الحزب الشيوعي العراقي والإعلام الإلكتروني / جاسم الحلوائي

أصبح الحاسوب وتطبيقاته جزءاً لا يتجزأ من حياة المجتمعات، ثم ولدت شبكة الإنترنت من رحم هذه التقنية، فأحدثت ثورة الإنفوميديا (الوسائط الإعلامية) التي يستند عليها الإعلام الإلكتروني.
والإنفوميديا، هو اندماج التكنولوجيتين الأعظم قوة والأكثر انتشارا، وهما المعلوماتية Information ووسائل الإعلام Media. وتتكون تكنولوجيا المعلومات مـن كـومـبـيـوتـرات وأجهزة تخزين المعلومات. أما تكنولوجيا وسائل الإعلام فهي عبارة عن أجهزة سمعيـة وبـصـريـة كالتليفزيون والـراديو والهاتف وغيرها. والكومبيوتر هو القوة المحركة وراء ذلك الاندماج، وفي الماضي، كان هناك خط فاصل محدد يفصل بين كل تكنولوجيا.
لقد ساهمت الإنفوميديا في ظهور نوع جديد من الإعلام، وهو الإعلام الإلكتروني المقروء والمرئي والمسموع، الذي يعتبر ظاهرة إعلامية جديدة يتميز بسرعة الانتشار والتغيير، والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور وبأقصر وقت ممكن وأقل تكلفة، كما يوفر للمتابع التمتع بحرية أوسع بالمقارنة مع الصحافة المطبوعة. ويحقق التفاعل بين القارئ والكاتب من خلال التعليقات على الأخبار والمقالات. والتفاعل السريع مع الأحداث في لحظة وقوعها في الزمان والمكان. وإضافة إلى ذلك فإن هذا الإعلام يوفر أرشيفاً ومكتبة، ويوفر كذلك البحث عن المواضيع بكل سهولة. وتبعاً لذلك، بات الإعلام الحديث يشكل نافذة مهمة جداً تسمح بنشر المعلومات والحصول عليها. ومن أبرز أنواع الإعلام الحديث هو الجريدة الإلكترونية، التي جرت العادة على تسميتها بالموقع مقترناً باسمها الإعلامي. وعلى غرار كل تطور، فإن هناك جوانب سلبية معينة في الإعلام الحديث، إلاّ أن تأثيرها محدود ولا يتناسب مع أهميته الهائلة إطلاقاً.
لقد انطلق أول موقع للصحافة الإلكترونية على الانترنت في عام 1993 في كلية الصحافة والاتصال الجماهيري في جامعة فلوريدا في الولايات المتحدة. وتعد صحيفة إيلاف التي صدرت في لندن عام 2001 أول صحيفة إلكترونية عربية وبتقنية تضاهي مثيلاتها العالمية.
في عام 1999 انطلق موقع الطريق التابع للحزب الشيوعي العراقي، بمبادرة فردية من أحد كوادر الحزب في السويد، وكانت خطوة مهمة جداً ومبكرة تستحق التثمين. ولكن الموقع لم يطرأ عليه التطور المطلوب، وظل يعمل بإمكانيات شحيحة وبتقنية ضعيفة وإخراج متواضع لفترة طويلة نسبياً. ومع ولادة العديد من المواقع العربية والعراقية المتطورة، وخاصة بعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام 2003، وانتشار الإنترنيت في العراق، تعزز الطموح والاهتمام لدى الحزب وقيادته بتطوير موقع الطريق.
