المنتدى الاجتماعي العالمي في مونتريال – كندا 2016

جاسم الحلفي
انعقد المنتدى الاجتماعي العالمي للفترة من 10-14 أب 2016، في مونتريال في كندا، للمرة الأولى في بلد غربي غني، وعضو في مجموعة السبعة، بهدف الإشارة إلى الشرخ التقليدي بين الشمال والجنوب، والتصدي للمشاكل المشتركة مثل اللامساواة أو البيئة، وضد التسيير النيو ليبرالي للاقتصاد، وديكتاتوريات الأسواق المالية، وتفكيك المجتمعات، ومن أجل إقامة الديمقراطية الآن، والمساواة والإنصاف والتضامن، والعدالة والسلم، ومن أجل حماية البيئة، والإعراب عن الرفض للانقسام بين الشمال والجنوب، اذ ان اللا مساواة الاجتماعية تتزايد في كل مكان.
بدأت أعمال المنتدى الاجتماعي مساء يوم الثلاثاء 9 اب الماضي، والذي حضره 50 ألف شخص يمثّلون حركات المجتمع المدني في 120 دولة، بالمسيرة الافتتاحية الأممية التي انطلقت من ساحة (لافونتين) إيذانا بانطلاق أعمال المنتدى، حيث استقطبت اهتمام وسائل الإعلام الكندية والدولية وكذا المهتمين والمتتبعين للمنتدى، وسط حضور دولي من مختلف التنظيمات العالمية وفعاليات المجتمع المدني، سارت المسيرة في احد اكبر شوارع مونتريال، وشارك فيها أكثر من 3 آلاف ناشط دولي من دعاة العولمة البديلة. رافعين لافتات تعبر عن مطالبهم وأبرزها (من أجل تغيير السياسة الاجتماعية).
ومنذ يوم 10 آب تحوّلت قاعات جامعات مونتريال (جامعة مكيل "mcgill" وجامعة كيبك UQAM وجامعة كونكورديا Concordia وكلية مونتريال القديمة Cégep" du vieux montreal") إلى ورش عمل فكرية وعملية للحركة الاجتماعية العالمية. إذ أقيم أكثر من ألف نشاط مختلف على هامش المنتدى، منها ورش عمل، محاضرات وعروض في كافة أنحاء مونتريال، وخصوصا في الجامعات، كما عقدت نحو 100 ندوة نوعية قدمها كبار قادة حركات اجتماعية مناهضون للاحتكارات وعدم المساواة، وقادة نقابيون، وسياسيون يساريون ومن انصار حماية البيئة، ومفكّرون واساتذة جامعات وكبار الاعلاميين، ومن أبرز المشاركين (نعومي كلاين) الصحافية الكندية المتخصصة في شؤون البيئة والناشطة في مجال العدالة البيئية، والعدالة الاجتماعية، صاحبة كتاب (عقيدة الصدمة.. صعود رأسمالية الكوارث)، و(الفاروغارسيا لينيرا) نائب الرئيس البوليفي، و(إدغار موران) عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي واشهر كتبه (الفكر والمستقبل، والهوية الانسانية, الى اين يسير العالم)، والقاضي (غيسلان بيكار) رئيس جمعية كيبيك واللابرادور للسكان الاصليين، كذلك 30 برلمانيا من قوى اليسار في العالم، منهم نواب حزب التضامن في كيبيك كل من (فرانسواز دايفيد) الناطقة باسم كتلة حزب التضامن في الكيبيك، و (مانون ماسي) المهتمة بأصوات المهمشين.
حاولت جاهدا، وحيث ما أمكن متابعة ورصد توجهات واتجاهات المنتدى، اذ يستحيل على المرء الإحاطة به، وكانت هذه المهمة شاقة، لم اتمكن من تأدية ابسط فقراتها لولا الفريق الاممي الذي تطوع لمساعدتي من أصدقائنا الأوربيين من ايطاليا بشكل خاص وفي مقدمتهم السيدة مارتين، ومن النرويج رئيس منظمة كاريبو اليرت روستروب، والنقابية العمالية برنيلا أودكورد، وداعية السلام الامريكية كيري، والشابة العراقية الراقية منى الخباز، التي جهدت بخدمة الترجمة دون عجز او ملل، وصديقتنا داعية السلام الأمريكية كيري، وفيما يلي ابرز إسهاماتي في المنتدى:
1- عقدنا في صباح يوم 10 اب لقاءات مكثفة مع ماريتا ومع ناشطين دوليين آخرين، وتجولنا في عدد من خيام الفعاليات وقاعاتها، ورسمنا جدول عمل مشترك، وبدأنا بالتحضير للتحشيد لورشتنا الخاصة بالحركة الاجتماعية في العراق.
2- رتب لي الأصدقاء الدوليون إسهاما في ندوة كبيرة نظمت للقوى المدنية السورية، على احدى قاعات جامعة مكيل (mcgill)، وكانت مناسبة مهمة، إذ تحدثت عبر فيلم بواسطة شاشة سينمائية كبيرة، أكاديمية ناشطة في مجال حقوق الإنسان، عن المساهمات الأساسيات في الحركة المدنية الاحتجاجية السورية، حيث قدمت عرضا مكثفا للوضع السوري ركزت فيه على استخدام العنف من قبل النظام السوري، ودخول الإرهاب كمتغير ساهم في زعزعة الأوضاع مما أثر في وجود القوى المدنية.
