوح ما بين 1,3بالمئة المخصصة لوزارة الصناعة، وهي أدنى نسبة غير معقولة في ضوء معضلات النمو في الإقتصاد العراقي. والغريب ان نجد أن تخصيصات الإنفاق على نشاطات مجلس النواب تبلغ 2,4بالمئة وهي نسبة تبلغ ضعف نسبة ما خُصص لوزارة الصناعة، إلا أن وزارة الزراعة ومعها الموارد المائية فقد خصص لهما ما يزيد على 10بالمئة من الإنفاقات. وتليها وزارة البحث العلمي. ولكن 64بالمئة من هذه الإنفاقات هي موجهة، بصورة غالبة، لسد نشاطات جارية وليست إستثمارية. كما أشارت وثيقة الموازنة بأن المشاريع الإستثمارية التي لم تبلغ نسبة تنفيذها الـ 50بالمئة لغاية 1/7/ 2015، سوف يتم توقيفها! (3) ولا نعلم ما هي فلسفة هذا الإجراء ما دامت التخصيصات المفترضة قد أحتسبت؟ هل الإجراء هو بإيقاف التمويل أم بحل المعضلات التي تعوّق التنفيذ؟ ونوجز أدناه ملاحظات موجزة حول حجم وتوزيع هذه الإنفاقات من ناحيتي الأولويات التنموية، من جهة، ومن ناحية أساليب التقدير والتنفيذ:
1. علاقة التخصيصات الإنفاقية بخطة التنمية الوطنية وأولوياتها؛ وضعت خطة التنمية الوطنية للأعوام الخمسة, 2013- 2017، هدفا عاما لنمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي مقداره 13,3بالمئة، بالأسعار الثابتة لعام 2012، على أن تنمو القطاعات السلعية، كالزراعة والصناعة وغيرها بمعدل نمو سنوي مقداره 7,5بالمئة، بينما ينمو قطاع إستخراج النفط الخام بمعدل نمو سنوي مقداره 18.7بالمئة. كما خصصت إستثمارات، بمقدار 282 مليار دولار خلال السنوات الخمس، اي بمعدل 56,4 مليار دولار سنويا. بينما نجد بموجب وثيقة الموازنة عن عام 2015، بأن الإنفاق الإستثماري على جميع المشاريع القائمة والتي لم يُباشر بها لم يتجاوز ال 40 مليار دولار في عام 2015. كما أن نسبة النمو في القطاعات السلعية لم تتجاوز الـ 2-3بالمئة بدلا عن ال 7.5بالمئة المقدرة في خطة التنمية الوطنية. وبهذا يبدو لنا أن الخطط التنموية الموضوعة لا تشكل مرجعا لوضع التقديرات المالية، أو أن وضع التقديرات المالية لا يستند الى دراسات تنبوئية حصيفة. (4)
1. كيفية تقدير الإنفاقات ومضامينها لأغراض السياسة المالية، إن وجدت؟ الموازنة المالية هي ليست مجرد صندوق تتجمع فيه الإيرادات لتنفق حسب متطلبات الإدارة الإقتصادية، إنما هي تشكل أداة رئيسة بيد الحكومة لوضع سياسات مالية بهدف تحقيق توازنات بين النشاطات الإقتصادية الإنتاجية السلعية والخدمية، فزيادة الإنفاق تؤدي الى تحريك الطلب في حالات وجود إنكماش وركود في النشاط الإقتصادي وهبوط في مستويات الأسعار. كما أن تقليص الإنفاق يؤدي الى مواجهة التضخم وإرتفاع المعدلات العامة للأسعار، وتركيز التقليص في النشاطات الخدمية غير الأساسية، مع محاولة المحافظة على الإنفاق الإستثماري، على أن تُعزز هذه السياسات بسياسات مالية مصرفية مثل رفع سعر الفائدة في المصارف لتشجيع الإدخار الوطني ولكبح الإستهلاك الفائض. في كل هذه الأمثلة التي سقناها نريد التوكيد بأن ممارسة السياسات المالية قد يتطلب تحقيق فائض أو عجز مقصود في الموازنة المالية. أما إذا قُدرت الإنفاقات والإيرادات من أجل مواجهة متطلبات إدارة الإقتصاد الوطني بمعزل عن تقدير آثارها على توازنه، فهي تتحول الى إفراز آثار ضارة في سير النشاط الإقتصادي. وعليه، يتوجب إعداد الموازنة بركنيها الإنفاقي والإيرادي على وفق دراسات كمية معمقة لحركة متغيرات الإقتصاد الوطني. ومن خلال قراءة وثيقة الموازنة المالية لعام 2015 مع جداولها المفصّلة للإنفاقات والإيرادات حسب أغراض الإنفاق ومصادر الإيرادات، لم نجد اية إشاره للإعتبارات المالية ولا للآثار الجانبية للإنفاق أو الإيراد على مسيرة معدلات النمو ولا على المستوى المعيشي للمواطنين.
