إعلام الحزب باللغة الكردية خلال فترة الكفاح المسلح / داود أمين

إعترف الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي، وإعتبر النضال من أجل الديمقراطية في العراق الطريق الأصوب لحل المشكلة الكردية، وأكد على ترابط نضال الشعب العراقي بقوميتيه الرئيسيتين العربية والكردية، والذي سيفضي لتحقيق آمال الكرد في العدالة والحرية والمساواة. وكان لهذا الموقف المبدئي المبكر أثره في إنتساب عشرات ألوف الأكراد في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، وإستشهاد كثيرين منهم تحت التعذيب وفي سجون العهود والحكومات المختلفة، لذلك لم يكن غريباً أن ينتبه الحزب، في وقت مبكر، لإصدار صحيفة مركزية له، ناطقة باللغة الكردية. وهكذا كانت صحيفة ئازادي (الحرية).
صدرت الجريدة في شهر نيسان1944 ، بعد أن تشكل في مدينة السليمانية أول التنظيمات الشيوعية عام 1943. وكانت الصحيفة بإشراف مباشر من قيادة الحزب، ورأس تحريرها ملا شريف ملا عثمان، وساهم فيه قادة الحزب، يتقدمهم يوسف سلمان (فهد) سكرتير اللجنة المركزية، وكانت مقالاته تترجم إلى اللغة الكردية وتنشر في أعدادها، التي كانت تصدر بغير إنتظام بسبب تأزم الأوضاع السياسية أنذاك ، وقد رفعت الصحيفة شعارات وطنية، وأكدت على ترابط نضال الشعبين العربي والكردي، كما عرّت مساوىء النظام الملكي وشنت الحملات ضد رؤوسه.
في 4 نيسان 1959 حصلت الجريدة على إمتياز صحيفة يومية سياسية، وصدرت علنياً في الأول من أيار في مدينة كركوك، وكان لصاحبها ورئيس تحريرها المحامي نافع يونس. وصدرت منها بضعة أعداد ، ثم إنتقلت إلى بغداد في شهر آب من العام المذكور، وحتى 28 تشرين الثاني 1960، صدر 56 عدداً منها، وساهم في تحريرها كل من أحمد غفور، محمد كريم فتح الله ، عزيز محمد، ملا كريم، حسين عارف، وعز الدين مصطفى رسول.
لم تصدر ئازادي يومياً بل مرة في الأسبوع، ثم مرتين وثلاث مرات في الأسبوع، بأربع صفحات في الفترة الأولى وثمان صفحات في فترات قصيرة ، وقد تعرضت الصحيفة للتعطيل بعد صدور عددها ال56، ثم وإلى إلغاء إمتيازها في 26 أيلول 1961 مع عدد من الصحف التقدمية الأخرى، مما ألجأ الحزب الشيوعي، مطلع عام 1962 لإصدار صحيفة كردية أخرى، هي (ريكاي كردستان) طريق كردستان وبشكل سري، لتواصل مسيرة سابقتها العلنية (ئازادي)، واستمرت هذه الصحيفة في الصدور حتى مطلع عام 1972 لتمهد الطريق أمام جريدة (الفكر الجديد) التي صدرت في 18 حزيران 1972 في بغداد باللغتين العربية والكردية.
وبعد تصدع وإنهيار الجبهة بين الحزب الشيوعي العراقي وسلطة البعث عام 1979 توقفت جريدة (الفكر الجديد) مثل شقيقتها جريدة الحزب المركزية (طريق الشعب) ومجلة (الثقافة الجديدة). ولذلك كان على الحزب وهو ينتقل للمعارضة ويرفع شعار إسقاط النظام، ويشكل قوات الأنصار في جبال كردستان، أن يفكر في تنشيط إعلامه الكردي الخاص. وهكذا تم تكوين هيئة الإعلام الكردي.
وعندما بدأت إذاعة الحزب بالبث في منطقة بيتوش شرقي سردشت، تكون لها قسم يشرف على الإذاعة بقسميها العربي والكردي، وكان البرنامج الكردي باللهجتين السورانية والكرمانجية، وإستمر العمل في القسم الكردي للإذاعة إلى أحداث بشتاشان، حين توقفت الإذاعة بقسميها وأحرقت. بعدها إنتقل الإعلام إلى منطقة لولان، وكانت برامج القسم الكردي غير المركزية تعد من قبل أعضاء القسم، وتشمل بيانات الجبهة الكردستانية، وأخبار العمليات العسكرية للأنصار، وأخبار العمليات الإرهابية للسلطة، وتداعيات الحرب العراقية الإيرانية، اضافة الى برنامج ثقافي إسبوعي وأناشيد وأغاني ثورية، أما القضايا المركزية كبيانات الحزب السياسية وإفتتاحيات» طريق الشعب» فكانت تترجم إلى الكردية وتذاع من القسم، وكان مسؤول القسم الكردي عضواً في هيئة الإعلام المركزي للحزب، الذي يشرف على قسمي الإذاعة وجميع منشورات الحزب المركزية. وقد لعبت الإذاعة الكردية دوراً كبيراً وهاماً في دعم الإنتفاضة الطلابية عامي 1982 و1984 في كردستان، وكان صدى ما تقدمه يصل للعاملين عبر المفارز الأنصارية والتنظيم الحزبي.
