فنلندا.. فوز حزب الوسط هل سيقود الى تشكيل حكومة "قوس قزح" من جديد؟

يوسف أبو الفوز
أغلقت صناديق الاقتراع للانتخابات البرلمانية الفنلندية في الساعة الثامنة من مساء الاحد الماضي، لكن عمليات الفرز استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل، عبر شبكة معقدة من اجهزة الكومبيوتر، تابعة للمركز الوطني للانتخابات وتظهر النتائج اول بأول على شاشات خاصة في مبنى البرلمان حيث حضرت "طريق الشعب" وتابعت نتائج الفرز لحظة بلحظة.
الساعات الاولى من فرز الاصوات بينت بشكل واضح، ان الصراع الديمقراطي بين 15 قائمة وحزبا، على 200 مقعد، حمل حزب الوسط ليتقدم على بقية الاحزاب بهامش قليل من المقاعد ، اذ حصل على 49 مقعدا بزيادة 14 مقعدا مقارنة بالانتخابات السابقة التي جرت قبل اربع سنوات، لكن نصره اعتبر كبيرا بالنسبة لمناصريه اذ جاءبعد خسارة سابقة، ومن مقاعد المعارضة ليتصدر الاخرين. تلاه في النتيجة الحزب اليمني المتطرف، "الفنلنديون الحقيقيون"، محققا 38 مقعدا (- 1)، ثم حزب الائتلاف الوطني الفنلندي (يمين معتدل) ، محققا 37 معقدا (-7)، ثم حزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار)، محققا 34 (- 8)، وهذه هي الاحزاب الكبيرة التي سيكون لها شأن في تشكيل الحكومة القادمة. اما بقية الاحزاب فقد حققت نتائج مختلفة، فحزب الخضر (يسار) نجح في تحسين موقعه بحصوله على 15 مقعدا (+5) ، مما جعل الكثير من المراقبين يعتبرونه اكبر الفائزين، بينما حصل اتحاد اليسار (يسار) على 12 مقعدا (- 2)، في نتيجة غير متوقعة لقادته الذين كانوا يأملون في تحسين موقعهم، أما حزب الشعب السويدي (يسار) فقد حافظ على موقعه بتسع مقاعد، بينما حصل الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط )على خمسة مقاعد بخسارة مقعد واحد.
ولم تكن نتائج الانتخابات بشكلها الحالي مفاجئة للمراقبين، فالاستطلاعات الاولية بينت ان هناك انحسارا في مواقع الحزبين المتحالفين طويلا، الديمقراطي الاجتماعي والائتلاف الوطني، اذ يحملهم الناخب الفنلندي مسؤولية الركود الاقتصاد، فيما نجح حزب الوسط باجراء حملة انتخابية ناجحة، حاول فيها الاقتراب من مطالب مناصريه وهمومهم، فهو بالاساس كان حزبا للمزارعين قبل تغيير اسمه، فاستثمر على سبيل المثال مواقف الحكومة السابقة، التي اذعنت لقرارات الاتحاد الاوربي في اذار الماضي، التي حددت حصص فنلندا من كميات الحليب في الاسواق الاوربية، ما جعل المزارعين الفنلنديين يطلقون جرس الخوف من الافلاس، أذ يشعرون انهم غير قادرين على منافسة مزارعي الدول الاوربية الاخرى الذين لا يواجهون شتاءً قاسيا مثل الشتاء الفنلندي الطويل. خوف الشارع الفنلندي ظل يتركز في ان يتقدم حزب "الفنلنديون الحقيقيون" اليميني المتطرف، على بقية الاحزاب بعدد المقاعد التي تؤهله لتشكيل الحكومة، فجاء فوز حزب الوسط في الانتخابات، كونه الطرف الذي يقود المفاوضات لتشكيل الحكومة، ليعطي شيئا من الامل بإمكان تشكيل حكومة "قوس قزح "، كما يسميها الشارع الفنلندي، وهي التي قد تضم قوى من اليسار واليمين، وتحاول تنفيذ برنامج يخرج البلاد من ازمتها الاقتصادية والسياسية.
