الفساد في تزايد / رياض عبيد سعودي

الارهاب والفساد المالي والاداري وجهان لعملة واحدة، وكلاهما على درجة كبيرة من الخطورة، فالاول يستهدف كيان الدولة السياسية والثاني يستهدف كيانها الاقتصادي، ومبعث خطورتهما أنهما يستخدمان وسائل هجومية نشطة ومدمرة، فالارهاب يعتمد على القتل والحرق والتدمير والتهجير وغيرها. والفساد يستند على السرقة والاختلاس والرشوة وغيرها وهي وسائل تدميرية للاقتصاد، ويبدو خلال دراسة المؤشرات الرقمية عن حالة الفساد وهي بهذه الدرجة من الخطورة أنه على درجة كبيرة من الاهمية وأن الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية وحتى المنظمات المدنية المتخصصة غير قادرة على كبح جماح هذا الانفلات فيه كما هو الحال بالنسبة للارهاب الذي يصعب في الامكانيات الحالية للدولة أن تضع حداً حاسماً له. ولكي نسلط الضوء على هذه القضية بشكل واضح فسنقرأ المؤشرات التي توفرت في التقرير السنوي لهيئة النزاهة لعام 2012 والذي يبين أن جرائم الفساد المالي والاداري في تزايد خلال عام التقرير مقارنة بعام 2006 وبنسبة 185 بالمائة حيث بلغت في عام 2006 بحدود 6022 قضية مقارنة بعام 2012 الذي كانت فيه 17146 قضية فيها 6741 قضية أخبارية و 10405 قضية جزائية وكان أن أصدرت الهيئة 2667 أمر قبض في عام 2012 أي بنسبة زيادة بلغت 430 بالمائة مقارنة بعام 2008 الذي بلغ العدد فيه 620 أمر قبض ومما بلغت الانتباه والحزن في ذات الوقت أن بينها 9 بحق وزراء ومنهم بدرجتهم و 61 مديراً ومنهم بدرجتهم. فكيف يمكن للدولة أن تنجح في تنفيذ مهماتها وفيها هذا العدد من المفسدين ومن كبار المسؤولين. وعلى صعيد أستقدام الاشخاص التي تحوم حولهم شبهات الفساد فأن العدد يصل الى 6029 شخصاً منهم 27 وزيراً أو من بدرجته تم توقيف 1226 شخصاً بينهم وزيراً واحداً و 61 مدير عام ومن هم بدرجتهم. وكان توزيع المحالين الى المحكمة كما يلي:-
جرائم رشوة 276
جرائم اختلاس 568
جرائم الاضرار بأموال الدولة 2188
تزوير 858
ومن المؤسف أن العديد من المسؤولين الكبار أصروا على العفو العام وأصدر مجلس النواب في حينه قانون رقم 19 لسنة 2008 ليستفيد 804 متهمين بجرائم الفساد وكانت كلفة الفساد في جرائم العفو العام 489577917 ديناراً وفي المقابل بلغت قيمة الفساد المكتشف في عام 2012 بحدود 133 مليار دولار وهذا أحد الأدلة التي تؤكد أن بعض المسؤولين الكبار يقفون في موقع الدفاع القوي عن المفسدين ويشكلون جداراً قوياً يحتمي وراءه المفسدون. يبدو من خلال المؤشرات أن الفساد في تزايد مستمر وأن الدولة بكل فعالياتها في الضبط ونشاطاتها في الوقاية لم تفلح لحد الان في تحقيق نسبة معقولة من التراجع في هذا المرض المستشري في مفاصل الدولة العراقية بصورة مستحكمة، وأن الحكومة أصابها العجز في مواجهة الارهاب الاقتصادي المتمثل في أحد أشكاله بالفساد المالي والاداري.أن المؤشرات الرقمية التي تم أستعراضها لا تمثل الحقيقة بكاملها فالواقع أوسع بكثير، فالحقيقة التي ينبغي أن تدركها الدولة أن المكتشف من هذا النمط من الجرائم لا يشكل اكثر من 30 بالمائة ويبدو أن حتى هذه النسبة تخطتها بعض الوزارات والمؤسسات كوزارة الدفاع والداخلية والكهرباء والاعمار وغيرها. ومبعث الخطورة يتجلى عند تحريك هذه الارقام فأذا افترضنا أن عدد القضايا في عام 2012 يبقى ثابتاً طيلة الخمس سنوات القادمة رغم ان هذا الاحتمال ضعيف لأن الزيادة حاصلة حتماً فأن مجموع القضايا سيكون بعد هذه المدة بحدود 13335 قضية بينهم 135 وزيراً أو من بدرجته وستحيل الهيئة 29900 متهماً بجرائم الفساد. الا تستفز تشكل هذه الارقام عبئاً ثقيلاً على الحكومة والقضاء والوزارات المختصة؟ أذن من المؤسف أن نقول أننا أمام كارثة حقيقية ولازلنا نتعامل معها بكل البساطة حيث الفساد لم يتراجع أمام كل أجراءات تحجيمه أو ايقاف زحفه على كل مؤسسات الدولة. بدليل وجود وزراء ومن في مستواهم ومدراء عامين ومن في درجتهم، ويعني هذا الشمول أن هناك وكلاء وزارات ومحافظين ورؤساء مجالس الشعب وعدد من أعضائها وغيرهم من المسؤولين الكبار الذين عليهم شبهات فساد بل قضايا فأنهم يشكلون درعاً للادنى من المفسدين في دوائرهم وبذلك يبدو من الصعب ان يحصل تغييراً جوهرياً في ساحة مكافحة الفساد وسيمتد الوقت الى أن يعاد النظر في أجهزة الرقابة والتدقيق لتمكنها من أداء دوراً أكبر في سد الثغرات في الانظمة الحسابية والمخزنية والصرف وغيرها وتقوية أدواتها في مواجهة مهماتها الجيدة، ولا يقف الامر عند هذا الحد فانه ينبغي دراسة أنظمة العقود والشراء وغيرها وأستبدالها بالانظمة الحديثة لسد الثغرات فيها وهكذا ينبغي البحث في الوسائل وأدوات العمل لتقويمها وتقويتها في مواجهة مهماتها بكل الامكانية.