وصفي طاهر.. رجل من العراق ...عرض للكتاب / عبد الرزاق الصافي

هذا هو عنوان الكتاب الذي حوى وقائع وشهادات عن السيرة الذاتية للشهيد وصفي طاهر وعن التهيئة لثورة الرابع عشرمن تموز 1958، التي كان من ابطالها .وهو الكتاب الذي تعاون على كتابته وتوثيقه إبنة الشهيد نضال وزوج إبنته نسرين رواء الجصاني.وصدر الكتاب عن مؤسسة بابيلون في طبعة انيقة ،وحوى عشرات الصور والوثائق التي زادت عن المئة والتي توثّق حياة الشهيد وصفي طاهرالعائلية والدراسية والمهنية الى جانب وقائع وشهادات عن التهيئة لثورة 14 تموز 1958 ونجاحها واغتيالها .
توزّع الكتاب على عشرة فصول.كان الفصل الاول يتحدث عن سنوات النشأة والعائلة
فيذكر ان وصفي ولد في بغداد في العاشر من تموز1918،واكمل دراسته الابتدائية في مدرسة المأمون والمتوسطة والاعدادية وكلها في مناطق وسط بغداد.
وكان من بواكير بروز وعيه الديمقراطي التقدمي محاولته مع عدد من الشبان العراقيين التطوع ،وهو ابن السادسة عشرة او السابعة عشرة ، للكفاح ضد الانقلاب الفاشي في اسبانيا، الذي قاده الجنرال فرانكوبدعم من المانيا النازية وايطاليا الفاشية في النصف الثاني من ثلاثينات القرن الماضي. وبسبب مشاعره الوطنية شارك القوات العراقية التي اشتبكت مع القوات البريطانية في قاعدة سن الذبّان/الحبانية في عام 1941. ويتطرق الفصل الى زواجه عام 1943 والى مهامه في الجيش في مختلف انحاء العراق بالاضافة الى العاصمة بغداد، حيث عمل في الحلة والن?صرية ، الامر الذي مكّنه من الاطلاع على احوال الوطن في شتى البقاع.
وتحدث الفصل الثاني عن مشاركته في الحرب ضد الصهاينة في فلسطين، بناء على طلبه وإسهامته في تشكيل اول فصيل للمقاتلين الفلسطينيين خلف خطوط القوات المعادية . ويورد الفصل صورا وثائق وبرقيات تتحدث عن دوره في المعارك قبل توقف القتال وعقد الهدنة.
وكرّس المؤلفان الفصل الثالث عن الفترة من 1950الى 1958 إذ جرى الحديث عن التمهيد لثورة الرابع عشر من تموز 1958والبدايات الاولى لتشكيلات الضباط الاحرار.وتذكرزوجة الشهيد وصفي السيدة بلقيس عبد الرحمن في ذكرياتها/مذكراتها انه صار كثير الخروج من البيت بسبب انشغالاته في الاسهام في تكوين خلايا الضباط الاحرار. كما يورد العديد من المؤلفين الحديث عن إسهام الشهيد وصفي في نشاط الضباط الاحرار وخصوصاً الباحث المرموق البروفسور حنا بطاطو والكاتب القومي احمد فوزي والباحث حسن العلوي والباحث ليث الزبيدي والعقيد محسن حسين الحبي? وناجي طالب وغيرهم.
وجاء الفصل الرابع بعنوان (الضباط الاحرار ولجنتهم العليا عشية الثورة ليتحدث عن اتصالات وعلاقات مع شخصيات واحزاب سياسية ليشير الى ان عبد الكريم قاسم كان يتصل بالحزب الوطني الديمقراطي وبالحزب الشيوعي العراقي عن طريق رشيد مطلك، وكان المقدم رفعت الحاج سري في حزب الاستقلال وصلته مع آخرين من الضباط الاحرار عن طريق محمد صديق شنشل وفائق السامرائي ومحمد مهدي كبة . ويورد الفصل وقائع عن تشكيل اللجنة العليا لقيادة الثورة واسماء اعضائها استناداً الى ما ذكره الضابط محسن حسين الحبيب والمؤرخ عبد الرزاق الحسني مؤلف كتاب تار?خ الوزارات العراقية، إذ يرد اسم الشهيد وصفي بإعتباره عضواً في اللجنة العليا, كما اورد الفصل وقائع محاولات لم تكتمل للقيام بالثورة في العام 1958 قبل الرابع عشر من تموز نفس العام.
