دراسة : الفقراء اكثر نشاطا من الأغنياء

طريق الشعب
الصورة النمطية التي يعكسها الإعلام المحافظ عن سكان بلدان الجنوب الكسولة خاطئة. فقد اثبتت دراسة ان سكان البلدان الغنية يعملون اقل من نظرائهم في الجنوب الفقير.
والغريب ان هذا الإعلام يحاول في زمن الأزمات الاقتصادية التي لا يمكن فصلها عن طبيعة النظام الرأسمالي السائد في جميع البلدان الصناعية في العالم، يلجأ عادة إلى هذا الاسلوب لتحميل شعوب وبلدان الجنوب اعباء الأزمة التي صنعت في الغرب. ولعل تعامل الإعلام الرأسمالي مع اليونان شعبا وحكومة خير مثال على ذلك، فالأزمة المالية الاقتصادية في هذا البلد هي نتيجة "للكسل وفقدان الرغبة في " العمل ". وكررت الصحف اليمنية المحافظة وبالمانشيت العريض ويصيغ مختلفة "اليونانيون الكسالى"، وخاطبت احدى كبريات هذه الصحف رئيس الوزراء اليوناني، بان اليونانيين مسؤولون عن بؤسهم، وان " لدى المانيا ديونا مرتفعة، ولكننا قادرون على تسديدها، لاننا نستيقظ مبكرين ونعمل اليوم بأكمله". ان الإتهام القائل ان الاستعداد للعمل يتناقص كلما اتجهت جنوبا نحو الأجواء الداقئة، ما هو الا افتراء محفوظ ومكرر.
قام البروفسور الأمريكي الكسندر بك بالتعاون مع دافيد لاغاكوس من جامعة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ونيكولا فوكس شوندلن من جامعة فرنكفورت الألمانية، بدراسة مشتركة لهم بحساب الدخل الناتج خلال سنة واحدة في 43 بلدا. ويرى اقتصاديون ان المعطيات التي خرجت بها الدراسة موثوق بها لانها حلت المشاكل المرتبطة بساعات العمل وتوقيتاته في كيف نتعامل مع الفراد الذين يزاولون أكثر من عمل؟ كيف يتعامل الباحث مع فرص العمل في قطاع المعلومات، و العمل الموسمي والإجازات؟
وتوصلت الدراسة، ضمن امور أخرى، الى النتائج التالية: متوسط العمل في البلدان الفقيرة اكثر بـ 50 في المئة من متوسط العمل في البلدان الغنية. ويضم الثلث الأكثر فقرا في هذه البلدان أوغندا وفيتنام وتنزانيا وغيرها. ويبلغ عدد متوسط ساعات العمل الأسبوعي للبالغين في هذه البلدان 29 ساعة. وفي الثلث الأكثر غنى والذي يضم اضافة الى بلدان اخرى الولايات المتحدة الامريكية، والمانيا وفرنسا، فان متوسط ساعات العمل الأسبوعي يبلغ 19 ساعة. وان العمل في البلدان الفقيرة بشكل ملحوظ اقل انتاجية. ويرى هؤلاء الاقتصاديون ان هذا الاستنتاج منطقي، لان الإنتاجية هي العلاقة بين العمل المبذول والإنتاجية الاقتصادية المتحققة.
وتوصل الباحثون، في ضوء النتائج المتحققة الى ان الفوارق الاجتماعية بين البلدان في الواقع اكبر من حصرها في نتائج مقارنة الأداء الاقتصادي. لانه يتوجب على الفقراء العمل طويلا للحصول على مداخيلهم المنخفضة. وعندما يقارن المرء الفوارق في مستوى الاستهلاك، يجد ان البلدان المترفة، في المتوسط، 16 مرة اغنى من الثلث الأشد فقرا في البلدان الفقيرة. وعند ملاحظة طول ساعات عمل الفقراء فان الفرق يصل الى 22 مرة.
وتفتقد اوساط واسعة من سكان البلدان الفقيرة حيازة الأجهزة الكهربائية لانجاز الأعمال المنزلية مثل الغسالات، والمكانس الكهربائية وما شابه ذلك، ولهذا يحتاجون الى وقت اطول لانجاز هذه الأعمال. والاستنتاج الذي توصل له الاقتصاديون: " ان سكان البلدان الفقيرة ليس الاكثر فقرا في الاستهلاك، وانما في اوقات الراحة ايضا". والصحيح ان العمل بمفرده لا يحقق الرفاه، ولكن من دون العمل ستصبح الأوضاع اكثر سوءا