بمناسبة يوبيلها المئوي .. نساء ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 .. بقلم: فلاديسلاف هيديلر* / ترجمة واعداد: رشيد غويلب




ان من اوائل القوانين التي اصدرتها الحكومة المؤقته بعد اسقاط سلطة القيصر، كان قانون "العفو الشامل عن جميع المخالفات السياسية، الدينية، بما في ذلك الاعتداءات الارهابية، التمردات العسكرية والفلاحية وغيرها".لقد فتحت السجون ابوابها،والمنفين الى سيبيريا والشرق الأقصى بدئوا بالعودة إلى مدنهم وقراهم.
ومن بين السجينات المعروفات كانت فيرا فغنر، التي كانت احدى ناشطات منظمة "ارادة الشعب"، والتي شاركت في عام 1881 في محاولة اغتيال القيصر الكسندر الثاني. وبسبب مشاركتها في التحضير للمحاولة حكمت، ابنة عائلة النبلاء، بالسجن الانفرادي لمدة 20 عاما في زنزانات سجن جزيرة شلسلبورغ المعروف "جزيرة الموت"، والنفي الى منطقة أرخانغيلسك. وبعد إطلاق سراحها، ذهبت إلى فنلندا، حيث انضمت إلى الثوريين الاجتماعيين. وفي عام 1910، انتقلت إلى فرنسا وأسست لجنة في باريس لدعم السجناء السياسيين في روسيا. وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى، عادت فيرا إلى نيشني نوفغورود، حيث شهدت اندلاع ثورة شباط. وبفضل العفو، لم تعد تحت مراقبة الشرطة. واستقبلت الثورة التي طال انتظارها بفرح، ولكن بحزن ايضا، لان النظام القديم لم يسقط نتيجة لحركة ثورية جماهيرية. آخذة بنظر الاعتبار تجربة الثورة الفرنسية، انتقدت حل الجمعية التأسيسية من قبل البلاشفة في كانون الثاني 1918 . وبعد وفاة الفوضوي بيوتر كروبوتكين، الذي عاد أيضا من المنفى في عام الثورة، ترأست المؤسسة التي تحمل اسمه. وصدرت الترجمة الالمانية لمذكراتها الموسومة "الليل فوق روسيا" في عام 1928 ، ولكن دون ملاحظاتها الانتقادية حول التطورات الحديثة في روسيا السوفيتية. وتوفت فيرا فنغر في عام 1942 بموسكو عن عمر يناهز 90 عاما.
في مؤتمرات السلام اليسار الاممي في زيمروالد وكينتال في عامي 1915 ، 1916، والتي شاركت فيها،ضمن أخريات، جيلينا روزميرويتش وشقيقتها يفغينيا بوش، اللاتي عملن مع لينين ونيكولاي بوخارين في بولندا وسويسرا. كانت جيلينا قد نفيت، في زمن القيصر، إلى مقاطعة إيركوتسك. و عاشت عام الثورة في بتروغراد، حيث عملت دارسة القانون في مفتشية العمال والفلاحين ولجنة الرقابة المركزية للحزب الشيوعي قبل أن تتولى ادارة مكتبة لينين في موسكو في عام 1935.
وبالمقابل اتجهت شقيقتها يفجينيا الى اوكرانيا، لتناضل من اجل بناء السلطة السوفيتية في كييف وفينيتسا، ولتصبح وزيرة للشؤون الداخلية في اول حكومة سوفيتية اوكرانية. وعلى غرار "الشيوعيون اليساريون" الذين عارضوا المفاوضات مع "القوى الإمبريالية"، وقفت ضد معاهدة السلام مع ألمانيا، التي وقعت في بريست ليتوفسك في 3 مارس 1918 . وفي سنوات العشرينات كانت قريبة من "المعارضة التروتسكية" ووقعت على "بيان الـ 46"، الذي كان موجها ضد أسلوب قيادة جوزيف ستالين الجامدة؛ واستنكرت بشكل اساسي اختفاء "المناقشة الحرة عمليا داخل الحزب". وفي عام انتحارها 1925، بسبب مرض غير قابل للشفاء، صدرت مذكراتها غير المكتملة، "سنة النضال"، والتي كتبت في شكل رسائل إلى بناتها.