وجاء عنوان الفصل الخامس" 1958 _1963 قيام الثورة ..تفرد ، وخلافات ،واغتيال الجمهورية الاولى". ونظراً لإمتناع الشهيد وصفي عن كتابة مذكراته تورد عقيلته بلقيس عبد الرحمن في ذكرياتها/مذكراتها ان بعض الاصدقاء طلبوا من الشهيد وصفي ان يكتب مذكراته عن ثورة الرابع عشر من تموز فكان يرد قائلاً" اذا اردت ان اكتب فسأكتب بصدق وصراحة. وذلك سيغضب الكثير ممن لا اريد ان يغضبوا". وفي شهادته امام محكمة الشعب تحدث بإقتضاب عن دوره في تنفيذ مخطط الثورة، إذ كان مكلفاً باعتقال نوري السعيد الذي استطاع الهرب من بيته بسبب تعجل بعض الض?اط بإطلاق النار قبل تطويق بيت نوري السعيد. وتطرق الشهيد وصفي في هذه الشهادة التاريخية الى قضية مهمة جداً إذ قال "ان قيادة الضباط الاحرار لم تكن قد حددت مطلقاً التحاق العراق بعد قيام الثورة بالجمهورية العربية المتحدة ..
بل ان ابرز الاهداف كان رفع مستوى الشعب العراقي وتوحيد صفوفه ثم يجري استفتاؤه فيقرر ما يريد. وكان ذلك من منطلق اشاعة الديمقراطية في البلاد".
وتحدث الفصل عن تفاقم الخلافات بين عارف وقاسم بعد نجاح الثورة، والى محاولة عبد السلام عارف اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم. وحوكم عبد السلام يومها بتهمة محاولة إغتيال الزعيم وحكم عليه بهذه التهمة.
ومن عناوين الفصل الفرعية " وصفي طاهر _ رفعت الحاج سري"و"عن محاولة اغتيال الزعيم في شارع الرشيد"و"العلاقة تتوتر اكثر بين رجلين" وصفي والزعيم ، بسبب ان وصفي، كما تذكر زوجة الشهيد وصفي بلقيس عبد الرحمن، كان يحذر الزعيم دائماً بأن معاديه من الرجعيين لا يمكن ان يكونوا إلى جانبه ويخلصوا للثورة. فلم يستمع له. وكان قاسم يعمل على العكس بعد ان ادخلوا في رأسه ان الشيوعيين بدأوا يتآمرون عليه".
وسجلت بلقيس في مذكراتها نقلاً عن زوجها وصفي"إنه نصح قاسم أن يشكل مجلساً لقيادة الثورة، وان يرشح نفسه- اي قاسم- لرئاسة الجمهورية"وهو ما لم يقتنع به قاسم . وكان من نصائح وصفي للزعيم " ضرورة منح الاكراد حقوقهم لمنع مواجهة ضد الثورة ...وأيضاً حول ضرورة دعم تشكيل جبهة من الاحزاب السياسية وإشراك ممثليها في الحكم منعاً للتفرد".
وكرّس المؤلفان الفصل السادس المعنون "حول مصرع نوري السعيد في 15تموز1958" للحديث عن وقائع هروب نوري السعيد من بيته في الساعات الاولى من اعلان الثورة وتنقله بين بغداد والكاظمية والعثور عليه في محلة البتاوين في بغداد متنكراً بعباءة نسائية والاجهاز عليه من قبل المواطنين وذلك قبل ان يصل وصفي الى موقع الحدث. وكان هذا الفصل، شأن الفصول الاخرى معززاً بشهادات عدد من المؤلفين .
ومن المهم هنا ان نورد نصاً للشهيد فاضل عباس المهداوي حول الامر إذ قال" كان الزعيم قد طلب من مرافقه المخلص الامين العقيد وصفي طاهر ان يجلب - نوري السعيد - حياً لا ميتاً...كان الزعيم له حكمة .يريد ان يجعل من هذا الطاغية المجرم شخصاً خائناً لشعبه وأمته ووطنه....عندما يحاكم فيعترف ويفضح اسرار الاستعمار.."