مفاوضات تشكيل الحكومة، التي سيقودها قادة حزب الوسط لن تكون سهلة أبدا، فالنتائج المتواضعة التي حصل عليها الديمقراطي الاجتماعي لا تضعه في موقع قوي للتفاوض، وحزب الخضر الذي حقق تقدما كبيرا، اعلن مرارا أنه لا يمكن ان يكون في حكومة يشترك فيها اليمين المتطرف، والذي سيكون لاعبا مهما في المفاوضات لتشكيل الحكومة، وهذا ما يخيف الشارع الفنلندي، خاصة ان حزبي الوسط واليمين المتطرف، حين كانا في صفوف المعارضة، عارضا معا وكثيرا سياسة الحكومة السابقة وخاصة قراراتها في الاتحاد الاوربي، فيما يخص القروض الاوربية، والعلاقة مع حلف الناتو، اذ كان حزب الائتلاف الوطني قد دعا الى المزيد من التعاون مع حلف الناتو بما في ذلك نيل عضويته، وابتكر قادته خلال دورات حكمهم السابقة سياسة "الباب المفتوح" مع الناتو، التي تتلخص في عدم الدخول في عضوية حلف الناتو ارضاءً للشارع الفنلندي وخوفاً من إغضاب الجارة الكبيرة روسيا، ولكنه لم يغلق الباب في التنسيق والتعاون مع الناتو، لتكون فنلندا بدرجة شريك في العديد من نشاطات حلف الناتو في اوربا ومناطق مختلفة من العالم، لكن الحزبيين الفائزين الكبيرين في هذه الانتخابات الوسط واليمين المتطرف، لهما موقفهما الرافض لعضوية فنلندا في حلف الناتو، وهو الموقف الذي يتفقان به مع احزاب اليسار، ما يجعل من هذه الانتخابات في جانب منها استفتاءً يعبر بـ"لا" لعضوية فنلندا في حلف الناتو.
وتعد واحدة من ابرز نقاط الخلاف بين اليمين المتطرف وقوى اليسار، مسألة الموقف من الهجرة والاقليات المقيمة في فنلندا، حيث واصلت قوى اليسار أعتبار الموقف من الهجرة واللجوء ليست قضية اقتصادية، انما قضية تضامن أممي، لها صلة بمسألة حقوق الإنسان ووجوده وليس الاقتصاد في المدى القصير، بينما ظل اليمين المتطرف يدعو لغلق ابواب فنلندا امام الهجرة، ويتحدث بعض قادته في هذا الموضوع بروح عنصرية. ولكن من الجدير بالذكر ان ما يحسب لهذه الانتخابات، وهي الدورة الانتخابية رقم 37 في تأريخ فنلندا، الدورة الاولى كانت في عام 1907، انها حملت لاول مرة، نوابا من خلفيات اجنبية اسلامية فهناك نائبة في الديمقراطي الاجتماعي من اصول افغانية، ونائب في حزب الخضر من اصول تركية، وكلاهما من الجيل الثاني من المهاجرين، الذين وصلوا اوربا وفنلندا أطفالا ونشؤوا وترعرعوا فيها. السؤال المطروح الان من قبل المراقبين، هل سيتم تفعيل تحالف (أخضر ـ احمر) لتشكيل موقف موحد للضغط على حزب الوسط لاستبعاد اليمين المتطرف من دخول تشكيلة الحكومة؟ وما هو الثمن المطلوب مقابل ذلك ؟ ام ان حزب الوسط سيلجأ للتحالف مع اليمين المتطرف واقناع احزاب صغيرة في الانضمام للحكومة لتحقيق اغلبية النصف زائد واحد الكافية لتشكيل الحكومة.