تجربة المكتب الصحفي في الناصرية في السبعينات / داود أمين

في 18-6-1972 صدرت لحزبنا الشيوعي العراقي، وبشكل علني، صحيفة (الفكر الجديد ) الأسبوعية في بغداد، فتشكل في الناصرية إثر صدورها مكتب صحفي، ضم الرفاق عدنان حنون والفقيد محسن الخفاجي وعبد الله الرجب وأنا. وكان لهذا المكتب صلة رسمية بالرفيق شاكر حسن في الشطرة، حيث مُنحنا (شاكر وأنا) هوية الصحيفة، لكي يسهل تحركنا الميداني في الشطرة والناصرية، وبالفعل بدأ نشاطنا الصحفي يتضح، من خلال التحقيقات والأعمدة والأخبار والموضوعات المختلفة، التي بدأت تظهر للناصرية على صفحات الفكر الجديد.
وبعد أكثر من سنة وبالتحديد في يوم 21-9- 1973 صدرت علناً صحيفة الحزب المركزية اليومية (طريق الشعب)، وكان على مكتبنا الصحفي أن يتكيف مع الحالة الجديدة، وأن يطور عمله وأساليبه مع الواقع الجديد، خصوصاً وأن مقراً علنياُ أصبح للحزب في مدينة الناصرية، وأن عمل المكتب الصحفي انتقل إلى مقر الحزب، وتم تفريغي حزبياً لقيادة هذا المكتب.
وفي تموز 1974، نظمت هيئة تحرير(طريق الشعب) أول دورة صحفية مركزية لمدة شهر في بغداد، وكنت ممثل محافظة الناصرية فيها، وأذكر من الرفاق الذين ساهموا معنا في هذه الدورة، رضا الظاهر وحميد الخاقاني وسهام الظاهر وصباح الشاهر، والفقيدان سعدي المالح وجمعة كنجي وغيرهم، وكانت دورة عملية ونظرية ولمدة شهر كامل، وفي غاية الأهمية بالنسبة لنا، إذ من خلال موادها، وما تعلمته أثناءها، نظمت بعد عودتي إلى الناصرية، أربع دورات صحفية لعشرات الرفاق، وقد تلت هذه الدورة المركزية الأولى، ثلاث دورات أخرى لطريق الشعب في السنين اللاحقة، ساهم فيها من مكتبنا في الناصرية الرفاق، فاضل السعيدي وعدنان عبد غركان وجاسم عاصي وأنا أيضاً.

مع مرور الوقت، وبالخبرة والممارسة، تطور عمل مكتبنا الصحفي في المحافظة تنظيمياً وإبداعياُ، ففي الجانب التنظيمي تشكلت للمكتب سكرتارية تتكون من الرفاق جاسم عاصي وفاضل السعيدي والفقيد الفنان كاظم العبودي والفنان صالح البدري وأنا، وهذه السكرتارية تمارس عملها يومياً في مقر الحزب، وتشرف على دراسة المحاضر الصحفية، لمكاتب الأقضية والمنظمات المرتبطة بها، وهي خمسة اقضية (الناصرية ويقودها الشهيد مجيد فيصل، الشطرة ويقودها الفقيد فاضل الشطري، سوق الشيوخ، الرفاعي يقودها الرفيق عدنان عبد غركان، الجبايش يقودها الشهيد أبو عاهدين، عبد العباس سالم) وثلاث منظمات (الطلبة، العمال، النساء). كما تدرس البريد الصحفي الوارد من مكاتب الأقضية والمنظمات، وتعيد صياغته وترسله إلى الصحيفة (مباشرة في البداية، وبعد تشكيل المكتب الصحفي للمنطقة الجنوبية، أصبح البريد يرسل عبرها)، وقد أصبح عدد العاملين في المكتب الصحفي في المحافظة، والمكاتب التابعة له في الأقضية والمنظمات(61) رفيقا، يجتمعون