هكذا حزب الشيوعيين! / يوسف أبو الفوز

مساء 31 آذار 2014 ، تضاء ثمانون شمعة في "صواني" عيد الشيوعيين العراقيين
ثمانون نجمة تتألق في سماء الوطن !
ثمانون راية تخفق في وجه الريح !
ثمانون وردة تضوع بالشذى !
ومئات القامات تنهض لتصيح : ها نحن هنا ، كنا ولا نزال، جذورنا تمتد في أرض الوطن المعطاء ، بين جماهير كادحي شعبنا، حيث لم تستطع كل ماكنة الإرهاب والعسف ان تمسح من ذاكرة الناس أمجاد وعمق أصالة حزب فهد وسلام عادل والحيدري وسعدون !
طويلا، حلم الديكتاتور المقبور، جنرال الحرب المزيف، بوضع نهاية لنشاط ونمو حزب الشيوعيين العراقيين، وايقاف نضاله من اجل الوطن الحر والشعب السعيد . وتناسى ان قبله وبعقود طويلة، حلمت إمبراطورية ، كانت الشمس لا تغيب عن أرضها ، بذات الحلم ، لكن التاريخ قال لهم قولته .
سقط المئات من الشهداء الشيوعيين ، وجاء بعدهم مئات المناضلين يواصلون الدرب ، يرفعون الراية على ذات الطريق وباسم ذات المبادئ، التي تريد الكرامة للناس ، الخبز للفقير، والعدالة للجميع .
كان الخالد فهد واثقا من عدالة مبادئ حزبه وقضيته ، ففي يوم إعدامه قال لجلاديه : " نحن أجساد وأفكار فان دمرتم أجسادنا فلن تدمروا أفكارنا ". ومن على حبل المشنقة ، أطلق صرخته الشهيرة التي بيّن تاريخ شعبنا ووطننا مع كل الصعاب والنكسات ، قوة وصدق تلك الصرخة : "الشيوعية أقوى من الموت واعلى من أعواد المشانق " ! ولم يستطع قطعان الحرس القومي البعثي الفاشي، ان ينالوا من صلابة الشهيد الأسطورة سلام عادل، الذي أرعب جلاديه بصموده، رغم كل وحشية ما تعرض له من أساليب تعذيب بروح سادية ، كان يستمد صلابته من قناعته ان المسيرة ستستمر وسيستعيد حزب الكادحين قوته وستبنيه الأجيال الجديدة. وحين اتكأ النصير أبو أيار ( الفنان فؤاد يلدا ) على جراحه، وضغط الزناد مختارا الموت على الاستسلام لافراد العدو بعد اصابته في كردستان، كان يرى ذلك الأفق المشرق لشعبه الذي ستساهم في رسمه نضالات حزبه. وفقد الجلاد حسن المجيد (علي كيمياوي ) صبره وهو يحاول كسر صمود الشهيد البطل، عبد الحسين كحوش ( ابو كفاح ) قبل اعدامه ان يقر لهم ولو باسمه الصريح، وكان قد اصر على اسمه المستعار في اوراقه المستعارة يوم القوا القبض عليه بوشاية من خائن خلال ادائه مهامه الحزبية !
وكان الديكتاتور المقبور، يواصل حلمه العقيم ، من لحظة ان رفع راية القومية الشوفينية في بلادنا ، وراح ينثر الموت والخردل والجوع والحزن في كل ربوع الوطن ، كان يظن انه سيضع حدا لطموحات شعبنا في الحرية ووقف نضال حزب الشيوعيين العراقيين. كان الديكتاتور المخلوع ـ وجلاوزته ـ يظن ان مقابره الجماعية ، وزنازين سجونه ، وأحواض الاسيد ، والإرهاب المنظم سيكون كافيا لغسل ذاكرة الشعب ، ولكن التاريخ عاد ليقول كلمته من جديد : لا يمكن لكابوس الظلم ان يستمر طويلا ، فشمس الشعب لا بد ان تشرق ، لتتنفس الحياة الأمل بكل ما هو نضر وجديد .
كان حزب الشيوعيين يتصلب كل يوم، وسنين النضال تمنحه افاقا جديدة، في العمل والطموحات والآمال، وتحت رماد سنين الصبر كان جمر الأمل ينتظر تلك الصباحات، التي لا اجمل منها، صباحات سقوط القتلة ، فاشتعلت ذاكرة العراقيين بالمحبة للحزب الذي عرفوه طيلة سنوات عمره المديدة ، مدافعا عن قضاياهم ومستقبل أجيالهم القادمة .
يوم اضطررت لمغادرة الوطن، سرا، مشيا عبر الصحراء، صيف 1979، ولوداع أهلي وأحبتي، كتبت لهم على الباب الداخلي لدولاب ملابسي سطرا من الشعر للشاعر الروسي بوشكين يقول :
الضربات القوية تهشم الزجاج
لكنها تصقل الحديدا !
حين زرت وطني بعد سقوط الديكتاتور، من بعد غياب اكثر من ربع قرن ، وجدت ان أحبتي ما زالوا محتفظين ، وباعتزاز، بدولاب الملابس ذاته، وحريصين على الكلمات المكتوبة عليه ، فالأيام بينت لهم ولنا ولاعداء شعبنا ، ان الحديد صار فولاذا بالطرق المتواصل...
هكذا حزب الشيوعيين !