فوجئ 794 مهاجرو روسيا في شباط 1917 باخبار الثورة، فسعوا في ربيع نفس العام بالعودة للوطن، كان بينهم 555 رجلا، 178 امرأة، و61 طفل. لقد قطعت خطوط الجبهة اقصر طرق العودة البرية. والحكومة المؤقتة، وفي المقدمة منهاوزير العدل ألكساندر كيرنسكي، و أيضا لندن وباريس، لم يكونوا بطبيعة الحال راغبين في عودة رافضي العسكرة الاشداء فالحرب يجب ان تمضي حتى النصر. اتخذ لينين قراره بالسفر عبر المانيا المعادية لروسيا. وانتابت بحثه عن شركاء لرحتله صعوبات، فالكثيرون كان يخشون الاعتقال في الحدود الروسية بتهمة الخيانة العظمى. وفي نهاية اذار 1917 كانت قائمة لينين تضم عشرة اسماء. ووصل في 3 نيسان 1917 الى بتروغراد بصحبة 39 عائد، بينهم 14 امرأة وطفلين. وكانت الى جانبه زوجته كروبسكايا و إينس أرماند.
نشأت إينس في موسكو، وهي ابنة ممثلة ومغنية أوبرا فرنسية ، و تزوجت من التاجروصاحب المصنع ألكسندر أرماند، وانجبت منه أربعة أطفال، وقامت بتدريس أطفال الفلاحين في اراضيه الزراعية. وعملت إينس أيضا في جمعية لتحسين الكثير من النساء في موسكو.
واعتقلت إينس لاول مرة في عام 1905 في احداث "الاحد الدامي" في بطرسبورغ، واصبحت بعدها في دائرة اهتمام الشرطة السرية القيصرية، وكانت معروفة باسمها الروسي انيسا. وتعرف عليها لينين عام 1909 في باريس. وعبر القائد البلشفي عن اعجابه بذكاء الفرنسية الجذابة. وتولت خدمات البريد الخاص به. ومثلت لينين في مؤتمر الاشتراكيات الأممي في كوبنهاكن في عام 1910 ، حيث تعرفت هناك على كلارا زنكن وروزا لوكسمبورغ.
بعد عودتها إلى روسيا، أصبحت إنيسا عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة الحزب في موسكو. وفي اللجنة المركزية تولت إدارة شؤون المرأة. وأثناء احدى حملات التعبئة، أصيبت بمرض الكوليرا، وتوفيت في عام 1920. وكتبت كلارا زتكن الى كروبسكايا " اعرب عن خالص التعازى لوفاة رفيقنا انيسا". و القت الناشطة النسوية ألكسندرا كولونتاى كلمة وداع مؤثرة أثناء حفل التأبين في الساحة الحمراء بموسكو.