في مكاتبهم في انتظام، ويساهمون في تنفيذ البرامج والتكليفات، التي يضعها مكتب المحافظة والصحيفة، وقد برز المكتب الصحفي في المحافظة في نشاطه ومساهماته، واعتبر الأول على مستوى المنطقة الجنوبية، طوال سنوات عمله، والثاني على مستوى العراق، بعد المكتب الصحفي في بابل، وقد انتخبت عضواً في سكرتارية المكتب الصحفي في المنطقة الجنوبية، الذي يضم محافظات البصرة والناصرية والعمارة، وكان يقوده الرفيق أكرم حسين، ومن أعضائه الرفاق الشهيد أيوب عمر والشاعر الفقيد مصطفى عبد الله، والشهيد القاص جليل المياح، والفقيد محمد رضا سهيل، والفقيد القاص جبار العطية، والرفيق هشام الطائي ممثل المكتب الصحفي في العمارة، وبعده أصبح الشهيد (أبو ليلى) كاظم طوفان ممثلاً لمكتب العمارة، وكنت أحضر اجتماعات هذا المكتب، في مقر الحزب بالبصرة، مرة كل أسبوعين، حيث نُعد بريد المحافظات الجنوبية ونرسله إلى الصحيفة، ونضع الخطط والبرامج لعملنا اللاحق، ومن بين تلك الخطط، إقامتنا لدورة صحفية منطقية في البصرة، لممثلين من المحافظات الجنوبية الثلاث، وقد ساهمت هيئة تحرير طريق الشعب معنا، في إلقاء المحاضرات للمشتركين في هذه الدورة.
وكان لنشاط مكتبنا الصحفي المتميز، وما تنشره طريق الشعب لنا من تحقيقات ومواد متنوعة تخص كل أوجه المحافظة، أثر في (نفرزة !) وإنزعاج سلطة البعث في المحافظة من هذا النشاط، فعمد بعض المسؤولين فيها، إلى الامتناع عن الإجابة على أسئلتنا، عندما نتوجه اليهم بها مباشرة! بحجة أنها أسرار خاصة بدوائرهم! وحين عجز هذا الأسلوب عن ثنينا عن مواصلة نشاطنا، تم استدعائي إلى مديرية الأمن، وطلب مني مديرها صراحة أن نخفف من كتاباتنا في طريق الشعب! وعندما عجز هذا الأسلوب أيضاً، وجهت إلي مديرية تربية ذي قار عقوبة (الإنذار!)، لجمعي بين وظيفتين! (التعليم والصحافة! ) مستندة إلى قانون صادر عام 1936، وحين اعترضت على هذه العقوبة واشتكيت في بغداد، على اعتبار أن ما اقوم به من عمل صحفي، لا أتقاضى عنه أجراً، بل هو هواية تشبه كتابة الشعر والقصة، وقلت إن طارق عزيز، يعمل وزيراً، ويرأس في نفس الوقت، تحرير صحيفة (الثورة)! فهل يُعاقب كما عوقبت؟! فلم ينفع اعتراضي ولم تُثمر شكواي، وسرى مفعول العقوبة على تأخير ترفيعي وعلاواتي.
استمر عملنا الصحفي، حتى تفاقم الوضع السياسي أواخر عام 1978، حيث اضطررت إلى الانسحاب من محافظتي في 10-12-1978، تاركاً عائلتي ووظيفتي ومدينتي، والاختفاء في أحد بيوت الحيدرخانة في بغداد، والعمل (صباغاً للشيلمان في الشالجية!)، مع عدد كبير من الرفاق، ثم توفرت لنا أواخر آذار 1979، فرصة تزوير الجوازات، والخروج بأسماء أخرى من العراق، وهكذا غادرت الوطن باسم مستعار، لأعود اليه بعد زهاء سنة ونصف، مقاتلاً في صفوف الأنصار هذه المرة.