اما الفصل السابع فقد جاء بعنوان" وصفي طاهر والعلاقة مع الشيوعيين،والحزب الشيوعي العراقي".وخلاصة هذا الفصل هي ان الشهيد وصفي رغم توجهاته التقدمية لم يستجب لطلبات بعض الشيوعيين للإنتماء الى الحزب الشيوعي، وكان يعرب عن ايمانه بالقول" انني أفيد اكثر من موقعي هذا خارج التنظيم " كما تذكر زوجته فيما كتبته عن هذا الامر. ويورد المؤلفان بهذا الصدد شهادات عدة من الدكتورة نزيهة الدليمي وعزيز سباهي وزكي خيري وصالح مهدي دكله وثابت حبيب العاني والفنان محمود صبري ونجم الدين السهروردي عن علاقة وصفي بالحزب الشيوعي قبل الثور? وبعدها. ويختتم المؤلفان هذا الفصل بما اورده الباحث(اوريل دان)عن علاقة وصفي بالشيوعيين إذ قال"كانت هناك شخصية مهمة بنوع خاص:المقدم ثم العقيد وصفي طاهر، المرافق الاْقدم لقاسم. فقد كان يتقلد عين الوظيفة عند نوري السعيد. فهي والحالة هذه، وعلى وجه الدقة لم تكن وظيفة جديدة ،لكنها اتخذت طابعاً متميزاً الآن، ومثله مثل المهداوي وماجد محمد امين، فما لبث وصفي ان صار اسمه مقروناً بالشيوعيين من خلال لقاءاته بهم والتحدث بلغتهم ،وهو كالمهداوي وماجد لم يكن عضواً في الحزب قط "
ورغم اهمية كل فصول الكتاب إلا ان الفصل الثامن له اهمية خاصة إذ ورد بعنوان" انقلاب الثامن شباط واستشهاد وصفي طاهر" وكالعادة يستشهد المؤلفان بما كتبته السيدة بلقيس عبد الرحمن زوجة وصفي عن اليومين الاخيرين من حياة وصفي طاهرإذ قالت "بتاريخ الاربعاء 6 شباط 1963اتصل الزعيم عبد الكريم قاسم هاتفياً بوصفي طاهر ليلاً، وطلب حضوره الى مقره في وزارة الدفاع، فأسرع إلى ارتداء ملابسه والتوجه الى هناك على الفور، وبقي الى صباح اليوم التالي- الخميس 7/2/1963، وحين عاد قال لي: لقد اطلعني الزعيم على قائمة بأسماء الضباط الذين ي?برون مؤامرة ضد الثورة .واكثرهم من البعثيين."...وقد سأل وصفي الزعيم ماذا تريدني ان افعل وانا ليس لي غير مسدسي؟! سأنزل الى الشارع مع الشعب واقاتل" فرد عليه قاسم لا تتكلم هكذا، فأنا سأسحق المتآمرين، ولن ادع المؤامرة تمر"فقال له وصفي" ليكن في علمك ان المعادين للثورة من الرجعيين وغيرهم إلتفوا حول البعثيين ومعهم اذناب الاستعمار. والقوة كلها سلمتها لهم، في ذات الوقت الذي جرى فيه إبعاد المخلصين من الضباط وحتى الجنود عن المراكز المهمة، وأنا وغيري من محبيك نتوقع في كل ساعة ان تحدث مؤامرة، ولكنها ستكون هذه المرة حالة?كبيرة لا نعرف نتيجتها. وربما تنجح. وعندها سينتقمون من كل مؤيديك والجمهورية."وقد اجابه الزعيم"إطمئن، الجمهورية قوية والشعب قوي، وسوف ترى كيف سأقضي على المتآمرين".فقال له وصفي " انت المسؤول عن سلامة البلاد والشعب، ويجب ان تأخذ حذرك ولا تصدق كلام المنافقين".
