- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 13 تشرين2/نوفمبر 2016 18:57
لطفي حاتم
صدر عن "دار الرواد" في بغداد لعام 2016 كتاب جديد للباحث الاقتصادي الدكتور صالح ياسر حسن موسوما بـ "الخصخصة والإصلاحات الاقتصادية بين خيبات العقيدة ورهانات الواقع محاولة في نقد الخطاب والممارسة " يتعرض الكتاب الى الكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية مجتهدا في مقارنة الشعارات الايديولوجية للاقتصاديين من ذوي المدارس الليبرالية الجديدة مع الوقائع التي نتجت عنها .
وبسبب سعة موضوعات الكتاب وتشابك مضامينها نحاول التوقف في عرضنا المكثف عند مفاصل الكتاب الاساسية.
المفصل الاول بنية الكتاب الهيكلية ومنهجيته
- تشكلت هيكلية الكتاب من عناصر البحث الاساسية المقدمة ، أهمية الدراسة وأهدافها ، اشكالية الدراسة وفرضياتها ، منهج الدراسة اضافة الى تخومها الزمنية وهيكليتها.وأكد الباحث الدكتور صالح حسن على ان دراسته والإشكاليات الواردة فيها تنطلق من (المنهج المادي التاريخي القادر لوحده على دراسة وتفكيك اشكالية الدراسة ) اضافة الى المنهج الوصفي لقدرته على وصف النتائج السياسية والاجتماعية والاقتصادية للتجارب الواقعية قيد الدراسة الواقعية.
ولإعطاء فترة زمنية لدراسته فقد حددها الباحث من ( بداية الثمانينيات من القرن العشرين الى عام 2015 ).
ــ اعتمد الباحث الدكتور صالح ياسر في بناء دراسته على مقدمة و ثلاثة ابواب رئيسة وقد احتوى كل باب على عدة مباحث تضمنت بدورها فصولا مقسمة الى مطالب.
ــ في مقدمة دراسته أكد الدكتور صالح حسن على ملاحظات تمهيدية تناولت موضوعة الاطاحة بالكينزية وأسباب صعود الليبرالية الجديدة وهيمنتها في الفكر الاقتصادي والسياسي وصولا إلى فشلها بعد التحقق من نتائجها التخريبية الاقتصادية والاجتماعية.
في الباب الاول من دراسته الموسوم (الرأسمالية المعاصرة انتاج معرفة صحيحة ام حرب مصطلحات؟ تناول الباحث العولمة وتناقضاتها. اما المبحث الثاني والثالث فقد تطرق الباحث الى اشكال اقتصاد السوق الرأسمالي متوقفا عند السوق (الاشتراكي ) المعتمد صينيا.
الفصل الثالث من الباب الاول الذي جرت منهجيته في ثلاثة مباحث تناول الدكتور صالح حسن دور المؤسسات المالية وسياساتها في تخريب اقتصاديات البلدان النامية بعد اجبار الاخيرة على الاخذ بوصفات التكيف الهيكلي. وفي نهاية الفصل الثالث تعرض الباحث الى المديونية الخارجية وآثارها على اقتصادات البلدان الضعيفة فضلا عن كيفية معالجتها.
في الباب الثاني من الكتاب والذي جاء عنوانه من المجرد الى الملموس درس الباحث تجارب الخصخصة انطلاقا من الوقائع الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عنها ، وقد احتوى الباب الثاني على أربعة فصول تناول الباحث في الفصل الاول منها تجارب آسيا معنونا الفصل الثاني بآسيا قارة المعجزات والخيبات. وعند دراسة الباحث تجارب آسيا تعرض الى الدولة ودورها في الاقتصاد الوطني ، متوقفا عند دول المعجزة الاسيوية ثم الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على اقتصادات هذه الدول وفي مبحث اخر من الفصل الاول تطرق الكاتب الى التجربة الصينية متفحصا اقتصاد السوق الاشتراكي الذي ميز تجربة الانتقال من الاقتصاد المركزي الى اقتصاد السوق.