وعاد في ايار من عام الثورة، مجموعة ثانية من المهاجرين الروس، برئاسة يوليوس مارتوف، الذي أسس مع لينين في 1885 في بطرسبرغ منظمة باسم "اتحاد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة"، 240 مهاجرا بصبحبتهم 40 طفلا. وعلى عكس العربة "المنظيطه" التي استقلها لينين ومرافقيه، كانت العربات الخمس التي تقل الآخرين ضاجه وغير منظبطه، ومليئة بالبهجه. ومن بين 61 امرأة سافرت مع مارتوف كانت إيدا أكسلرود، زوجة عضو حكومة مجالس ميونخ لاحقا توبياس أكسلرود، آنا ريازانوفا، زوجة الناشر لاحقا للطبعة الأولى من مجموعة الأعمال الكاملة لماركس وإنجلز ديفيد ريازانوف، وكذلك زوجة دمتري مانويلسكي، رئيس الأممية الثالثة لاحقا، والدبلوماسي في الأمم المتحدة. وفي كتب التأريخ السوفياتي بقيت هؤلاء النسوة في ظل رجالهن المشهورين. وفي المراجع القديمة يبحث المرء عبثا عن السير الذاتية التي تعطي معلومات عن مسارات حياتهن. وهذا يشمل ايضا أنجليكا بالابانوف، التي عادت أيضا إلى روسيا مع مارتوف في ايار 1917 ، التي درست في بروكسل ونشطت في روما سياسيا بين عاملات النسيج قبل أن تصبح رئيسا للمكتب الاشتراكي للأممية الثانية وتنظم مع كلارا زتكن مؤتمرات نسوية. وفي عام 1919 عملت في الأممية الثالثة، وبعد عامين، انهت عملها هناك وعادت الى ايطاليا لتصبح احد رموز اليسار. وظلت لصيقة بلينين، الذي خصصت له كتابا في 1959 ، وقد تجاوزت التسعين .
ولم يعود جميع المهاجرين على شكل مجموعات. ومن بين النساء اللواتي عدن منفردات، كانت ألكسندرا كولونتاى الساحرة وصاحبة الكاريزما، وابنة لاب من أصول أوكرانية وأم فنلندية، والتي عادت من الولايات المتحدة الأمريكية في شباط 1917 . وقد ارسل لها لينين رسائله التي تضمنت مفهومه عن الحزب من طراز جديد. وفي تموز 1917 اعتقلتها الحكومة المؤقتة بتهمة "خيانة الوطن" ، ولكن تم الإفراج عنها بكفالة من مكسيم غوركي. وكانت في الحكومة السوفياتية الأولى مسؤولة عن الرعاية الاجتماعية. وفي عام 1925 صدرت الترجمة الألمانية للمجلد الأول من كتابها "مسارات الحب" الذي نفذ خلال ايام قلائل في مكتبات جمهورية فايمر الألمانية. وقد وصفت السفيرة السوفيتية اللاحقة عودتها الى روسيا بالقول"لقد عشت حيوات متعددة".
وعادت كل من أدوراتسكايا ليوبوف ، زوجة المدير اللاحق لمعهد ماركس-إنجلز- لينين فلاديمير أدوراتسكي، و ناتاليا سيدوفا، شريكة حياة ليون تروتسكي، مع عوائلهن من المنفى. ورافقت الفيلسوف جورجي بليخانوف زوجته روزاليا داويدوفنا التي عملت طبيبة في إيطاليا.
لقد عشن نساء الثورة الروسية حيوات كثيرة. لقد مررن بالسجن والابعاد والمنافي. وفي روسيا السوفيتية وجدن عمل مثمر في النقابات، في تعليم الشعب، في الجهاز الاقتصادي، في نظام الرعاية الصحية، و في الكومنترن. وفي ظل ديكتاتورية ستالين، شارك الكثير منهن مصير أزواجهن. وتبعت ناتاليا سيدوفا زوجها إلى المكسيك، حيث اغتيل تروتسكي في عام 1940 بتكليف من ستالين. ولم تنجو حتى زوجة لينين كروبسكايا من تهديدات ستالين، في حال استمرارها في دعم الحزب (الشرعية الحزبية- المترجم).
*- فلاديسلاف هيديلر: باحث الماني روسي هو بن الشيوعي الألماني فالتر هيديلر، وام روسية. امضى سنوات 1943 – 1955 مبعدا في تومسك. وعاد مع والديه الى المانيا الديمقراطية. درس الفلسفة في جامعة هومبولت في برلين الشرقية. وحصل في عام 1985 على الدكتوراه على دراسته حول نيكولاي ايفانوفيتش بوخارين. اختص بالتاريخ السوفيتي، ويعد من الباحثيين العالميين في الشيوعية.
**- نشرت في العدد 28 / تشرين الثاني 2017 من مجلة الحقيقة التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي في الناصرية