اليسار السلوفيني .. سياسة مناهضة للرأسمالية ونجاحات انتخابية (2-4)

اعداد: رشيد غويلب*
يعد التطور الذي يعيشه اليسار المتحد في سلوفينا، المثال الأكثر وضوحا وفعالية لقوى اليسار في جنوب شرق اوربا، وهنا ايضا يتلمس المتابع التأثير الإيجابي لإنتصار اليسار اليوناني على قوى اليسار في البلدان المجاورة.
و اليسار المتحد في سلوفينا هو تحالف يتكون من ثلاثة احزاب يسارية حديثة التأسيس. وكانت البداية مع «المبادرة من اجل الاشتراكية الديمقراطية» التي ولدت من رحم الحركات الاحتجاجية في ربيع وصيف عام 2013 على يد مجموعة من المثقفين الماركسيين الشباب ، التي نظمت الاحتجاجات الحاشدة ضد سياسة التقشف في سلوفينيا. وبالتعاون مع «حزب التنمية المستدامة»، و»حزب العمال الديمقراطي»، تم الاعلان في 8 اذار 2014 عن تشكيل « اليسار المتحد في سلوفينا». وكان اهتمام وسائل الاعلام على اختلاف انواعها ، في العاصمة السلوفينية «ليوبليانا» مميزا بالائتلاف الجديد، وبحفل اعلان تأسيسه.الذي حضره زعيم حزب اليسار اليوناني الكسيس تسيبراس، و دومينيك هايلغ عضو قيادة حزب اليسار الاوربي
وتبدو حظوظ الائتلاف الجديد جيدة، فضلا عن ان «اليسار السلوفيني المتحد» ملأ الفراغ الذي تركه تحول الحزب الشيوعي السلوفيني الى حزب اجتماعي ديمقراطي، بعد انهيار التجربة الاشتراكية في يوغسلافيا، التي كانت سلوفينيا جزء منها.لقد استطاع اليسار السلوفيني تنظيم حركة احتجاجية ضد سياسة التقشف التي املتها «اللجنة الثلاثية» (صندوق النقد الدولي، المفوضية الاوربية، والبنك المركزي الاوربي) على غرار ما فعلت في اليونان، ويسعى اليسار السلوفيني الى استمرار وتعميق مشروعه. وحصل في انتخابات البرلمان الأوربي على 5.4 في المائة، ولكنه لم يصل الى العتبة الإنتخابية المطلوبة في سلوفينيا، ولم يحصل على مقعد واحد في البرلمان الأوربي من مجموع المقاعد الثمان المخصصة لسلوفينيا فيه. وبعد حملة انتخابية ناجحة استطاع التحالف الحصول في الإنتخابات البرلمانية الوطنية المبكرة، في تموز 2014 ، على 6 في المائة، ضمنت له 6 مقاعد قي برلمان البلاد. وفي الإنتخابات البلدية المقبلة في تشرين الأول 2015 يتوقع ان يحصل التحالف على مقاعد في جميع المناطق التي يتواجد فيها . ويمكن من الأن رصد الحراك الذي ولده هذا التطور الهام داخل قوى اليسار في بلغاريا، وهنغاريا وكرواتيا وبلدان اخرى في الاتحاد الاوربي.
ووفقا لإحدث استطلاعات للرأي نشرتها جريدة «ديلو» واسعة الإنتشار، فان نسبة التحالف بعد عام واحد على تاسيسة وصلت 10.3 في المائة، ليحتل المرتبة الثالثة في البلاد متقدما على الحزب الإجتماعي الديمقراطي. ومن بين العشرة السياسيين الأكثر شعبية في سلوفينيا يقف ثلاثة نواب من كتلته البرلمانية، يتقدمهم رئيس الكتلة الشاب لوكا ميسج البالغ من العمر 27 عاما، والمعروف ببلاغته و قدرته على الإقناع، ويعد الشخصية الأكثر شهرة في اليسار المتحد.
وجاء انطلاق اليسار المتحد في سياق تطور سياسي خاص. فبالنظر إلى القوة النسبية لإنتاج الصناعة السلوفينية، كانت النقابات قادرة مع بداية التسعينيات على منع السيادة التامة لنهج الليبرالية الجديدة، الذي هيمن على معظم بلدان شرق اوربا. وبدلا من ذلك تم العمل بنموذج الإستقرار التدريجي. ومع بدء عملية «التكامل الأوربي» في عام 2004 ، بدأ فرض هيكلية الإصلاح الليبرالية الجديدة. ومع اندلاع الأزمة المالية في عام 2008 ، اصبحت سلوفينيا مرشحة لما اطلق علية آلية الأستقرار الأوربي، وسقطت في ركود اقتصادي عميق.
وكرد على الأزمة المالية عاشت البلاد لشهور عديدة حركة احتجاجية واسعة انطلقت في شتاء 2012 /2013 ، ويطلق عليها في سلوفينيا اختصارا تسمية «انتفاضة الشعب»، وكانت الأحتجاجات كما هو الحال في اسبانيا موجهة ضد تداعيات الأزمة المالية وفساد السياسين، واسقطت الإحتجاجات حكومتين وهزت المشهد السياسي في البلاد.

وبالإضافة الى ذلك يستند اليسار المتحد الى ارث كبير للحركة المناهضة للفاشية، التي حررت البلاد، والتي مازالت تحتفظ بشرعية كبيرة، بالضد من محاولات اليمين تحريف كتابة التاريخ ، لإضعاف تاثير النضال البطولي لحركة الأنصار التي قادها الشيوعيون. وفي هذا السياق يمتلك اليسار المتحد فرصا جيدة لسيتقر كعامل سياسي مؤثر يمتلك الديمومة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- عن مقالة تفصيلية لـ»بوريس كانزلايتر» رئيس مكتب مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية في جنوب اوربا، ومقره بلغراد