لقد اوردت هذا الاستشهاد الطويل نسبياً لإثبات المسؤولية الكبيرة التي تقع على الشهيد عبد الكريم قاسم في اغتيال الجمهورية، برفضه اتخاذ أي إجراء يجرد المتآمرين من إمكانية إستخدام القوات التي تركها عبد الكريم قاسم تحت امرتهم لإسقاط الحكومة والانتقام من الشعب.فمن المعروف ان الحزب الشيوعي فضح نوايا المتآمرين واورد اسماءهم ومراكزهم. غير ان غرور قاسم جعله يمتنع عن إتخاذ اي إجراء ضدهم. وما ذكره الشهيد وصفي للزعيم بهذا الخصوص، اورده بالاضافة الى الحزب الشيوعي، السياسي العراقي محمد حديد، إذ يذكر هو ايضاً في مذكراته إن? حذر الزعيم مما يحاك ضد الجمهورية والقوى الديمقراطية، غير أن جواب الزعيم كان نفس ما قاله لوصفي. أي الانتظار حتى تحرك المتآمرين !
ويورد المؤلفان في هذا الفصل تفاصيل احداث اليوم المشؤوم، الثامن من شباط 1963 وما قبله من محاولات تسميم وصفي طاهرومراقبة الشهيد جلال الاوقاتي، الذي كان اغتياله في صبيحة الثامن من شباط ساعة الصفر لبدء تنفيذ المؤامرة. وغيرها من الوقائع. وتذكر السيدة بلقيس انها علمت بعد شهور من انقلاب شباط الاسود من احد العسكريين اسمه نعيم سعيد أن" وصفي طاهر ذهب مع الزعيم الى وزارة الدفاع في باب المعظم بعد بدء المؤامرة، وكان يعاتب قاسم بشدة ويقول له " هذا ماحذرتك منه"وكان قاسم يرد"ليس وقت حديث كهذا الآن"
أما الساعات الاخيرة من حياة وصفي طاهر كما وردت في برنامج تلفزيوني عام 2007 لمناسبة الثامن من شباط ، إذ ذكر احد آخر عسكريين إثنين بقيا مع وصفي طاهر حتى اللحظات الاخيرة يوم التاسع من شباط وهو مرافقه الشخصي نعيم سعيد ، الذي أكد ان وصفي طاهر طلب منه ومن سائقه فيصل عذاب، وكانوا في وزارة الدفاع يقاومون الانقلابيين ان يسلما نفسيهما بعد وضوح النتيجة ونفاذ ما معهما من ذخيرة ، قائلا لهما إنه هو المطلوب اساساً من قبل الانقلابيين، وحينما استدارا للانسحاب، سمعا بعد لحظات صوت طلق ناري انهى به وصفي طاهر حياته". وهكذا نفّ? ما قاله امام زوجته وامام عبد الكريم قاسم بالذات في اوقات سابقة بإنه سيقاوم أية محاولة لإسقاط الثورة، وسيحتفظ بآخر رصاصة لنفسه .
اما الفصلان الأخيران التاسع والعاشر فقد كان التاسع بعنوان ما بعد 9/2/1963 وهو تاريخ استشهاد وصفي ، كما مر بنا. والفصل العاشر كان بعنوان" ويخلد وصفي طاهرنفسه:رجلاً من العراق". والفصلان يحويان
وقائع ومعلومات عن العائلة وتوثيق بعض الامور التي تخص الشهيد ورسالة من زوجته الى الجواهري الكبير وكلمة لمحمود صبري في وداع بلقيس الى مستقرها الاخير في براغ في آذار2001 تتحدث عن مآثر الفقيدة واقتباس من ذكريات الجواهري الكبير عن الشهيد وصفي ونشر بعض ما كتبه لمناسبة ذكرى تأسيس الجـــيـــش العراقي بعنوان جيش الشعب.
كما ان الصور والوثائق التي وردت في الكتاب والتي تزيد عن المئة أغنت الكتاب وشوقت القارئ لقراءته والاستفادة منه في التعرف على وصفي طاهر، الشخصية المتميزة بعلاقاتها مع عائلته واصدقائه ومحبيه، واهمية دوره المرموق في التحضير لثورة الرابع عشر من تموز 1958ونجاحها وسعيه إلى حمايتها من التآمر عليها وتنبيه الشهيد عبد الكريم قاسم إلى المخاطر المحيطة بها ، والتي أدت الى إغتيالها في الثامن من شباط الاسود 1963.