- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 06 تشرين2/نوفمبر 2016 10:26

جاء إعلان البنك المركزي المصري يوم الخميس 3 نوفمبر الجاري عن تحرير سعر صرف العملات لتصبح خاضعة للعرض والطلب، ليمثل خطوة جديدة ستؤدي إلى تحميل أصحاب الأجور والمعاشات ومحدودي الدخل المزيد من أعباء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضخمت عبر السنوات الأربعين الماضية بسبب الاستمرار في تنفيذ سياسات التبعية للاحتكارات الرأسمالية العالمية والخضوع لشروط مؤسساتها المالية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي. ورغم أن هناك أساليب عديدة لتعامل البنوك المركزية والحكومات مع العملات، فإن الحكومة المصرية اختارت أسوأها، وهو التعويم المطلق، بدلاً من التعويم المدار الذي يتم فيه تدخل الدولة عند الضرورة لمنع انهيار العملة ولمواجهة المضاربين بها.
لقد أدى ذلك القرار الكارثي غير المسبوق إلى تخفيض قيمة الجنيه المصري في لحظة واحدة بنسبة 48% من 8.8 جنيهات للدولار إلى 13 جنيهاً، ثم إلى 15 جنيهاً ، بعد يومين من صدور القرار، ولم يتم الاكتفاء بخفض القيمة الشرائية للجنيه بل تم في مساء يوم صدور القرار رفع أسعار البنزين والسولار بنسب تتراوح بين 36% و48%، مما سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات إلى مستويات غير محتملة وكارثية بالنسبة للأغلبية الساحقة من المصريين.
إن قرار محافظ البنك المركزي جاء تنفيذاً لسياسة أقرتها الحكومة والرئيس السيسي، كما أنه تنفيذ لمطلب دائم لصندوق النقد الدولي منذ عقود ضمن ما يسميه "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، الذي تتركز عناصره في تعويم العملة المحلية، وخصخصة القطاع العام، وإنهاء الدور المباشر للدولة في الاقتصاد، والتحرير الكامل للأسواق، وتحميل الفقراء والطبقة الوسطى أعباء هذا البرنامج عبر تخفيض الدعم ورفع أسعار السلع وزيادة الضرائب العمياء التي تصيب كل من يستهلك السلعة أو الخدمة التي فرضت عليها دون تمييز، مثل ضريبتي المبيعات والقيمة المضافة، وفي المقابل فإن شريحة الأثرياء الكبار، التي حددتها إحصاءات العام 2014 بنسبة 10% من السكان، والتي تستحوذ على 73.3% من إجمالي الثروات في مصر، لن يفرق معها ارتفاع أسعار السلع، بل إنهم سيواصلون استهلاك السلع المستوردة الترفية والكمالية مهما كلنت أسعارها، بما يؤثر سلبياً على فعالية تخفيض الجنيه مقابل الدولار في تقليص الواردات كما تدعي الحكومة.
وإذا كان المروجون لبرنامج الصندوق داخل مصر يدعون أن تخفيض العملة المحلية وتعويمها سيؤدي إلى زيادة الصادرات وتدفق الاستثمارات الأجنبية، فإن الواقع الحقيقي يكذب تلك الدعاوى، حيث أن الصادرات لن تزيد إلا إذا كان لدينا إنتاج قادر على المنافسة العالمية من حيث الجودة والسعر وفائض على الاستهلاك المحلي، أو إنتاج موجه للتصدير في اقتصاد ينمو ويتطور وتوجد به استثمارات جديدة وفعالة تنتج تلك السلع، وفي الحقيقة فإن القوى الإنتاجية المصرية تم تخريبها طوال عهدي السادات ومبارك وحتى الآن عبر تصفية الصناعة والزراعة وصفقات الخصخصة الفاسدة للقطاع العام لصالح كبار المستوردين ووكلاء الاحتكارات العالمية والرأسمالية الريعية، كما أن جلب الاستثمارات له شروطه، وفي مقدمتها حالة الاستقرار السياسي والحالة الأمنية، ومدى استقرار السوق، وهو ما لا يتوفر في مصر.
وقد جاء هذا القرار المعادي لفقراء مصر بعد يومين من قرارات أخرى منحازة للمستثمرين المصريين والأجانب، صدرت عن الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر، والذي يضم رئيس مجلس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي، ووزراء الدفاع والداخلية والتجارة والصناعة والعدل والاستثمار ورؤساء المخابرات العامة، ومسئولين آخرين، حيث خرج الاجتماع بـ17 قراراً دارت أغلبها في فلك التخفيض الضريبي وإلغاء ضرائب أخرى، بالإضافة إلى تخفيض في أسعار بيع أراضي العاصمة الإدارية الجديدة، وهي قرارت مبنية على قانون الاستثمار الصادر في عام 2015، وقد صدرت خضوعاً لابتزاز رجال المال والأعمال والرأسماليين واستجابة لمطالبهم، واستمراراً لنفس سياسات السادات ومبارك الاقتصادية.
إن هذا القرار سيدفع بالفقراء إلى جحيم الغلاء، ويدفع المجتمع إلى حالة من الفوضى المدمرة، في وقت هو في أشد الحاجة فيه إلى سياسات للعدالة الاجتماعية تصمن وحدته وتماسكه في مواجهة الإرهاب المتستر بالدين والمخططات الأمريكية الصهيونية، وعملائهما داخل مصر.
إن حزبنا والأحزاب والقوى الاشتراكية تطرح منذ عقود البرنامج البديل لتجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة، والذي يتمثل جوهره في استخدام إمكانياتنا الذاتية أساساً لتنمية وتطوير القطاعات المنتجة (صناعة وزراعة وغيرها) وقيادة القطاع العام لخطط تنمية مستدامة يشارك فيها الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي بضوابط وحقوق تتناسب مع ما يقدمه اقتصادياً واجتماعياً ضمن خطط التنمية، والمكافحة الحازمة للفساد والاحتكار، وحظر استيراد السلع غير الضرورية أو التي لها بديل محلي، وتحميل العبء الأكبر في مواجهة الأزمة المالية والنقدية للطبقات الأكثر ثراءً عبر سياسات ضريبية عادلة وحازمة، والتوزيع العادل لعوائد التنمية لصالح الطبقات الأكثر فقراً في الأجور والخدمات، وفي هذا الصدد يرى الحزب الشيوعي المصري أن الحد الأدنى للأجور الذي تحدد في عام 2014 بمبلغ 1200 جنيه شهرياً، لم يعد كافياً لمواجهة أعباء انخفاض القيمة الشرائية للجنيه بشكل متواصل خلال الأعوام الثلاثة الماضية والارتفاعات المتواصلة في أسعار السلع والخدمات المصحوبة بالتخفيض المتواصل في دعمها، وأنه وفقاً للمعدلات الحكومية الرسمية فإن الحد الأدنى للأجر لابد ألا يقل عن 1600 جنيه شهرياً لأصحاب الأجور والمعاشات.
ويدعو الحزب الشيوعي المصري الأحزاب والقوى الاشتراكية والتقدمية إلى الإسراع بالعمل المشترك لمواجهة السياسات الحكومية المعادية لمصالح عشرات الملايين من الفقراء والكادحين، والمدمرة للقوى المنتجة في البلاد لصالح كبار المستوردين والرأسمالية الريعية ووكلاء الاحتكارات العالمية.
القاهرة في 5 نوفمبر 2016
الحزب الشيوعي المصري
المكتب السياسي