"عضو البرلمان العراقي.. بين التبعية والاستقلال"

جاسم العايف
تكمن أهمية كتاب الباحث عبد الكريم زغير جبر بالعنوان اعلاه، وبمتنه الغني - الموثق، بدقة علمية - مهنية - حيادية، في أمور عدة، منها إن مَـنْ "يصل – تصل"، إلى السلطة التشريعية، يفترض انه، دون جدالٍ، يقف في أعلى سلطة تشريعية، بموجب الدستور العراقي، ولابد أن يكون "مؤهلاً- مؤهلة" لأداء هذا الدور، وهو ما لم يكن في تجربتنا، مع بعض الاستثناءات النادرة.
من المعروف أن تجربتنا الديمقراطية - العراقية - هذه، تضعنا ضمن "الدول ذات الديمقراطيات الناشئة – الضعيفة"، إذ لا تاريخ لنا، يعتد به في هذا المضمار، إضافة لهشاشتها،وثمة عوامل أخرى معروفة للعالم اجمع.
في تقديم الكتاب من قبل الأستاذ الدكتور جعفر عبد السادة بهير الدراجي - عضو مجلس شورى الدولة - الذي يؤكد فيه أن الباحث قد أجاد في رصد وتحليل العوامل المؤثرة في استقلال عضو مجلس النواب العراقي، بشكل خاص، وذلك من خلال تتبع تلك العوامل المؤثرة في استقلاله بداية من مرحلة الترشح والانتخابات والفوز بالمقاعد، وإقرار النتائج، وابتداء العضوية وانتهائها، والعوامل المؤثرة على أداء النائب، وقراراته خلال مدة عضويته.
يهدي الأستاذ عبد الكريم زغير جبر جهده البحثي المهم جداً في المرحلة الراهنة إلى كل عراقي كافح من اجل دولة المؤسسات واحتج وتظاهر ضد الفساد والتبعية، وكان يأمل بالسيادة الوطنية.
تنحصر السيرة العلمية - المهنية للباحث بالتالي: بكلوريوس قانون جامعة البصرة 2006، وماجستير في القانون العام - القانون الدستوري - جامعة البصرة 2015،و خريج دورة محققي هيأة النزاهة - المعهد القضائي- بغداد، ومحقق في هيأة النزاهة منذ عام 2008، وله بحوث متعددة، قانونية - سياسية- اجتماعية، متعددة، منشورة في بعض المجلات الجامعية العراقية - المُحكمة، إضافة إلى مساهماته، العملية، والكتابية، في هذا الشأن في الصحف والمجلات العراقية - العربية، والخوض في كل نشاطاته المهنية، لخلاص الشعب العراقي من الفساد المالي - الإداري المستشري في مؤسسات الدولة، منذ التغيير، والذي لا مثيل له في تاريخ العراق . يوشح الباحث كتابه بالآية الكريمة: " وقـفـوهـم إنـهـم مسؤولون"- الصافات - 24 . ثم يستعير من جون لوك: إن الشعب تبقى عنده سلطة عليا في إزالة المُشرع أو تغييره عندما يرى أن هذا المُشرع يعمل ضد الأمانة الموكولة إليه. وقع الكتاب على "322" صفحة بالحجم الكبير، وتألف من ثلاثة فصول،تناول في الفصل الأول ماهية استقلال العضو البرلماني، والأسس القانونية لها، واحتوى هذا الفصل على "10" مباحث، أما الفصل الثاني فيبحث في العوامل المؤثرة على استقلال العضو البرلماني، وتناولها ضمن "11" مبحثاً، وكان الفصل الثالث عن ضمانات استقلال العضو البرلماني وتناولها ضمن "18" مبحثاً.
استند الباحث في كتابه على ما يتجاوز المئات من المصادر العراقية والعربية والمترجمة، وكذلك المصادر التي توفرها شبكة المعلومات العالمية، والمواقع الالكترونية المختصة في هذا الشأن، باللغة العربية وبعض اللغات العالمية الأخرى، وكذلك بعض الكتب بلغتها الأجنبية، ودساتير بعض الدول، ومنها: العراقي الحالي، والولايات المتحدة الأمريكية،واللبناني، والايطالي، الألماني، والأردني، والفرنسي، والكويتي، والإماراتي، والسوري، واليمني، والبحريني، والقطري، كذلك عاد في بحثه إلى بعض القوانين العراقية منذ سنة 1969 - 2014، وبعض القوانين في الدول الأجنبية والإقليمية والعربية.
الأستاذ "جـبـر" توج جهده البحثي بخلاصة مرشدة تضمنت أهم الضمانات الكفيلة بصون استقلال "عضو مجلس النواب العراقي)"، والمتعلقة بمسائل الحصانة البرلمانية، والمكافأة - المادية - للنائب، واللتان قد أسيء استخدامهما، وتحولتا إلى أهم أسباب انحراف (مجلس النواب العراقي) عن مساره، وفشله الواضح، في تأدية المهام الملقاة على عاتقه، وإساءة استخدامها لمن في السلطة للمصالح الفئوية -الطائفية، والشخصية في حالات عدة، كما حالة ((الحصانة البرلمانية))، التي تم استغلالها في عدم خضوع ومحاسبة نواب متهمين بجرائم خطيرة مثل الإرهاب،والفساد المالي - الإداري، واتخاذ الإجراءات القانونية - الدستورية بحقهم،دون وازع وطني - أخلاقي، من قبل معظم أعضاء مجلس النواب، نؤكد على نأي القليل جداً منهم في هذا الأمر.
وتم التستر بشكل مروع على حالات الفساد المالي الكبيرة عبر التوافق - المتبادل بين الكتل الكبيرة و المتنفذة - المتحاصصة، فالفساد المالي،مثلاً، في العراق، ليس كغيره من الدول، لا من حيث الفاعل،والنوع، والكم، والأسباب، ولا من حيث الموقف منه. الفساد بعد 9 - 4 - 2003 في العراق، ما عاد حالة استثنائية إنما بات (القاعدة)، وهو يُمارس كنوع من السلاح الخفي، في الصراعات الشرسة - المتواصلة على السلطة والنفوذ، وقد تجاوز الفساد المالي في العراق مليارات الدولارات، وهو من فعل كبار المسؤولين والساسة ونواب الشعب، فكانوا المثال والقدوة لغيرهم في هذا الشأن.
والفساد في العراق ليس من جراء إساءة استعمال السلطة للحصول على مزايا شخصية كما تصنفه (منظمة الشفافية الدولية)، إنما من خلال توظيف السلطة واحتكارها لممارسته، ولغرض توظيفه للاستحواذ على السلطة ذاتها، وهو من اختصاص، الطبقة السياسية العراقية المتنفذة، منذ التغيير.
فهي المحتكر الأساس لهذا النشاط في العراق، وليس أولائك المغمورون في أدنى حافات الجهاز الحكومي - الوظيفي، كما إن الفساد، لم يعد مخجلاً ومؤرقاً للضمير الإنساني، للحاكمين في العراق، بعد أن شُرعنَ وقُـننَ، بتوافق جميع الكتل المتنفذة في القرار السياسي- الإداري العراقي، ومَـنْ يمارسونه لا يرمش لهم طرفُ حياءً، خاصةً بعد أن بات المركز السياسي، مغنماً عوضاً من أن يكون واجباً.