2. هل ثمة إجراءآت لمنع الهدر والفساد و إحلال تقشف مدروس لا يؤثر جوهريا على مستوى معيشة الناس وليس على كفاءة الأداء؟ من المعلوم بأن الفساد قد عم بين نسبة كبيرة من المسؤولين والعاملين والمتعاملين مع الحكومة العراقية، ويكفي ان نذكر بأن حالات الفساد المحالة الى المحاكم قد بلغت خلال السنتين الأخيرتين أكثر من الفي حالة لم يُحسم منها إلا بضع مئات فقط. اضافة الى سرقة المال العام وإستغلال المناصب من أجل الإمتيازات والحمايات للمسؤولين، هناك هدر وضعف في الرقابة المالية في الكثير من أجهزة الحكومة، وهذا فضلا عن ثقل حُزم الرواتب الهائلة المدفوعة للمسؤولين والنواب مع إمتيازاتهم على وعاء الموازنة المالية، بما يحول دون تحقيق أهدافها التي أشرنا إليها. لا يمكن بهذه الحالة وضع موازنة مالية موجهة لسد الإحتياجات التنموية والمالية والخدمية بكفاءة ودقة، وبالتالي سنجد، في النهاية، ان حساب الحقل سيختلف عن حساب البيدر!
1. هل يجب أن نموّل العجز المتوقع بزيادة الإقتراض المحلي والخارجي، ام بتحسين كفاءة الأداء وتوظيف الإدخارات الحكومية التي ينبغي أن تشكل إحتياطيات محسوبة للطوارىء، وإدخارات المواطنين والهيآت والشركات العامة والخاصة؟ في حالة حصول عجز نتيجة لغلبة قيمة الإنفاقات على قيمة الإيرادات، فما هي الطريقة المثلى لسده أو تقليصه؟ هل باللجوء الى الإقتراض وتحمل الفوائد المترتبة عليه، ومن ثم إعتماد ضرائب مباشرة على الدخول والثروات وعلى ضرائب غير مباشرة مفروضة على السلع والخدمات، وخصوصا منها المستوردة؟ نعم، هذا هو الطريق التقليدي لسد العجز، ولكن ينبغي دراسة وتمحيص حالة الشرائح الإجتماعية للسكان المستهلكين، حسب مستويات دخولهم وحالتهم العملية، كأن يكونوا عاطلين أو عاجزين عن العمل أو هم واقعين في شباك الفقر والعوز. كيف نميز بينهم في فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة؟ يعتمد الجواب على نوع التشخيصات المطلوبة على وفق دراسات كمية حصيفة لمستويات المعيشة وللتمييز ما بين الضروريات والكماليات. فحينما تُفرض ضريبة غير مباشرة على سلعة مستوردة ينبغي حساب ما يُسمى بالمرونة السعرية للسلعة على وفق حجم التغير في الطلب عليها، وهذا موضوع يتعلق بإسلوب تقدير الإيرادات حسب مصادرها، سنشير إليه لاحقا. وبالرجوع الى أسلوب وزارة المالية التي تعد خطة تحصيل الإيرادات، نعرف من خلال خبرتنا السابقة في هذه الوزارة بأنه لا وجود لهكذا دراسات، كنا نقترحها، حينذاك بدون إستجابة.