ومع تراكم التجارب والبحث المستمر عن الجيد والأجود من المستلزمات الضرورية، وبالاقتران مع استيعاب متطلبات الإعلام الإلكتروني وتطبيق إمكانيات الإنفوميديا المتنوعة، انطلق قي 10 شباط 2010 موقع الطريق باسم جديد وهو "الحزب الشيوعي العراقي". وتم تحديث وتصميم الموقع في حزيران 2013. ويمكن القول بأن الموقع الحالي يختلف نوعياً من حيث الشكل والمضمون عن الموقع السابق، فالموقع الحالي يأتي في مقدمة مواقع الأحزاب الشيوعية العربية من حيث سرعة نشر الأخبار والمساحة المتوفرة للمقالات وللآراء الحرة، وكذلك بعدد الأقسام والنوافذ وتنوعها. وباعتقادي أنه يضاهي، من نواحي عديدة، المواقع العربية المرموقة والمتطورة، ويشهد الموقع ونوافذه المختلفة إقبالا واسعاً، حيث يصل عدد زواره أكثر من 20 ألف زائر في اليوم أحياناً.
ينشر الموقع صحيفة "طريق الشعب" بانتظام. ويمكن للقارئ تصفحها بطريقة الكترونية وكذلك بطريقة پي دي أف، وفي الليلة التي تسبق صدورها الورقي. هذا إلى جانب وجود مواد الصحيفة المكتوبة التي توفر إمكانية الاستنساخ. وهناك أرشيف للأعداد السابقة، ولأعداد "الطريق الثقافي"؛ أي الملحق الثقافي للجريدة.
وعندما نقوم بجولة على الصفحة الرئيسة، نشاهد بأن الموقع ينشر صحيفة "ريكاي كردستان" لسان حال الحزب الشيوعي الكردستاني- العراق، ومجلة "الثقافة الجديدة"، إضافة إلى مطبوعات حزبية، مثل "الشرارة" وهي سياسية ثقافية عامة تصدرها محلية الحزب الشيوعي في النجف، وصحيفة "بيرموس" وهي فكرية سياسية ثقافية عامة، تصدرها منظمة القوش، ونشرة العمال التي تهتم بالعمال وشغيلة اليد. وانطلاقاً من مبدأ التضامن الأممي، ينشر الموقع صحف بعض الأحزاب الشقيقة، منها "الاتحاد" التي تصدرها الحركة التقدمية الكويتية، وصحيفة "الميدان" للحزب الشيوعي السوداني، وهناك أرشيف لجميع هذه المطبوعات. كما ينشر الموقع بانتظام ما يصدر من بيانات الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية وغيرها من البلدان.
وإذا تحولنا إلى نوافذ الموقع في أعلى الصفحة، لوجدنا أن هناك اثني عشر قسماً وهي: الأخبار، المنبر الحر، المدارات، المجتمع المدني، أدب وفن، التحالف المدني الديمقراطي، فضاءات، الكاريكتير، الصورة، البوستر، الملفات، والإعلانات عن الفعاليات السياسية والثقافية والفنية.
إننا لو توقفنا عند قسم الأخبار، لوجدنا أن هناك تحسناً كبيراً في هذا القسم. فالأخبار تنشر بحرية وبدون تحفظ وعلى مسؤولية مصادرها. وكما أشرنا سابقاً بأن إحدى مميزات الإعلام الإلكتروني هي السرعة، وهذا القسم يحتاج إليها أكثر من أي قسم آخر. ولذا ينبغي العمل على توفير مستلزمات تحسين السرعة وعلى مدار الساعة من العاشرة صباحاً حتى العاشرة مساء!. إن الحركة الدائرية للأخبار لا تعزز السرعة، فالقارئ ليس لديه الوقت الكافي لكي يقرأ عناوين أخبار يومين، وان ما يهمه هو معرفة آخر الأخبار. أعتقد من الأفضل أن تكون آخر الأخبار على الصفحة الرئيسة ثابتة، وتتحرك عند إنزال خبر أو أخبار جديدة، وتأخذ الأخبار القديمة طريقها إلى الأرشيف مع تثبيت آلية (مزيداً من الأخبار).