في الفصل الثاني من الباب الثاني تناول الباحث تجارب مختارة من الخصخصة والإصلاحات الهيكلية دارسا التجربتين التونسية والمصرية وبعض ملامح التجربة الجزائرية في الخصخصة.
الفصل الثالث جاء بعنوان التجارب الاوربية الانتقال من الاشتراكية الى الرأسمالية عبر منهج العلاج بالصدمة تدرج الباحث عبر مباحثه من التجربة الروسية الى التجربة البولونية وأخيرا توقف الباحث عند الحصيلة الاجمالية لهذه التجارب المتسمة بخراب اقتصادي ونتائج سلبية على التشكيلات الاجتماعية لتلك الدول.
تطرق الباحث في الفصل الرابع ومباحثه الاربعة الى مسيرة امريكا اللاتينية وانتقالها من الدكتاتورية الى الديمقراطية متوقفا عند التجربة التشيلية ونتائجها الاقتصادية المتسمة بالتمايزات الطبقية الحادة التي خلفتها، وصفة العلاج بالصدمة وفي السياق ذاته اوضح الباحث مسارات التجربة البرازيلية في الخصخصة ونتائجها المريرة وعلى النهج العلمي ذاته تناول الباحث تجارب الخصخصة في المكسيك
في الباب الثالث والأخير والموسوم من العام الى الخاص تناول الباحث التجربة العراقية متعرضا لها بفصلين الفصل الاول كشف الباحث المراجع الفكرية والنظرية لخطاب الخصخصة في العراق بعد عام 2003 وفي الفصل الثاني حاول الباحث قراءة الخطابات الرسمية المعتمدة على برامج التكيف الهيكلي مقدما في هذا الفصل ملاحظات واقعية حول اعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة وملاحظات حول استراتيجية التنمية الصناعية حتى عام 2030 اضافة الى ملاحظات اخرى حول مسودة قانون الاصلاح الاقتصادي في العراق وأخيرا يطرح الباحث تساؤلا كبيرا حول مآل الدولة العراقية تحت عنوان البلاد الى اين
المفصل الثاني قضايا تكميلية
يتكون الكتاب من 590 صفحة موزعة بين الفصول والمباحث وقد اعتمد الدكتور صالح ياسر في سفره الاكاديمي على 450 مصدرا ما بين كتاب ومقالة وبحث موزعة بين كتب ، مجلات علمية ومواقع الكترونية ولغرض اغناء وترصين مضامين دراسته استعان الباحث بمصادر من لغات عديدة منها العربية ،الانكليزية ،البولونية ،الفرنسية والسويدية.
المفصل الثالث بنية الكتاب النظرية
أولا خاض الباحث الدكتور صالح حسن كفاحا منهجيا ونظريا ضد ركائز الليبرالية الجديدة المستندة على الخصخصة ، برامج التكيف الهيكلي فضلا عن اشتراطات المؤسسات المالية من خلال كشف دورها في تخريب اقتصادات الدول الوطنية ودول الرأسمالية الناهضة.
ثانيا ركز الباحث في تحليله المنهجي والفكري على قضايا الخصخصة وطبيعة الاسواق ونتائجها السياسية والاقتصادية الواقعية معريا بذلك زيف الشعارات الجذابة التي حملتها الليبرالية الجديدة المعبرة عن مصالح الرأسمال المعولم.
ثالثا توقف الباحث وهو محق في ذلك عند دور الدولة وأهمية وظائفها الاقتصادية / الخدمية متعرضا للتجربة الصينية وسوقها (الاشتراكي ) المعتمد على تدخل الدولة في بناء اقتصادها الوطني الراعي لإدامة وتطور شبكة الضمانات الاجتماعية.
رابعا فضحت دراسة الباحث الدكتور صالح ياسر زيف الشعارات الصاخبة التي تربط بين الشرعية الديمقراطية للحكم وبين النتائج الفعلية لنهوج الليبرالية الجديدة الرامية الى بناء دول مغتربة عن اقتصادياتها الوطنية تنخرها التناقضات الوطنية والنزاعات الاجتماعية.