(2)- تقدير الإيرادات المتوقعة في هذه الموازنة:
قُدرت الإيرادات بأنواعها في هذه الموازنة بمقدار يساوي، (99,801,875)، تسعة وتسعين تريليوناً وثمانمئة وواحد مليار وثمانمئة وخمسة وسبعين مليون دينار، وللإختصار سنكتب 99,802 تريليون دينار، او ما يقرب من 100 تريليون دينار، ويساوي 88,950، ثمانية وثمانين تريليوناً وتسعمائة وخمسين مليون دولار. وحسب الجدول رقم (1) الإيرادات حسب الأعداد لعام 2015، الوارد في الملحق في مقدمة الجداول المرفقة مع وثيقة الموازنة لعام 2015، (5)، فقد حسبنا نسب توزيع هذه الإيرادات المتوقعة حسب مصادرها؛ احتسبت النسب من مجموع قيمة الإيرادات الكلية المقدرة التي أشرنا إليه اعلاه.
1- جدول (1) يبيّن نسب توزيع الإيرادات المتوقعة، حسب مصادرها لعام 2015.
الإيرادات الكلية المقدرة = 88,950 تريليون دولار 100بالمئة
ونوجز في أدناه، أهم ملاحظاتنا:
1- يلاحظ، بوضوح، بان الإيرادات من تصدير النفط الخام تشكل 84,4بالمئة من مجموع كافة الإيرادات المقدرة من جميع المصادر. طبعا، الحالة تعكس الإعتماد الساحق على القطاع النفطي، وهذه مشكلة تتطلب بحوثا متخصصة. (أنظر مرجع رقم 6 في ذيل المقال).
2- ويلاحظ، بوضوح، أيضا، بان الضرائب السلعية لا تشكل أكثر من 3،5بالمئة من مجموع الإيرادات المقدرة، وهي نسبة صغيرة لا تتجاوز الثلاثة مليارات دولار ونصف المليار، ولكن تأثيرها على العدالة الإجتماعية لدافعيها تعتمد على كيفية ومعايير تطبيقها، هل السلعة ضرورية؟ وهل تصيب المستهلكين من ذوي الدخول المنخفضة؟ ما هو مقدار المرونة السعرية للسلعة المفروض عليها الضريبة غير المباشرة أو الكمركية، إذا كانت مستوردة، اي هل الطلب غير مرن، اي انها سلعة أساسية لشريحة واسعة من المستهلكين، مثل الأدوية وغيرها، حينئذٍ يجب تجنب فرضها أو جعلها متدنية وغير محسوسة، والعكس صحيح بالنسبة للسلع الترفية. وعلى العموم، فإن القيمة المقدرة لهذا الإيراد من هذه الضريبة بهذه النسبة لا يتجاوز الثلاثة مليارات ونصف مليار دولار، لذا يتوجب الحذر في أسلوب فرضها وتحديد نوعية المستهلكين المعرضين لها، لإن تحقيق العدالة وللحفاظ على مستوى معيشة المواطنين يجب أن تكون من أهداف السياسة المالية للموازنة السنوية.
3- كما يلاحظ أن القطاع العام يوفر أرباحاً سنوية للحكومة بمقدار ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار. والمفروض ان الحكومة تُبقي للقطاع العام بعض أرباحه للتطوير ولإعادة الإستثمار.
4- ويلاحظ أيضا بأن الضرائب على الدخول والثروات منخفضة، ولا تتجاوز ال1,8بالمئة، والمفروض أنها تطال أصحاب الدخول العالية والثروات الكبيرة وليس صغار الموظفين والعمال والكادحين. كما ان الرسوم يجب أن تُفرض على طلب الخدمات الحكومية، حسب حجم مستهلكيها، فكلما كبر حجم طالبي هذه الخدمات، كلما كان من المفروض تخفيض نسبة الرسوم المفروضة، لتقليل عبئها على المراجعين من ذوي الدخول المتدنية.
5- ويصعب التعليق حول نسبة الإيرادات الاخرى لإنها غير محددة، ولكن نسبتها قد توفر، حسب التقدير حوالي ثلاثة مليارات من الدولارات.
6- ثمة ملاحظة أخرى مهمة، تتعلق بإسلوب ليس تقدير نسبة الضريبة، بل بإمكانية تحصيلها باقل كلفة وبالزمن المطلوب وبنزاهة كاملة، وهذا موضوع إداري وتنظيمي وإنضباطي وظيفي، ليس هنا المجال لبحثة.