وبودنا أن نتوقف أيضاً عند قسم "المنبر الحر"، حيث تنشر المقالات التي لا تتطابق بالضرورة مع سياسة الحزب، وهي تنشر على مسؤولية كتابها. ولقد شهد هذا القسم أيضا تطوراً ملموساً. لقد أشرنا سابقاً إلى أن إحدى ميزات الإعلام الإلكتروني هي سعة الحرية. وتطبيق هذه المقولة في هذا القسم يكتسب أهمية أكبر من الأقسام الأخرى. فينبغي أن يكون صدر الموقع رحباً، لكي يحافظ على كتابه ويزيدهم ويعزز حيوية الموقع، فيسمح بالاختلاف أو النقد لهذا الجانب أو ذاك من سياسة الحزب وتاريخه، ولا يسمح بنشر مقالات تعود لأشخاص معادين للحزب، أو مواد تتقاطع كلياً مع سياسة الحزب ونهجه العام، أو تتعمد الإساءة للحزب وتاريخه.
وبالإضافة إلى نوافذ "أقسام الموقع"، هناك نافذة لبث فضائية "ريكا" (الطريق) التلفزيونية، و"فيديو الموقع"، الذي ينشر أفلام فيديو عن نشاطات الحزب ولقاءات تلفزيونية لرفاق في قيادة الحزب وأنشطة حزبية متنوعة. هذا فضلا عن نوافذ "المكتبة الصوتية" و"مكتبة الكتب" و"البوم الصور" و"الأغاني". وبودنا هنا أن نتوقف قليلاً عند "مكتبة الكتب".
من المعروف أن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي تعرض في العقود الأخيرة ولا يزال يتعرض إلى التشويه، فقد تحوّلت بعض الإشاعات المغرضة والإساءات البالغة الموجهة إليه إلى "حقائق راسخة" حتى لدى كتاب ومفكرين ومتخصصين في تاريخ العراق المعاصر، وبعضهم من يحمل شهادات عالية. ولذا فمن المفيد أن تضم المكتبة كتاب عزيز سباهي "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" والكتاب المكمل له " "محطات مهمة من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"، لكاتب هذه السطور، هذا إضافة إلى مطبوعات دار الرواد الأخيرة، وإصدارات موقع الناس، التي تتناول تاريخ الحزب أو الدفاع عنه.
لم يتوقف التغيير فقط على طبيعة الإعلام القديم بظهور الإعلام الجديد، وإنما تعداه لطبيعة الجمهور وموقعه من العملية الإعلامية، المكونة من مرسل ومستقبل ووسيلة ورسالة ورجع صدى، وخاصة جمهرة الشبيبة وهي الشريحة الأكثر تفاعلاً مع قضايا الحداثة والتجديد والعصرنة. فهم يحسنون استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي الفيسبوك والتويتر التي توفر لهم كل المكونات المذكورة ويتم استخدامها من قبلهم على نطاق واسع، بما في ذلك تنظيم النشاطات والفعاليات، خصوصاً في مجال النشاط الديمقراطي والجماهيري، ولم يعد هذا الجمهور منجذباً للإعلام الحي يبقيه كمتلق فقط. فالمطلوب من موقع الحزب أن يأخذ متطلبات جمهور الإعلام الإلكتروني بنظر الاعتبار. فإذا كانت إمكانية التعليق على المقالات في حقل "المنبر الحر"غير ناضجة في الوقت الحاضر، فمن الممكن الاقتصار على التقييم بواسطة عدًاد أو ذكر عدد قراء المقال بعدّاد، والآلية الأخيرة متوفرة في مواقع متواضعة جداً. ويمكن فتح باب "سؤال وجواب". كما يمكن للمرء أن يقترح أيضا توفير إمكانية الحوار المفتوح.