من جانبي تطرقت إلى العوامل المشتركة بين العراق وسوريا، من حيث التدخل الأمريكي من جانب والتدخلات التركية والسعودية والايرانية والقطرية، ودخول داعش واحتلالها ثلث مساحة العراق، واقترافها جرائم بحق الانسانية من بينها سبي النساء الأيزيديات. وبينت الأسباب التي مكنت داعش من تحقيق اهدافها في العراق، من بينها المحاصصة الطائفية والاثنية واستشراء الفساد. وتطرقت إلى دور الحركة الاجتماعية في العراق وحركة الاحتجاج، ورفضها المحاصصة التي أوهنت الدولة ونتجت عنها بيئة صالحة للإرهاب والفساد. وركزت على استمرار الاحتجاجات ومواصلتها وقد أنهت عاماً كاملاً وهي مستمرة، متمسكة بالأسلوب السلمي. ولقيت المداخلة ترحيبا واسعا وردود فعل ايجابية من الحاضرين والناشطين، الذين قدم العديد منهم استفسارات حول طبيعة الحراك وأهدافه.
3- عقد يوم الخميس 11 اب، لقاء مشتركا عبر السكايب بين زملاء في المنتدى الاجتماعي العراقي الذين تجمعوا في جمعية الامل العراقية، وزملاء دوليين مهتمين بالشأن العراقي في احدى قاعات المنتدى الاجتماعي في كلية مونتريال القديمه ( Cegep du vieux montreal)، وكان الحضور متقارب من حيث العدد في الغرفتين كليهما ، اذ بلغ 20 ناشط، في كل جانب. تحدث الزملاء من بغداد عن تحضيرات المنتدى الاجتماعي في بغداد في دورته الثالثة، ومن جانبنا نقلنا لهم صورة عن المنتدى الاجتماعي العالمي وابرز فعالياته، وتبادل الطرفان طرح الاسئلة واجوبتها.
4- عقدنا يوم الجمعة 12 اب ندوة مخصصة للحركة الاحتجاجية في العراق، على احدى قاعات جامعة (كيبك UQAM)، حضرها عدد من الناشطين الدوليين، وقدمت ورقة بعنوان ( الحقوق والحريات والضمانات الاجتماعية عنوان حركة الاحتجاج في العراق) تطرقت فيها الى الخلفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي انطلقت على اثرها الحركة الاحتجاجية، وبينت ان أهم مظاهرها هو تعمق الفوارق الاجتماعية بفعل الاستقطاب الكبير في توزيع الدخل والثروة، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. كما بينت مطالب الحركة الاحتجاجية المتمثلة في إصلاح النظام السياسي ومحاربة الفساد ومطلب الخدمات التي تمس معيشية وحياة المواطنين. وركزت على سلمية الأسلوب الذي مارسه المواطنون في التعبير عن حقوقهم. وبينت النتائج الملوسة للحراك الاحتجاجي، وتوقفت عند ابزر الاستنتاجات وهي لا يمكن أن تحقق الفعاليات الاحتجاجية والتظاهرات الشعبية كامل أهدافها ومطالبها السياسية دفعة واحدة.
5- اشتركت يوم السبت 13 اب، في الوقفة الاحتجاجية المستنكرة لإجراءات الحكومية الكندية المعقدة لمنح تأشيرات الدخول لعدد من الناشطين الدوليين من اسيا وافريقيا، وعدم منحها لآخرين، اذ رفضت السلطات الكندية منح تأشيرات دخول لعدد من النشاطين تجاوز عددهم230 ناشطا. بينهم شخصيات مهمة في تأسيس المنتديات الاجتماعية ومواكبتها منذ انطلاقتها.
6- ساهمت في اجتماع لجنة التنسيق الدولية للمنتدى الاجتماعي العالمي، هو اجتماع مهم تطرق إلى ثلاثة محاور ركز الاول على تقييم أعمال هذا المؤتمر والعراقيل التي واجهته. اذ اخذت قضية عدم منح تأشيرات الدخول اغلب وقت المناقشات، معتبرة ذلك موقفا مقصودا من السلطات الكندية هدفه اقصاء فقراء العالم من المشاركة في المنتدى، الذي تشكل اساسا ضد التهميش ومن اجل مكافحة الفقر على مستوى الكوكب،
فيما اختص المحور الثاني بدراسة التحديات التي تطرح على المنتدى، إذ شهدت الأوضاع الدولية تطورات جديدة، لم تكن موجودة أبان تأسيس المنتدى قبل ما يقارب عقد ونصف من السنوات، وبحث اهمية تكريس فضاء للحوار الديمقراطي بين مختلف منظمات المجتمع المدني الدولي، والسعي إلى أن يكون المنتدى صوتا للشعوب في مواجهة الهيمنة الامبريالية، وفضاء لصنع البدائل بالتقاء نساء ورجال يناضلون في مجتمعاتهم ويعملون عن قرب، ضد التسيير النيو ليبرالي للاقتصاد، وديكتاتوريات الأسواق المالية، وتفكيك المجتمعات، ويصارعون من أجل إقامة الديمقراطية والمساواة والإنصاف والتضامن، والعدالة والسلم، ومن أجل حماية البيئة. وتم التركز على فكرة المنتدى الاساسية، واهمية تجديدها ومواكبتها التطورات، مع التأكيد على أفقية التنظيم، حيث يقوم على مبادرة المشاركين فيه، وان يبقى كإطار تنسيقي، لا يتخذ قرارات يفرضها على الناشطين بل يصدر بيانات تلخص مقررات مختلف ندواته، والمحافظة على التنوع كي يشمل كل مناحي الحياة، والعمل على تشجيع مبادرات التغيير السلمي، وتفعيل حضور أصحاب المصلحة فيه، ومبادراتهم إلى طرح القضايا والنضال من أجلها.
أما المحور الثالث فقد تناول بحث مكان عقد المنتدى الاجتماع الدولي القادم، ويبدو من خلال النقاش سيتم عقده في البرازيل. ودرس فكرة توسيع المنتدى بما يتلاءم مع التحديات العالمية الجديدة.