أن الهدف من هذه الملاحظات هو للإشارة الى العوامل التي تجعل كلاً من تنفيذ حجم الضرائب والإيرادات الأخرى وتحصيلها فعلا، على وفق التقديرات المخططة، قد لا تأتي حسب رؤية المخطط أو المقدر، حتى ولو إعتمد نتائج تحصيل الضرائب بانواعها في سنوات سابقة، لإنه يجب أن تُؤخذ بالإعتبار كافة التغيرات الدخلية وانماط الإنفاق والأذواق ومستويات الدخول بالإعتبار عند إعداد هكذا إيرادات متوقعة. من هنا ياتي نقدنا المنهجي لأرقام الموازنة، على الرغم من أننا لم نطلع على دراسات عن مقدار الإنحرافات ما بين المخطط والمحصل من الضرائب بانواعها والإيرادات الأخرى في سنوات سابقة. هكذا دراسات ستنفع معدي التقديرات المالية للموازنات المالية مستقبلا.
(3)- العجز في الموازنة:
يحصل العجز بالموازنة المالية ليس بسبب دواعي السياسة المالية، إنما لأن التباين بين الإنفاق والإيراد المقدرين لم يُحسبا بطريقة علمية بإحتمال دقة عالية، إنما بسبب تخمينات وطرائق تحصيل وإنفاق غير كفوءة، وذلك بسبب عدم الركون الى دراسات إقتصادية/ إجتماعية ملائمة. وتشير الموازنة المالية لعام 2015 بأن العجز المالي المحتمل ناشيء عن زيادة تقديرات الإنفاقات على الإيرادات بمقدار 23,401 تريليون، أي بنسبة 23بالمئة تقريبا. وحسب وثيقة الموازنة المشار إليها، فإن الحكومة تعتزم سد العجز بأسلوب الإقتراض المحلي والخارجي وبإصدار سندات وحوالات خزينة وغيرها، كخطوة مباشرة، على أمل تحصيلها وتسديد القروض والإلتزامات المالية، لدفع الفوائد وعوائد السندات والحوالات وغيرها من خلال تحصيل الأيرادات فعلا، على مدى السنة المالية عن طريق الضرائب المباشرة وغير المباشرة والأرصدة المدورة وغيرها مما أشرنا إليها سالفا. ونبين في الجدول أدناه خطة الحكومة لتحديد نسب المصادر التي ستعتمدها لتوفير التمويل، وما يترتب على ذلك من فوائد وإلتزامات يجب تسديدها لاحقا:
2- جدول (2) يبين نسب الإقتراض والتمويل المقترحة في الموازنة لتمويل العجز
المصدر الذي حُسبت منه النسب ادناه؛ وثيقة الموازنة المالية لعام 2015.
يلاحظ، بوضوح ما يلي:
1. أن الأرصدة المدورة من عام 2014 تسد 12,8 من العجز المقدر. ولعل المتابع كان يتوقع أن تكون الأرصدة المدورة أكبر من حيث نسبتها بسبب أرتفاع أسعار النفط قبل هبوطها مؤخرا بالمقارنة الى السعر في سنوات سابقة؟
2. ان اصدار سندات خارجية وسندات الدين العام، معا تشكل 52بالمئة من حجم التمويل المقترح لسد العجز. وطبعا، سيرتب ذلك تسديداً للفوائد التي يتوجب دفعها عن السندات المشتراة، مما سيزيد من عبء مديونية الحكومة للسنوات القادمة.
3. أما القروض والحوالات في البندين، 5 و6 في الجدول فتبلغ نسبتهما معا 25,6بالمئة، مما سيزيد من مديونية الحكومة للسنوات القادمة، ايضا.
(4) تقويم مع بعض الإستنتاجات والتوصيات:
استعرضنا بشكل مركز هيكل الموازنة المالية لعام 2015، وأهم ملامح التركيب النسبي للإنفاقات والإيرادات والعجز المقدر، وأبدينا ملاحظاتنا حول مضامينها وتداعياتها وأسلوب إعدادها او تخمينها، لعدم إستنادها الى دراسات تحليلية قياسية ملائمة لهذا الغرض. والسمة الأساسية الواضحة بأن عوائد تصدير النفط تشكل المصدر الأساسي للتمويل، بنسبة تتجاوز ال 84بالمئة، وان بقية مصادر التمويل، كالضرائب على الدخول والثروات والضرائب السلعية غير المباشرة وإستخدام الأرصدة المدورة وأرباح القطاع القطاع العام وغيرها، كلها لا تشكل أكثر من 16بالمئة من قيمة الموارد المقدرة، ومع ذلك، تشوبها بعض السلبيات بما يخص تحقيق عنصر العدالة في توزيع أعباء هذه الضرائب، على وفق الملاحظات التي أبديناها. ونختم بتقديم بعض الإستنتاجات الأولية ونلحقها ببعض التوصيات العامة المركزة.