من المعروف أن وظيفة موقعي الفيسبوك وتويتر هي التواصل الاجتماعي، ويلاحظ أن هناك نقصاً في هذين الموقعين العائدين للحزب الشيوعي العراقي في إطار هذه الوظيفة بالذات. إن جمهور هذين الموقعين لا يمكن أن يرجع إلى الوراء ويكون مجرد متلق، حيث يقرأ المواد المنشورة في موقع الحزب نفسها، وغالبيتها العظمى سياسية، وبدون أي تفاعل. من الممكن أن يدخل المتابع على الموقع ويستحسنه، ولكنه لا يعود إليه ثانية!. فالمطلوب هو إعادة الوظيفة الاجتماعية للموقعين المذكورين وتفعيلهما.
على أي حال، لابد من القول أن الإعلام الإلكتروني أصبح محور الحياة المعاصرة وله أهمية كبيرة، لإحاطته بمختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية، وأصبح مستخدمو الإنترنت في العراق في تزايد مستمر في ظل ثورة الانفوميديا، كل ذلك وغيرها من الأسباب التي لا حصر لها، تؤكد أن الإعلام الإلكتروني هو إعلام المستقبل.
ولم يقتصر نشاط الشيوعيين على إعلامهم الإلكتروني، فيساهم الكثيرون منهم، وبمختلف مستوياتهم، في نشر نتاجاتهم في عشرات المواقع الإلكترونية، ولديهم حساباتهم الشخصية في الفيسبوك وتويتر، ولدى بعضهم مدونات شخصية. ويساهمون كذلك في البالتوك والحوارات المفتوحة. ويعمل بعض الشيوعيين في إدارة بعض المواقع اليسارية والديمقراطية، أو لديهم موقعهم الإلكتروني الخاص. وهناك موقع خاص للأنصار الشيوعيين باسم "ينابيع العراق".
ومن المؤسف أن وسطاً من المثقفين والسياسيين يعاني من الأمية الإلكترونية، ويبررون ذلك بمختلف المبررات، وفي حقيقة الأمر أن ما يعوزهم هو إرادة التعلم والاستعداد لبذل جهد معين للتغلب على صعوبة البداية، وإذا لم يتدارك هؤلاء وضعهم، فسيجدون أنفسهم خارج سياق العصر ومتطلباته. فتراهم لا يتمكنون حتى من استخدام التلفون الذكي، والذي بات من الضروريات لوسط متزايد من الناس، في الوقت الذي أصبح استخدامه شائعاً ليس في أوساط الشبيبة بل وحتى في أوساط الفتيان.
وبهذه المناسبة أرجو أن يسمح لي القارئ أن أستثني العديد من أصدقائي من كبار السن من النقد الموجه للأميين الكترونياُ. فلم تسمح لهم ظروفهم، بما في ذلك أوضاعهم الصحية، من استخدام الكومبيوتر. وكم كنت أتمنى أن أتبادل معهم المعلومات بشكل مباشر وسلس، أو أمرر لهم ما أقرأه من مواد ممتعة أو مفيدة.
ولمناسبة العيد الثمانين للصحافة الشيوعية، بودي أن أحيي وأقدر عالياً جهود جميع العاملين في إعلام الحزب الشيوعي العراقي، الذين يضحون بالكثير في سبيل تحقيق إعلام نظيف وصادق ومعاصر، يسهم في تحرير وطننا الغالي من الغزو الداعشي الوحشي، ويكافح ببسالة مع التيار الديمقراطي والقوى الرافضة بصدق للطائفية، من أجل إقامة نظام ديمقراطي مدني يستنهض القيم الوطنية ويقضي على الفساد ويحرص على تحقيق العدالة الاجتماعية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- ثورة الإنفوميديا، تأليف الدكتور فرانك، ترجمة حسام الدين زكريا، مراجعة عبد السلام رضوان، عالم المعرفة - الكويت، كانون الثاني 2000.
2- الويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
3- موقع "موهوبون" الإلكتروني.
4- رسالة من الرفيق سلم علي (أبو جواد)، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، تتضمن معلومات حول موقع الحزب. وأخرى من يونس بولص متي (أبو سيفان)، تتضمن ملاحظات ومقترحات حول موقع الحزب القديم.