كيف نطور التعليم والتهديدات تلاحق الاساتذة؟ / أ.د. عبد الحسين حسن كاظم

تداعى الخيرون بعد أن طفح الكيل إلى تحرك جماعي واسع سلمي لإيقاف السرقة العلنية للمال العام عن طريق الرواتب الخيالية والامتيازات القانونية لمجاميع نسيت أو تناست نضالات الجماهير الفقيرة والمحرومة من ابسط متطلبات الحياة الحرة الكريمة، وفي مقدمة هذه المجاميع الرئاسات الثلاث والنواب والوزراء أصحاب الدرجات الخاصة الذين لا يتحدث الإعلام الملتزم إلا عن فضائحهم في الشهادات المزورة وامتيازاتهم وعوائلهم وارتباطاتهم بالفساد الإداري والمالي والعقود العالمية الكلفة وحتى الوهمية وسرقة قوت الشعب عن طريق ما يشترى ويوزع في البطاقة التموينية و.. و.. و.. القائمة طويلة.

كانت الجماهير- وفي مقدمتهم الشباب- واضحة في شعاراتها ومطالبها التي انحصرت في الحراك الجماهيري المطلبي في 31/8/2013 بإلغاء الرواتب التقاعدية والامتيازات للذين لا يستحقونها شرعاً وقانوناً وقد حـُددت –وكما نقلت وسائل الإعلام المختلفة- بإلغاء القوانين الخاصة بالرواتب التقاعدية للرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس الحكم والجمعية الوطنية والنواب والوزراء وذوي الدرجات الخاصة، كما كانت الجماهير واضحة أيضا في الإشارة إلى دور المحاصصة وما يسمى بالتوافق في تمرير قوانين تقاعد الفئات التي ذكرت. بينما بقيت القوانين التي تمس حياة?المواطنين في أدراج ودواليب مجلس النواب يتجمع عليها التراب من سنين، وفي مقدمتها قانون الرواتب الموحد وقانون التقاعد. الذي أثار أوساط الأكاديميين العراقيين –ومعهم كل الشرائح الوطنية- إدخال قانون الخدمة ضمن القوانين التي يطالب "التنابلة" بإلغائها، مع أن هذا القانون هو من المكاسب التي حققها حراك الأساتذة الجامعيين الساعين لتطوير التعليم العالي في العراق وإعادته إلى أحسن مما كان في السابق، وليس في ظل الحكومة الحالية وإنما حتى في زمن الحكومات السابقة ومنها حكومة البعث المباد، هنا لا بد لي من الإشارة قبل المناقشة?المفصلة للموضوع الى التخبط بين إلغاء قانون الخدمة الجامعية –والذي يعني حرمان من هم بالخدمة حالياً –وبين إلغاء رواتب التقاعد للأساتذة الجامعيين الذين انهى قانون الخدمة الجامعية خدمتهم لبلوغهم السن القانوني. وبعبارة أخرى فان تحديد راتب التدريس الجامعي جاء ضمن مواد من قانون الخدمة على عكس قوانين التقاعد الخاصة الواضحة تسميتها مثل قانون تقاعد الرئاسات ومجلس الحكم والوزراء ومجلس النواب وغيرها، وانا أقولها وبكل ثقة وإصرار إن إدراج قانون الخدمة الجامعية –الذي حدد تقاعد أعضاء الهيئات التدريسية في الكليات والمعاهد?-يأتي وكأن من ادرجه- توكلنا على الله صاح بأعلى صوته: "عليّ وعلى اعدائي يارب" ولا ابالغ إذا قلت أن التدريسيين الجامعيين كانوا وسيبقون في طليعة المضادين للمحاصصة -التي جرت عليها الويلات وما تزال- وسرقة أموال الشعب دونما رادع من قانون أو دين أو مذهب.
أعود وأقول: إن قانون الخدمة الجامعية وما يتضمنه من مواد خاصة بتقاعد التدريسيين الجامعيين –خدمة وراتب- ليست من هبات أو مكرمات الحكومات بعد الاحتلال في 9/4/2003، ونما هو قانون قديم عاش مراحل الإلغاء والتعديل، والتريث مرات عديدة. كما وانه قانون موجود في بلدان عديدة في المنطقة والعالم، وبكل تأكيد فانه لا يخفى على احد أن صدور قانون الخدمة الجامعية في العراق أو في بلدان أخرى يسعى لتحقيق هدفين: الأول تهيئة الأجواء الحياتية والنفسية للأستاذ لزيادة العطاء الجديه في التدريس وإجراء البحوث وبالتالي تخريج طلبة أكفاء في?جميع العلوم والتخصصات، أما الهدف الثاني فهو منع هجرة الكوادر العراقية وخلق قوة جذب وتحفيز لعودة الكوادر العلمية المتميزة التي تعمل لبناء الوطن. هنا لا بد أن اشير إلى اللقاءات المتكررة لرئيس الوزراء ووزير التعليم العالي والبحث العلمي، والتي كان آخرها اللقاء مع رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، وما نشر. هذا عن اللقاء عن الصورة (البهيجة) التي تريد الحكومة إن يكون عليها مستوى التعليم العالي في العراق والحياة الحرة الرغيدة لأعضاء الهيئات التدريسية في الكليات والمعاهد وإبعاد الوسط الجامعي عن التكتلات السياسية وضغوط?ا على التدريسيين والطلبة في آن واحد، وهنا يحق لنا أن نطرح السؤال على مسؤولي الدولة كافة وهو: كيف نطور التعليم العالي ونضمن العيش الرغيد للأستاذ الجامعي ونحن نهدده بإلغاء قانون الخدمة الجامعية، أو إلغاء المواد الخاصة بالراتب التقاعدي وهو (الأستاذ الجامعي)؟ الذي تحمل الأمرين خلال الحصار الاقتصادي الظالم على شعبنا العظيم، ومن ثم الإرهاب والتهجير والقتل والخطف. كذلك فانا اسأل كل من لديه القليل من نصرة الحق كيف يمكن أن نساوي بين ذلك النائب او الوزير الذي يبقى في موقعه –وحسب قائمته- أربع سنوات في موقع هو تكليف و?يس وظيفة ويقضي هذه المدة في الايفادات أو عدم حضور جلسات مجلس النواب، وبين الأستاذ الجامعي الذي قضى عمره في الوظيفة.
