مدارات

إيران.. دور السياسة الاقتصادية في اندلاع الاحتجاجات

متابعة – طريق الشعب
منذ 6 أيام متتالية، تشهد عدة مدن إيرانية احتجاجات مناهضة للنظام السياسي أسفرت حتى يوم أمس عن مقتل 15 شخصا وجرح العشرات.
ويشكو المحتجون من سوء الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة. وعزت صحيفة "الغارديان" البريطانية، اندلاع الاحتجاجات في إيران إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة، وتأثيرها على المواطن والظروف المعيشية.
وجاء في تقرير "الغارديان" أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية مثل البيض والدواجن، والمعدلات المرتفعة للبطالة والتضخم دفعت المواطنين إلى الاحتجاج. وبحسب الصحيفة فقد بلغ معدل البطالة 12.4 في المائة في هذه السنة المالية، وفقا لمركز الإحصاء الإيراني، بزيادة 1.4 في المائة عن العام السابق، كما أن زهاء 3.2 مليون إيراني عاطلون عن العمل، من مجموع سكان إجمالي يصل إلى 80 مليون نسمة. ووفقا للصحيفة، فإن التظاهرات التي جاءت للمطالبة بإصلاحات اقتصادية، تحولت بسرعة إلى مطالب سياسية طالت الرئيس الإيراني حسن روحاني.
يأتي ذلك في وقت تتحدث فيه الأرقام الرسمية عمَّا يصل إلى 11 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، و إن 12 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر المطلق، فيما يعيش 25 - 30 مليون إيراني فقرًا نسبيًّا.
ويقول تقرير لغرفة التجارة الإيرانية: إن 33 في المائة من الإيرانيين يرزحون تحت خط الفقر، وجاء التقرير استنادًا إلى أرقام وزارة الطرق وإعمار المدن.
وفي المقابل، كانت فوائد إحياء التجارة والاستثمار مع العالم الخارجي تذهب بصورة شبه كاملة إلى القطاعات الحكومية والقطاعات العامة غير الحكومية. ومن بين ما يقرب من 110 اتفاقيات بلغت قيمتها 80 مليار دولار على الأقل منذ التوصل إلى الصفقة النووية تموز 2015، كان 90 في المائة من هذه الاتفاقيات قد عُقِد مع شركات تملكها أو تسيطر عليها مؤسسات الدولة أو كيانات تتبع بصورة أو بأخرى للدولة. وهو مؤشر واضح على الدور الهامشي للقطاع الخاص في إيران الذي تفرضه الهياكل السياسية والاقتصادية للجمهورية الإسلامية. أما الاستثمارات الأجنبية التي استطاعت إيران جذبها فلم تتجاوز ما قيمته 12 مليار دولار تقريبًا منذ التوقيع على الاتفاق النووي وحتى نهاية السنة المالية السابقة 2015.
وفشلت الحكومة الحالية في تحقيق النمو الاقتصادي الشامل. ولم يكن وعدها بتوزيع عوائد النمو في الناتج المحلي الإجمالي على قطاعات أكبر من السكان، سوى إشاعة ووهم روَّجت له النيوليبرالية الاقتصادية العالمية، وممثلو حكومة الرئيس روحاني.
وفشل النموذج السلطوي النيوليبرالي لحكومة روحاني، في تذليل الصعوبات التي يواجهها ما يقرب من نصف سكان إيران، الذين يعيشون في مستوى خط الفقر او دونه.
ويدعو روحاني إلى تحرير الاقتصاد دون أن يقدم في كتبه تعريفًا واضحًا لريادة الأعمال الحرة والمستقلة، ولذلك فإن فوائد وعوائد العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي تصب في سلة جماعات المصالح السابقة والحالية.
ويدور صراع في اروقة مؤسسات الدولة بشأن مشروع موازنة البلاد للسنة الفارسية الجديدة، والتي تبدأ في 13 اذار المقبل. ويواجه المشروع انتقادات تتعلق بفرض ضرائب جديدة وزيادة في أسعار المحروقات، مما قد يؤثر على الوضع الاقتصادي للمواطنين، ومعدلات النمو والتضخم في البلاد.
وتلقى مراجعة عناوين الموازنة شكوكا كثيرة بشأن جدية الحكومة الإيرانية في حل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. فعلى سبيل المثال، كانت ميزانية عام 2016 تستند إلى ركيزتين، هما: التقشف والأمن. وفي وقتٍ انخفضت فيه خدمات الرعاية الاجتماعية (باستثناء الصحة) بشكل ملحوظ، شهدت قطاعات الدفاع والأمن نموًّا حادًّا. وفي منتصف نيسان 2017، قال روحاني بفخر: إن الميزانية العسكرية ارتفعت بنسبة 145 في المائة، مقارنة بما كانت عليه عندما وصل إلى السلطة عام 2013
وأقرَّ روحاني وهو يدخل دورته الرئاسية الثانية بالفشل، وفي مقدمة برنامجه الحكومي عقب فوزه في انتخابات 2017، يلخِّص حسن روحاني فشل إيران في المجال الاقتصادي قائلًا: "نحن بحاجة إلى اقتصاد مبتكر ومتسق من الناحية البيئية، ولكن للأسف لم نتمكن من تحقيق هذا الإنجاز في القرن الماضي. لقد حققنا تقدمًا في مجالات كثيرة، ولكننا بصراحة، ما زلنا بعيدين عن الوصول إلى موقع قوة اقتصادية إقليمية مؤثِّرة على مستوى العالم".
ويتفق العديد من الخبراء، ضمن امور اخرى على النقاط الرئيسة التالية:
- لا يمكن التهوين من تأثير الاحتجاجات التي تشهدها إيران وتتخذ عناوين اقتصادية بصورة أساسية، فهناك انقسام واضح في المجتمع الايراني، وأظهرت الانتخابات الأخيرة وجود كتلة اجتماعية وتيار قيد التشكل سيكون له تأثيره وحضوره في مستقبل إيران، ولعل الحرمان والغضب هو أبرز ملامح بنيته الاجتماعية، فضلًا عن شعوره بالتهميش الاجتماعي والاقتصادي، كما أن عمقه يمتد في الأرياف والمدن الأخرى غير طهران.
- ينتشر الفقر بنسبة كبيرة في المدن والأرياف الإيرانية وتضعه أرقام رسمية في حدود 12 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر المطلق، فيما يعيش ما بين 25- 30 مليون شخص فقرًا نسبيًّا.
- كما يجب عدم التقليل من أثر هذه الاحتجاجات، إذ يجب في الوقت ذاته عدم التهويل بشأنها، بوصفها مهدِّدًا مباشرًا لبنية النظام القائم، فهو يمتلك من عناصر القوة والاستقرار الشيء الكثير، لكن هذه الاحتجاجات تعد مؤشرًا على التحولات التي يشهدها المجتمع الإيراني، ولا يمكن إغفال تأثيرها مستقبلًا على شكل وبنية النظام القائم.