أهم الإستنتاجات؛ يبدو من خلال التحليلات المقدمة بأن إعداد تقديرات هذه الموازنة لم تستند الى دراسات كمية قياسية تشخيصية دقيقة، كما لم تحسب حساب عوامل الفساد وعدم الكفاءة الإدارية في ضبط قيمة الإنفاقات والموارد المقدرة، بل هي ركنت الى إعتماد اسلوب التقدير التخميني المستند الى الممارسات السابقة. ونخرج ببعض التوصيات العامة في أدناه:
1- العمل على تطوير أساليب تقدير عناصر الموازنة المالية من إنفاقات وموارد وعجز، حسب مصادرها، بإعتماد الأساليب التحليلية القياسية الكمية، توخيا لتحقيق درجة إحتمال أكبر من الدقة وللمساعدة في التشخيص للعلل الإدارية والتنظيمة والفسادية في إعداد الموازنة المالية، بإعتبارها ليست فقط أداة للصرف ولتحصيل الإيراد، بل أيضا كأداة في تحقيق تطوير في الأداء الوظيفي المالي.
2- ينبغي النظر الى الموازنة المالية كأداة مهمة في تنفيذ أهداف السياسات المالية المطلوبة لتحقيق موازنات إقتصادية وإجتماعية في ظل أقصى نمو ممكن للإقتصاد العراقي، خلال سنة الموازنة وما بعدها.
3- وسيبقى الهدف الإستراتيجي هو العمل على ليس فقط حالة الإعتماد الريعي على تصدير النفط الخام، بل أيضا النظر بروية وحذر الى إعتماد سعر برميل النفط المعتمد لحساب الإيرادات النفطية المتوقعة في الموازنة. وهذا الأمر يتطلب إعتماد دراسات تنبوئية علمية حول حجم الطلب العالمي على النفط الخام، عموما والعراقي خصوصا. فمثلا، إعتمدت الموازنة سعر 60 دولاراً متوقعاً لسعر البرميل من النفط الخام العراقي المصدر لسنة 2015، ولكنه الآن يشارف على الهبوط دون الـ 50 دولاراً للبرميل الواحد، وهناك إحتمال بمزيد من الهبوط في هذا السعر خلال العام الحالي. ولكن دراسات وكالة الطاقة العالمية، (IEA)، تشير الى أن سعر البرميل قد يبدأ بالإرتفاع مجددا، وخصوصا في العقد القادم والذي يليه، بسبب إحتمال زيادة الطلب على الطاقة المنشودة في الدول المتقدمة والمستهلكة للنفط الخام. ولكن، في كل الأحوال لابد من دراسات تنبوئية متقدمة لاسعار النفط الخام في التجارة الدولية. ومن باب الحذر كان يجب أن تتبنى هذه الموازنة المالية سعر برميل النفط بـ 40 دولاراً بدلا عن 60 دولاراً، فإذا إرتفع سترتفع الموارد وستقل الحاجة الى الإقتراض، كما سيساعد على تخفيف الحاجة الى زيادة عبء الضرائب المباشرة وغير المباشرة على الشعب.
+++++++
بعض المصادر الرئيسة:
1- د. كامل العضاض؛ خطة التنمية الوطنية للأعوام 2013- 2017منشور في
مواقع وصحف متعددة.
2-قانون رقم )( لسنة 2014 - قانون الموازنة الإتحادية لجمهورية العراق للسنة
المالية 2015.
3-أنظر المصدر رقم 1 أعلاه
4-أنظر المصدر رقم 2 أعلاه
5- أنظر المصدر رقم 2 أعلاه
6-  د. كامل العضاض؛ » الريعية والتنمية المستدامة في الإقتصاد العراقي« مقال منشور في عام 2011.
+++
 *مستشار  إقليمي سابق في الأمم المتحدة