أريد أن اذكــّر الجميع بالكارثة التي حصلت في الكليات والمعاهد عندما قررت الحكومة وبإصرار إحالة المئات من التدريسيين الجامعيين على التقاعد الذين بلغوا السن القانونية للإحالة على التقاعد في 1/7/2008، ذلك القرار الذي افرغ الكليات والمعاهد من خيرة الأساتذة –وأكثرهم بدرجة أستاذ أو أستاذ مساعد –ذوي الخبرة المتميزة والخريجين من أرقى جامعات العالم. كما واذكر بالحراك الجماهيري للتدريسيين الجامعيين لإيقاف القرار أو التريث في تطبيقه لحين الوصول إلى صيغة تجعل الجامعات وهيئة التعليم التقني قادرة على الإفادة من الكوادر ?لتعليمية، وعدم التفريط بها وإجبارها على الهجرة خارج العراق في الجامعات والكليات وخصوصاً الأهلية المنتشرة في منطقتنا العربية والعالم، لا بد لي من الإشارة والإشادة بموقف وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأستاذ الدكتور عبد ذياب العجيلي حينها ومطالبته بالتريث ولو لمدة سنة واحدة فقط. الدكتور العجيلي ظهر قبل مدة على شاشة العراقية وتحدث باعتباره رئيساً للجنة التعليم العالي والبحث العلمي في مجلس النواب وتحدث عن المساعي لإقرار التعديل الثالث لقانون الخدمة الجامعية، ولا اعرف ماذا سيقول لي الأستاذ الفاضل العجيلي ال?ن! وماذا أقول له ونحن الاثنين نعيش في عملية خلط الأوراق وعدم القراءة الصحيحة للقوانين أولا وللمطاليب التي حددتها الجماهير في حراكها المطلبي في 31/8/2013 بإلغاء الرواتب التقاعدية للرئاسات والنواب والوزراء وذوي الدرجات الخاصة. ولزيادة توضيح رأينا نقول: إن طرح التعديلات على قانون الخدمة الجامعية –وخصوصاً العمر ومدة الخدمة الجامعية والراتب التقاعدي- معناه أن هنالك خطأ في البعض نصوص المواد الخاصة بالمحددات الثلاث التي ذكرتها، وتأسيساً على هذا فانا أسأل المسؤولين عن إصدار القوانين كيف نعدل قانوناً مرتين، ثم نعود?لإلغائه نهائياً؟! والله حيرة وما يحلها إلا "أبو غيرة"، واقصد بابي الغيرة أصحاب الحق التدريسيين الأكاديميين بحراكهم المطلبي اليوم قبل غد.
وأخيرا: لا بد لنا من طرح الأسئلة التالية:-
1- هل هناك فهم في أوساط من يسن أو يقر القوانين، لقانون الخدمة الجامعية وأهدافه القريبة والبعيدة؟
2- إذا كانت الحكومة جادة فعلاً في سعيها لتشجيع الكوادر العراقية فهل في إلغاء قانون الخدمة الجامعية كلياً أو بعض مواده المتعلقة بتحديد الراتب التقاعدي ما سيحقق مساعي الحكومة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي؟.
3- هل من العدل وإحقاق الحق أن يساوى التدريس الجامعي الذي يقضي معظم ساعات اسبوعه في التدريس والقراءة وتحضير المحاضرات مع النائب او الوزير الذي نسمع تصريحاته. او نرى لقاءاته من عمان وبيروت ولندن والإمارات وغيرها وليس من بغداد المكان الذي كلف الشعب ذلك الوزير، او النائب القيام باعمال وظيفية فيه؟.
4- هل سمعنا يوماً ما ان استاذاً جامعياً اختلس اموال الدولة او التقاعد مع شركات وهمية او صرف اموالاً في غير محلها، او لنقل بعثرها، مثل ما سمعنا ونسمع من 2003 حتى الآن عن الوزراء او النواب؟.
يا حكومتنا الموقرة المنتخبة.. ويا وزراء المحاصصة.. ويا نواب الشعب الذين فقدتم ثقة الشعب بكم، اتقوا الله وعلموا أن الباطل هو الباطل والحق هو الحق، وان من يريد التقدم لا بد له من الاهتمام بالقائمين على تربية الأجيال وتهيئة الكوادر الكفوءة وفي المقدمة اعضاء الهيئات التدريسية في الكليات والمعاهد الذين قال عنهم أكثر من مسؤول وأولهم دولة رئيس الوزراء الموقر، بأنهم الذين يرفدون الوطن بالكفاءات والكوادر التي ستضمن البناء الصحيح لعراق مزدهر متطور ينعم كل مواطنيه بخيرات العراق وهي كثيرة..