المفصل الرابع رؤية نقدية
تشيد الدراسة المهمة التي تضمنها كتاب الباحث الدكتور صالح حسن نهجا فكريا يتمحور حول دور الدولة في التحولات الاقتصادية والتنمية الوطنية وعلاقتها بالشرعية الديمقراطية للحكم وهنا بودي ابداء بعض الملاحظات استنادا إلى تحليل الباحث والذي نتفق معه في مفاصل اساسية وربما نفترق في قضايا أخرى نوردها في الموضوعات التالية
الموضوعة الاولى الليبرالية الجديدة والشرعية الديمقراطية
بداية اود التأكيد على أن الدعوة الى بناء نظم ديمقراطية هو خطاب ايديولوجي موجه الى الدول الوطنية تسعى الليبرالية الجديدة من خلاله إلى تمرير موديلاتها الاقتصادية و العلاج بالصدمة ،الخصخصة وإعادة هيكلة الاقتصاد هادفة بذلك الى ابعاد الدولة الوطنية عن وظائفها الاقتصادية والخدمية وما يعنيه ذلك من حدوث تمايزات طبقية حادة وتراجعات داخل التشكيلات الاجتماعية وما ينتجه ذلك من انهيار النظم السياسية للدول الوطنية وإعادة بناء نظم سياسية استبدادية دكتاتورية.
تكثيفا يمكن القول ان الليبرالية الجديدة وفكرها الايديولوجي المعبر عن مصالح الرأسمال الدولي وشركاته الدولية يسعى الى تفكيك الدول الوطنية وإدماج ثرواتها الوطنية في حركة راس المال التوسعية.
الموضوعة الثانية اقتصاد السوق (الاشتراكي)
يشكل نموذج اقتصاد السوق (الاشتراكي) الصيني نموذجا خاصا انتجته مرحلة الانتقال من الاقتصاد الأوامري الى نموذج التطور الرأسمالي. وفي هذا المعنى فان خاصية النموذج الصيني ومرحلته الانتقالية ترتكز على ثلاثة مساند رئيسة أولهما قيادة الحزب الشيوعي الصيني للدولة والمجتمع بعد تحوله الى حزب سياسي يضم كافة طبقات المجتمع الصيني. ثانيهما هيمنة قوية للدولة على قطاعات كثيرة من اقتصادها الوطني، وتعاون بين القطاعين العام والخاص تحت اشراف الدولة ورعايتها. ثالثهما استكمال بناء ايديولوجيا وطنية تعكس مصالح الطبقة البرجوازية الوطنية الصينية الناهضة والهادفة الى بناء هيمنتها السياسية.
الموضوعة الثالثة الدول الريعية والشرعية الديمقراطية
نتفق مع الباحث الدكتور صالح ياسر حول استحالة بناء نظم سياسية ديمقراطية في الدول الريعية وذلك لأسباب كثيرة منها هيمنة الدولة على الثروات الوطنية. ومنها اعتماد اقتصادها الوطني على تصدير النفط ومنها ارتباط القوى المنتجة بالدولة باعتبارها المالك ورب العمل الامر الذي لا يساعد على تنمية الكفاح الوطني. ومنها افتقار الدولة الى تشكيلة اجتماعية قوية تتنازع فيها مصالح طبقاتها الاجتماعية حيث يسود النظام الديكتاتوري الكابح للتغير الاجتماعي.
استنادا الى العرض المكثف يمكننا التأكيد ان كتاب الدكتور صالح ياسر الذي تشد فصوله ركائز الدحض الايديولوجي لخطاب الليبرالية الجديدة ،ركائزها الاقتصادية ووصفاتها المالية فضلا عن فحص نتائج تجاربها الاجتماعية والاقتصادية المتحققة. نقول إن هذا البحث العلمي يشكل اغناء للمكتبة العربية ومرجعا اكاديميا لأساتذة طلبة الدراسات العليا ناهيك عن الكتلة المثقفة لما يتضمنه من تاريخ اقتصادي ونقد علمي ودحض فكري متوازن لتجارب الخصخصة والعلاج بالصدمة والتكيف الهيكلي.