العلاقات المضطربة بين القوى السياسية تهدد مصير العراق/ د. مؤيد عبد الستار

استطاع نظام حزب البعث التضييق على العراقيين وخنقهم في مقولة أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة رغم عدم التزامه باي حرف من حروفها على الصعيد العملي ، فكل ما قام به منذ لحظة وصوله الى سدة الحكم عام 1968 حتى لحظة انهياره عام 2003 كان ضد تلك المقولة التي خطها في كل مكان وعلى كل جدار .
ولكنه استطاع ان يقولب العراقيين بقالب حزب البعث ، فكل عراقي بعثي وان لم ينتم ، يرزح تحت سوط دكتاتوريته البغيضة . وكان النظام يـُظهر للعالم انه يحكم بلدا يسمى العراق ، لكن ذلك لم يكن سوى ادعاء انكشف زيفه من خلال ممارساته المعادية لابناء العراق مثل تجفيف اهوار الجنوب لكي يقضي على ثوار الاهوار وانتفاضاتهم الدائمة ، وانسحابه الاداري من كردستان بعد الانتفاضة عام 1990 التي عمت ارجاء كوردستان وحصولها على حماية دولية ساعدتها على العيش بامان نسبي من ظلم النظام الاستبدادي .
جبهات سياسية
عملت القوى السياسية العراقية ابان الحكم الدكتاتوري تحت عناوين مختلفة لمقاومة النظام الصدامي ، فكانت هناك جبهة تشكلت تحت اسم جود ، واخرى تحت اسم جوقد ، وتحالفات ثنائية بين الاحزاب الكوردية والاسلامية ، واخرى بين الاحزاب الكوردية والديمقراطية ، كما كان هناك تنسيق سياسي وعسكري بين مختلف القوى المعارضة لنظام صدام رغم حدوث بعض الانتكاسات في تلك التحالفات بين الاحزاب والقوى السياسية ، تلك الانتكاسات التي تجاوزتها القوى السياسية فيما بعد واستطاعت تنظيم مؤتمرات سياسية اسهمت في تنسيق عسكري لا بأس به ضد النظام الصدامي حتى جاء النصر اخيرا بتدخل امريكي ادى الى انهيار العصابة الصدامية التي كانت تدعي البطولات بينما انهزمت شـر هزيمة دون مقاومة تذكر واختفى قائدها الضرورة في حفرة بائسة ليستسلم بعدها ويلقى حتفه المحتوم .
الحكم والفساد
ادى التغيير الذي حصل في العراق الى تشكيل مجلس حكم عراقي ، ثم اجراء انتخابات افضت الى تشكيل حكومة ، جاءت بعدها حكومة ثانية ونحن في طريقنا الى انتخابات جديدة على امل ان تأتي بحكومة اخرى تقود البلاد نحو أهداف يتطلع لها المواطن العراقي آملا ان يجد فيها ما يحقق طموحه في حياة آمنة وعيش كريم .
ولكن الانقسام الطولي والعرضي بين القوى السياسية يملأ سماء البلاد بالتوجس من القادم الذي يسبح فيه السياسي في مستنقعات الفساد والاحتيال واللعب على أنغام الطائفية ، واللجوء الى العنف في معالجة الخلافات التاريخية والاجتماعية التي لا يخلو منها اي مجتمع ، والتي يجب تجاوزها والسير مع ركب الحضارات الجديدة التي تبزغ انوارها في البلدان القريبة والبعيدة التي لا يحجبها حجاب بسبب تطور عالم الاتصالات وتوفر مستلزمات الاطلاع من ساتلايتات فضائية وانترنيت وهواتف محمولة وكاميرات تنقل اخبار العالم بالثواني لا بالساعات .
الصراع بين المكونات
يشتد الصراع بين المكونات العراقية بعدما شبع المواطن من الصراخ ان العراق بلد واحد فيه موزائيك جميل يعيش متآخيا ، بينما يعمل السياسي الجاهل على ايجاد المسببات لتفريق هذا الموزائيك وتشتيته في متاهات الصراع الطائفي والمذهبي والديني والسياسي ، لكي يستطيع الاستمرار بنهب ما تيسر له من ثروة البلاد ولا يجد ضيرا في الركوع الى ارادات دول الجوار والقوى المعادية للبلاد والعباد .
لا أحد ينكر توزع المكونات العراقية سياسيا واقتسامها المراكز السيادية في الحكم ، فالنسب في مجلس النواب توزعت بين التحالف الشيعي والمكون السني والمكون الكوردي ، وكذلك تقاسمت تلك المكونات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الوزراء ، ولكننا نلاحظ عدم انسجام تلك القوى وتسخير المراكز التي تسنمتها لصالح اهوائها ومنافعها ، لا لصالح عموم الشعب ، فالذي يجري ان جميع المكونات العراقية تضررت نتيجة سوء استخدام تلك المراكز السيادية الى درجة ان نائب رئيس الجمهورية السابق عمل على قتل ابناء شعبه بالمتفجرات والمفخخات وكواتم الصوت ، حتى قـُبض عليه متلبسا بالجرم المشهود فطار الى دول الجوار ينشد عندهم ملجأ يحميه من غضب الشعب الذي منحه الثقة في استلام اكبر منصب سيادي في البلاد بعد رئيس الجمهورية وتلك لعمرى مفارقة لا تحدث في اي بلد مهما كانت درجة تخلفه وتشظيه .
الانهيار
بعد وصول الصراع بين القوى السياسية العراقية الى درجة الانصهار القصوى ، نرى تماهي بعض القوى السياسية مع قوى ومنظمات ارهابية ، و يمتد الصراع بين القوى السياسية الى درجة التهديد بقطع رواتب الموظفين ، وتهديد القوى السياسية المقابلة باللجوء الى ( خيارات اخرى ) .
واستنادا الى هذا الانقسام والتشظي في المجتمع وبين القوى السياسية ، لا يسعنا الا ان نحسب الساعات والايام التي ستوصل البلد الى الانهيار التام الذي بدأت ملامحه تنجلي من خلال البوادر التي تشير الى قرب افلاس ميزانية العراق المالية نتيجة سوء التصرف بالمال العام وسهولة نهبه من قبل من هب ودب والفساد الاداري الذي شمل اجهزة ومؤسسات الحكومة التي اصبحت لاتملك بوصلة تقودها لمحاسبة اللصوص والسراق والجناة ، وحين يفقد البرلمان سلطته في البلاد ويصبح العوبة بيد القوى السياسية ويخضع لمزاج الاشخاص وتحقيق رغباتهم ومنافعهم ، لن يبقى لنا الا ان نقرأ على العراق السلام .