أما في مجال النشر فقد ترجمت هيئة الإعلام الكردي جميع البيانات التي كانت تصدر عن قيادة الحزب، كذلك ترجمت البلاغات العسكرية. كما أصدرت صحيفة (ريبازي بيشمركة) نهج الأنصار منذ شباط 1980 وبثماني صفحات. وفي عام 1980 أيضاً، تم تجميع كل منشورات الحزب حول القضية الكردية، وترجمت إلى الكردية ، وتم طبعها في إيران بمساعدة حزب تودة الإيراني، ووزعت بشكل واسع في مدن وارياف كردستان. أما الصحيفة المركزية للجنة إقليم كردستان الحزبية (ريكاي كردستان) قد عاودت الصدور باللغتين العربية والكردية مطلع عام 1980، ثم بالكردية فقط. وكان عدد شباط في تلك السنة حافلاً بالمواضيع والأخبار السياسية، إلى جانب المقال الإفتتاحي المعنون (سياسة مشبوهة لن يكتب لها النجاح) فضحت فيه مواقف الحكم الدكتاتوري من الثورة الإيرانية ومن حقوق الشعب الكردي القومية العادلة. وقد إستمرت الجريدة بالصدور، متخذة مختلف الأحجام تبعاً لظروف العمل في المناطق الجبلية، ثم انتقلت لجنة الإقليم التي تصدر هذه الصحيفة إلى منطقة نوكان. وكانت الصحيفة تطبع 500 نسخة توزع على اللجان المحلية التابعة للإقليم ، وهي محليات اربيل والسليمانية وكركوك وبهدينان، وعلى التشكيلات الأنصارية. ثم ?نتقلت هيئة الإعلام الكردي التابعة للإقليم، إلى منطقة بشتاشان مع الإعلام المركزي وقيادة الحزب. وبعد احداث بشتاشان وإنتقال إعلام الحزب إلى لولان، أصبحت (ريكاي كردستان) تصدر من طرف الرفاق الأكراد العاملين في الإعلام المركزي، في حين إنتقل مقر اللجنة الحزبية للأقليم إلى منطقة برزان. وبعد إنتقال لجنة الأقليم إلى مقر مراني في بهدينان، عادت (ريكاي كردستان) لتصدر من مراني، ومن قيادة الإقليم مباشرة، وباللهجتين السورانية والبهدينية، وبآلات بسيطة كالرونيو والطابعة. وبقيت تصدر حتى معارك الأنفال في آب1988، حين توقفت مثل معظم فعاليات الأنصار.
وفي الإعلام المركزي فقد طرح القسم الكردي فكرة إعادة إصدار مجلة (يري نوي) الفكر الجديد، كمجلة فصلية، وبالفعل صدرت عام 1984، بمئة صفحة، وبمواد ثقافية عامة تتناول السياسة والإقتصاد والشعر والقصة ومختلف جوانب الأدب.
ويمكن القول أنه كان للإعلام الكردي، خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي هيئتان إعلاميتان، واحدة تابعة للجنة إقليم كردستان الحزبية ومهمتها الرئيسة إصدار جريدة (ريكاي كردستان) والثانية تابعة للإعلام المركزي ومهمتها الرئيسة هي إدامة القسم الكردي في الإذاعة المركزية، وكان البعض من الإعلاميين الكرد ينشط في الجانبين.
وبالرغم من المهام الرئيسة المشار اليها للهيأتان الإعلاميتين الكرديتين، إلا أنهما ساهمتا في الكثير من المهام الإعلامية الأخرى. فعلى مستوى النشر ترجم كراس (شروح في المادية التأريخية) وتم طبع وتوزيع ألف نسخة منه كما أعدت وترجمت من الفارسية إلى الكردية. الجزء الأول من (القاموس السياسي)، وترجمت رواية إيتماتوف (المعلم الأول)، وترجمت أيضاً كتاب (الأرض الطيبة) لبريجنيف. كما ترجمت للكردية جميع بيانات ووثائق جبهتي (جود) و(جوقد) وتقارير اللجنة المركزية للحزب وكل ما يصدر عنها من بيانات. وساهم الإعلاميون والمثقفون الشيوعيون الأكراد، في تحرير والكتابة في مجلة (بيرو) وهي مجلة أدبية صدرت في صفوف الأنصار عن (إتحاد أدباء كردستان) وقد طبع العدد الثاني من هذه المجلة من قبل إعلام الحزب الشيوعي العراقي. كما تمت ترجمة وإصدار كراس (مصادر الماركسية الثلاثة)، وترجمت كراس (حزب الطبقة العاملة من طراز جديد). كذلك تم الرد على منظمة (آلاي شورش) راية الثورة بكراس عنوانه (إلى أين تسير راية الثورة) وإشترك المثقفون الشيوعيون الكرد في تأسيس (رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين الأنصار) والمساهمة في الكتابة لمجلتها (ثقافة الأنصار)التي صدرت باللغتين العربية والكردية، كما تمت ترجمة جميع وثائق المؤتمر الوطني الرابع للحزب.
وأصدرت لجنة إقليم كردستان للحزب عام 1986 العدد الأول من مجلة (ريكاي ئاشتي وسوسياليزم) طريق السلم والإشتراكية، وإستمرت هذه المجلة في الصدور حتى العدد 26 عام 1991، وهي مجلة نظرية كانت تصدر في براغ بأكثر من 80 لغة, تتناول قضايا الحياة في العالم، وأخبار الحركة الشيوعية العالمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
_ فائق بطي. الموسوعة الصحفية الكردية في العراق/ الطبعة الأولى/ بيروت/ دار المدى 2011.